أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الْفَرِحُونَ بِفَعْلِ السُّوءِ ... الْمُبْتَهِجُونَ بِأَكَاذِيبِ الشَّرِّ!
إنَّ فعل الشر هو عارٌ، لكن من أعجب العجائب أن الشيطان يستطيع أن يُوهم أتباعه أن في ذلك فخرًا!  فتجدهم يلهثون وراء فعل السوء، بل تجدهم في مجالسهم وفي سهراتهم يتبارون في إظهار كمّ الشرور التي يفعلونها سرًا وعلنًا.  حقًا «مجدهم في خزيهم» (في3: 19).

وفي أمثال 2: 13-15 نجد أن هذه النوعية من البشر تنطبق عليهم ثلاث صفات:

1. «تَارِكِينَ سُبُلَ الاِسْتِقَامَةِ لِلسُّلُوكِ فِي مَسَالِكِ الظُّلْمَةِ»

إن الطريق الصحيح للفرح الحقيقي واضح، لكن الإنسان بطبيعته يحب أن يبعد عنه.  قال المسيح عن نفسه: «أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالْحَقُّ وَالْحَيَاةُ» (يو14: 6).  لقد كان الطريق واضحًا جدًا أمام بيلشاصر، فقد كان ما حدث لأبيه نَبُوخَذْنَصَّر نفسه هو رسالة واضحة.  لقد رأى أباه عندما صار كالحيوانات، ورآه مرة أخرى عندما رجع عقله إليه، وشهد عن الرب شهادة عظيمة: «أَنَا نَبُوخَذْنَصَّرُ، أُسَبِّحُ وَأُعَظِّمُ وَأَحْمَدُ مَلِكَ السَّمَاءِ، الَّذِي كُلُّ أَعْمَالِهِ حَقٌّ وَطُرُقِهِ عَدْلٌ، وَمَنْ يَسْلُكُ بِالْكِبْرِيَاءِ فَهُوَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يُذِلَّهُ» (دا4: 37).  ومع ذلك اختار بيلشاصر أن يبتعد عن الرب ويسلك طريقًا آخر، ظانًا أنه سيجد الفرح فيه، حتى إن دَانِيآل قال له: «أَنْتَ يَا بَيْلْشَاصَّرُ ابْنَهُ لَمْ تَضَعْ قَلَبَكَ مَعَ أَنَّكَ عَرَفْتَ كُلَّ هَذَا» (دا5: 22).

وهؤلاء الناس لم يتركوا الطريق المستقيم فقط، بل أيضًا أحبوا الظلمة، فدائمًا ترتبط أفعال السوء بالظلام «أَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ، لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً» (يو3: 19)، وفي حياتنا اليومية نرى المجرمين يفعلون أعمالهم الإجرامية في الظلام لئلا يراهم أحد.

2. «فَرِحِونَ بِفَعْلِ السُّوءِ ... مُبْتَهِجِونَ بِأَكَاذِيبِ الشَّرِّ»

كان يمكن أن يقضي بَيْلْشَاصَّر ليلته الماجنة - وهو يشرب الخمر ويسكر- ولا يمد يده إلى أواني بيت الله، لكنه أراد أن يزداد سروره في تلك الليلة بتحدي الله نفسه، ففكَّر كيف يتباهى أمام عظمائه، فجاءته تلك الفكرة الجهنمية: أن يأتوا إليه بتلك الأواني، ويشربون فيها جميعًا الخمر.  ويا للعجب على كل من يفرح بتعديه وصايا الله وفعل الخطية!! 

أما الأعجب فهو أنهم عندما أتوا بالآنية «كَانُوا يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيُسَبِّحُونَ آلِهَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالْخَشَبِ وَالْحَجَرِ» (دا5: 4).  إنهم ليسوا فقط «فَرِحِينَ بِفَعْلِ السُّوءِ»، ولكنهم أيضًا «مُبْتَهِجِونَ بِأَكَاذِيبِ الشَّرِّ»؛ كانوا يعلمون تمامًا أن هذه الآلهة هي من صنع أياديهم، فيمكنهم تكسيرها وإعادة صنعها، أو حتى حرقها وإبادتها، فهم يعلمون تمامًا أنها كذبة كبيرة، لكنهم يصدقونها ويبتهجون بها!  وإني أتعجب من أناس في أيامنا هذه يبتهجون بأكاذيب الشر، عندما يسيرون وراء فكر أو تعليم كاذب لا يمت بصلة لكلمة الله، حتى يصدقوه، ويعيشون في خداع مستمر!

3. «طُرُقُهُمْ مُعَوَّجَةٌ، وَهُمْ مُلْتَوُونَ فِي سُبُلِهِمْ»

اختار هِيرُودُسُ أن يسير هذا الطريق المُعوَّج، عندما أراد أن تكون له امرأة أخيه، ففي قدرته، كملك، أن يتزوَّج من يشاء مِن كل نساء المملكة، لكن الشيطان دائمًا يريد من الإنسان أن يسلك في طريق لا يرضي الرب، ويقنعه أن هذا الطريق سيجد فيه سروره «الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ» (أم9: 17).  فأصرّ هِيرُودُسُ على سلوك هذا الطريق الملتوِ بالرغم من أن «يُوحَنَّا كَانَ يَقُولُ لَهُ: لاَ يَحِلُّ أَنْ تَكُونَ لَكَ» (مت14: 4).  وللأسف كثيرون يسلكون هذا الطريق الملتويِ ناسين أن هذا الطريق أصله الحية القديمة (إبليس الملتوِ).

نهاية هذا النوع من الأفراح
في نفس الساعة التي كان هِيرُودُسُ مسرورًا جدًا من رقص ابنه هِيرُودِيَّا بعدما طلبت منه رأس يوحنا على طبق، انقلب سروره إلى غم «فَاغْتَمَّ الْمَلِكُ» (مت14: 9).  وفي نفس الساعة التي كان بَيْلْشَاصَّرُ الملك يشرب هو وعظمائه وزوجاته وسراريه الخمر في آنية بيت الرب «ظَهَرَتْ أَصَابِعُ يَدِ إِنْسَانٍ، وَكَتَبَتْ بِإِزَاءِ النِّبْرَاسِ عَلَى مُكَلَّسِ حَائِطِ قَصْرِ الْمَلِكِ ... حِينَئِذٍ تَغَيَّرَتْ هَيْئَةُ الْمَلِكِ وَأَفْزَعَتْهُ أَفْكَارُهُ، وَانْحَلَّتْ خَرَزُ حَقَوَيْهِ، وَاصْطَكَّتْ رُكْبَتَاهُ.  فَصَرَخَ الْمَلِكُ بِشِدَّةٍ» (دا5: 5-7).  فهذا النوع من الأفراح لا يمكن أن يدوم أبدًا (أي20: 4-7).

أيها الأحباء: «هَذِهِ ... يُبْغِضُهَا الرَّبُّ ... قَلْبٌ يُنْشِئُ أَفْكَارًا رَدِيئَةً، أَرْجُلٌ سَرِيعَةُ الْجَرَيَانِ إِلَى السُّوءِ» (أم6: 16-18)، «لأَنَّهُ هُوَ يَعْلَمُ أُنَاسَ السُّوءِ، وَيُبْصِرُ الإِثْمَ، فَهَلْ لاَ يَنْتَبِهُ؟» (أي11: 11).  فيا ليتنا ننتبه، فلا تكون سعادتنا في السُّوءِ، بل بالعكس نكون متمثلين بسيدنا المجيد الذي قال: «أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلَهِي سُرِرْتُ.  وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي» (مز40: 8).

مايكل إسحق