أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الفرح بالكلمة
واحد من أهم مصادر الفرح للمؤمن في هذا العالم هو كلمة الله.  والأسباب التي تدعو إلى ذلك كثيرة، فكلمة الله هي:

1. طعام ملذ

يلقَّب إرميا بالنبي الباكي، ومع ذلك فإن الرب أعطاه مادة عظيمة للفرح، هي كلمة الله، فقال: «وُجد كلامك فأكلته، فكان كلامك لي للفرح ولبهجة قلبي»؛ وكان نتيجة ذلك أن أمكنه الانفصال عن أفراح العالم الوهمية الزائلة (إر15: 16، 17).  وأعتقد أن مريم من بيت عنيا، عندما زار الرب قريتها، وقَبِلَته مرثا أختها في بيتها، وجلست مريم عند قدميه لتسمع كلامه، كأنها كانت تردِّد كلمات إرميا هذه، فهي يقينًا كانت تأكل كلامه، وليس فقط تسمعه.  طوباها، إذ كانت جالسة عند قدمي الكلمة المتجسد، تسمع منه دروسًا من الكلمة المكتوبة!

وأكل كلام الله معناه تخصيص الكلمة للنفس.  وبعد الأكل ستأتي عملية الهضم، وهي عملية بطيئة، ولكن بدونها لا نستفيد مما نتناوله.  وهكذا فإننا نحتاج إلى التفكر والتأمل في كلمة الله بعد أن نقرأها، فالحيوانات الطاهرة بحسب تعليم العهد القديم، كانت تأكل وأيضًا تجتر (لاويين 11).

2. ثروة وافرة

قال المرنم في مزمور 119: «أبتهج أنا بكلامك كمن وجد غنيمة وافرة» (مز119: 162).  إن الأرباح التي نحصل عليها من تفتيش الكتاب المقدس، أوفر وأكثر من غنائم الحرب التي يتقاتل الناس عليها.

ما أكثر ما نسمع في هذه الأيام عن عروض للحصول على جوائز، وعادة يُقال عمن يفوز بجائزة إنه سعيد، فالكل يسعي للثروة.  لكننا نعرف أن الأموال لا تجلب لصاحبها السعادة، أما الغنيمة التي نحصل عليها من كلمة الله فهي تسبب الفرح الأكيد وتجلب السعادة الوافرة (انظر مزمور 119: 72، 111، 162).

3. مشغولية اليوم كله

نتعلم من المزمور الأول أنَّ التأمل في ناموس الرب يتبع سرور الشخص بها، ومن المزمور 119 نتعلم أن التلذذ بالكلمة يتبع التأمل واللهج فيها.  وهكذا فإن من يجد سروره في ناموس الرب، سيجد نفسه مشغولاً بها «في ناموسه يلهج نهارًا وليلاً»، ومن ينشغل هكذا بها سيزداد حبًا لها وإعجابًا بها «كم أحببت شريعتك، اليوم كله هي لهجي» (مز 119: 97).  بعض الناس كلما ازددت معرفة بهم قل إعجابك بهم، على العكس من ذلك كلمة الله، فهي مثل صاحبها، كلما عرفته أكثر ازدت تعلقًا به وحبًا له.

4. ترنيمات السائحين

«تَرْنِيمَاتٍ صَارَتْ لِي فَرَائِضُكَ فِي بَيْتِ غُرْبَتِي» (مز119: 54). ونحن نعرف أن الترنم هو دليل الفرح.  فما الذي يفرح الغريب في هذا العالم، سوى كلام الله؟  ويخبرنا العهد الجديد أنه نتيجة سكنى كلمة المسيح في قلوبنا بغنى يأتي الترنيم الذي يُعَبِّر عن الفرح (كو3: 16).

والغرباء في بلد بعيد عن وطنهم عادة عندما يلتقون معًا، يلذّ لهم أن يتكلموا عن الوطن وعن آخر أخباره وعن موعد سفرهم إليه.  وهكذا نحن نعرف أخبار السماء من الكلمة الإلهية، ويلذ لنا أن نتكلم بها مع بعضنا البعض.  وكم من المرات عندما اجتمع الإخوة معًا، وتحدثوا من الكتاب المقدس، ختموا فرصتهم بالترنم عن الأبدية السعيدة، ومنازل بيت الآب المجيدة.

5. أحاديث المسافرين

كانت الوصية في العهد القديم بخصوص الكلمة الإلهية أن يتكلم بها الإسرائيلي التقي وهو في الطريق (تث6: 7).  وهذا ما عمله المسيح المُقام من الأموات في لوقا 24.  لقد كان تلميذا عمواس في منتهى الحزن واليأس، ضاع منهما الأمل واستبدَّ بهم الألم، فما الذي أخرجهما من حالتهما، بل وأبدلها بالفرح؟  إنه الكتاب المفتوح.  ليس أن المسيح كان معه نسخة من الكتاب المقدس في يديه، بل كانت الشريعة في وسط أحشائه (مز40: 8)، فلما فتح الكتاب وشرحه لهما التهب القلب.  وربما من بدء التاريخ لم يحدث أن اثنين من البشر انتقلا بهذه السرعة من عمق اليأس والحيرة، إلى قمة الفرح والنشوة كما حدث مع تلميذي عمواس، والسبب في فتح المكتوب.  صحيح الذي كان معهما هو يسوع المُقام، ولكنه قصد أن يكلمهما ويشرح لهما الأمور المختصة به في جميع الكتب، قبل أن يعرفا حقيقة شخصه، والتهب قلبهما ليس عندما عرفاه، بل كما قال أحدهما للآخر: «ألم يكن قلبنا ملتهبًا فينا إذ كان يكلمنا في الطريق، ويُوَضِّح لنا الكتب؟».

يقول الحكيم: «الغمّ في قلب الرجل يحنيه».  وما أكثر الأشياء التي من شأنها أن تحني نفوسنا وتملأ قلوبنا بالغمّ، كما كان في ذلك اليوم مع تلميذي عمواس.  لكن «أليس بلسان في جلعاد؟».  نعم، إنه كلمة الله.  لذا يستطرد الحكيم قائلاً: «الكلمة الطيبة تفرحه» (أم 12: 25). ونحن لدينا حقًا الكلمة الطيبة التي تفرح!
يوسف رياض