أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الفرح بالآلام لأجل المسيح
        «بَلْ كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ،
افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ» (1بط4: 13)

حدث هذا حين كنَّا بالسنة النهائية بكلية الطب، عندما أمسك أستاذ الجراحة بالدفتر المُقيَّد بِه أسماء الطلاب، بغرض التعرف علينا.  وبعد تلاوة عدة أسماء، نادى مُتهكمًا: إشعياء!  اسمك إشعياء؟!  أجاب الطالب: نعم، يا دكتور، أنا إشعياء.  فقال الأستاذ بسخرية: وكيف نجحت في السنة الأولى والثانية والثالثة، بل ووصلت إلى البكالوريوس، وأنت تحمل هذا الاسم؟! 

ولكن ما أسهل هذا الموقف إزاء ما تعرض له المؤمنون إبان أزمنة الاضطهاد، من جلد وقيود وحبس، بل وموت من أجل اسم المسيح.  إننا نود التأكيد على أن الألم لأجل الرب لَم ولن ينتهي؛ فمزاح ابن الجارية متواصل عبر العصور، وعلينا كمؤمنين التسلح بهذه النية؛ نية الألم (1بط4: 4)، ولا ينبغي التهرب من هذا الألم، بإذعاننا لمساومات الشيطان، أو مداهنة العالم، بل يجب أن يكون لنا رد الفعل الصحيح إزاء ما نتعرض له: لنحتمله بصبر، بل ويغمرنا الفرح لاشتراكنا في آلام المسيح.  ولن نتمكن من الثبات في مواجهة هذه التحديات إلا من خلال كلمة الله وثباتها فينا، كي نتصرف حسنًا في كل شيء. 

وإليك ببعض توجيهات هذه الكلمة:

أولاً: لاَ تَسْتَغْرِبُوا  ...

توَّقّعوا


ربما يتساءل البعض بِحَيرَة: لماذا يسمح الله لأحبائه بهذا؟!  يُجيب الكتاب: «أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ، لاَ تَسْتَغْرِبُوا الْبَلْوَى الْمُحْرِقَةَ الَّتِي بَيْنَكُمْ حَادِثَةٌ، لأَجْلِ امْتِحَانِكُمْ، كَأَنَّهُ أَصَابَكُمْ أَمْرٌ غَرِيبٌ» (1بط4: 12).  والرب نفسه قد سبق وأخبرنا بطبيعة إرساليتنا كحملان وسط الذئاب، ولن يُعتبَر الألم لأجل المسيح أمرًا غريبًا إلا في نظر مَن يُنادون بإنجيل الصحة والغنى، أما نحن فلا ننتظر من تبعيتنا لمسيح مرفوض سوى الرفض.

ثانيًا: لا تخجلوا ...

افتخروا


الخجل كل الخجل حين يتألم أحدنا بسبب خطاياه «فَلاَ يَتَأَلَّمْ أَحَدُكُمْ كَقَاتِلٍ، أَوْ سَارِقٍ، أَوْ فَاعِلِ شَرٍّ، أَوْ مُتَدَاخِلٍ فِي أُمُورِ غَيْرِهِ.  وَلَكِنْ إِنْ كَانَ كَمَسِيحِيٍّ، فَلاَ يَخْجَلْ، بَلْ يُمَجِّدُ اللهَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ» (1بط4: 16).  كم كانت رائعة صلاة بولس وسيلا في سجن فيلبي، وكم كان مُلذًا للرب التسبيح بينما الأرجل في المقطرة، فلم يهرب سجين، ولم يفلت من الخلاص سجَّان.  وعن بولس في سجن روما يحسب نفسه بكل افتخار أنه ”سفير في سلاسل“ (أف6: 20).

ثالثًا: لا تفشلوا ...

ثابروا


نحن بكل شرف نتبع الرب ونخدمه «مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ، إِذْ لَنَا هَذِهِ الْخِدْمَةُ - كَمَا رُحِمْنَا - لاَ نَفْشَلُ» (2كو4: 1)، «لأَنَّ خِفَّةَ ضِيقَتِنَا الْوَقْتِيَّةَ تُنْشِئُ لَنَا أَكْثَرَ فَأَكْثَرَ ثِقَلَ مَجْدٍ أَبَدِيًّا» (2كو4: 17)، ولذلك فنحن نحاضر بالصبر، ونُثابر باجتهاد دون فشل، لأننا سنحصد في وقته.

رابعًا: لا تخافوا ...

ثقوا


يُشجِّع الرب الكنيسة المتألمة لأجل اسمه قائلاً: «لاَ تَخَفِ الْبَتَّةَ مِمَّا أَنْتَ عَتِيدٌ أَنْ تَتَأَلَّمَ بِهِ.  هُوَذَا إِبْلِيسُ مُزْمِعٌ أَنْ يُلْقِيَ بَعْضاً مِنْكُمْ فِي السِّجْنِ لِكَيْ تُجَرَّبُوا، وَيَكُونَ لَكُمْ ضِيقٌ عَشَرَةَ أَيَّامٍ.  كُنْ أَمِيناً إِلَى الْمَوْتِ فَسَأُعْطِيكَ إِكْلِيلَ الْحَيَاةِ» (رؤ2: 10).  ويشجعنا بطرس في رسالة الألم قائلاً: «وَلَكِنْ وَإِنْ تَأَلَّمْتُمْ مِنْ أَجْلِ الْبِرِّ، فَطُوبَاكُمْ.  وَأَمَّا خَوْفَهُمْ فَلاَ تَخَافُوهُ وَلاَ تَضْطَرِبُوا» (1بط3: 14).  حقًا من يضع ثقته في الرب، بِجُبِّ الأُسُودِ لا يأبه، وبِأَتُّونِ النار لا يُبالي.

خامسًا: لا تحزنوا ...

افرحوا

هل من الممكن لمتألم أن يفرح؟!  يا لها من أفراح حقيقية تغمر قلب من يتألم لأجل سيده.  فحين ينظر إلى الماضي يفرح، وإذ يتأمل حاضره يفرح، وعندما يتطلع إلى المستقبل يفرح أكثر.

1. فرح بالألم من أجل الرب، بالنظر إلى الماضي

عندما نُمعن النظر في حياة رجال الله نجد أن الجميع - بمكاييل مختلفة، وظروف متنوعة – ذاقوا الألم لأجل الرب.  فهناك من نُشروا، ومن رُجموا، ومن قُتلوا بالسيف.  وعندما نتألم من أجل الرب - بغض النظر عن مقدار الألم وكيفيته - ندرك أننا نسير على الدرب ذاته.  فيا للغبطة والسرور القلبي بالسلوك في الاتجاه الصحيح!  «طُوبَى لَكُمْ إِذَا عَيَّرُوكُمْ وَطَرَدُوكُمْ وَقَالُوا عَلَيْكُمْ كُلَّ كَلِمَةٍ شِرِّيرَةٍ، مِنْ أَجْلِي، كَاذِبِينَ.  اِفْرَحُوا وَتَهَلَّلُوا، لأَنَّ أَجْرَكُمْ عَظِيمٌ فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُمْ هَكَذَا طَرَدُوا الأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ» (مت5: 11، 12).

2. فرح بالألم من أجل الرب، مرتبط بالحاضر

من خلال الألم لأجل الرب لا نخطو خطى أنبياء الرب فقط، بل خطى الرب نفسه.  وإدراكنا لهذا يملأ القلب بالتعزية، إذ إن مقاصد الله أبينا أن نكون «مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ» (رو8: 29).  والألم يُعَدّ من أهم الوسائل التي يستخدمها الله لخدمة مقاصده مِن نحونا، لذلك ليس بمُستغرب أن نجد بولس تواقًا للاشتراك في آلام المسيح قائلاً: «لأَعْرِفَهُ، وَقُوَّةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلاَمِهِ، مُتَشَبِّهًا بِمَوْتِهِ» (في3: 10).  فإن كانت الآلام من أجل المسيح تُتحِدنا بشخصه، فكيف لا نفرح ونسر بها؟!

3. فرح بالألم من أجل الرب بالتطلع إلى المستقبل

أخبرت النبوات عن «الآلاَمِ الَّتِي لِلْمَسِيحِ، وَالأَمْجَادِ الَّتِي بَعْدَهَا» (1بط1: 11).  ويؤكد الكتاب: «إِنْ كُنَّا نَتَأَلَّمُ مَعَهُ لِكَيْ نَتَمَجَّدَ أَيْضًا مَعَهُ» (رو8: 17).  وهذا ليس معناه أننا سنفرح فقط عند التمجيد، بل نفرح الآن بما يؤول إليه «كَمَا اشْتَرَكْتُمْ فِي آلاَمِ الْمَسِيحِ، افْرَحُوا لِكَيْ تَفْرَحُوا فِي اسْتِعْلاَنِ مَجْدِهِ أَيْضًا مُبْتَهِجِينَ» (1بط4: 13).

لذا نحن لا نفرح بالرغم من آلامنا لأجل المسيح، بل بالأولى نفرح ونسر بهذه الآلام التي نتوقعها ونفتخر بها، ونثابر فيها بكل ثقة وبكل فرح.
أسامة عاطف