أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
أفراح العالم الوهمية

أفراح العالم هي أفراح وهمية وقتية خادعة وبلا محتوى.  ولقد لجأ الملك سليمان لوسائل متعددة لكي يفرح، فذهب إلى:

(1) الحكمة والمعلومات

وجَّه الملك قلبه نحو المعرفة والحكمة والأدب، فلم يجد فيها الفرح، وخرج بهذه النتيجة: «فِي كَثْرَةِ الْحِكْمَةِ كَثْرَةُ الْغَمِّ، وَالَّذِي يَزِيدُ عِلْمًا يَزِيدُ حُزْنًا» (جا1: 18).

(2) المرح والضحكات

لم يجد سليمان سعادته في الأمور العقلية، فبحث عنها في اللذات الحسية والجسدية «قُلْتُ أَنَا فِي قَلْبِي: هَلُمَّ أَمْتَحِنُكَ بِالْفَرَحِ فَتَرَى خَيْرًا.  وَإِذَا هَذَا أَيْضًا بَاطِلٌ.  لِلضَّحْكِ قُلْتُ: مَجْنُونٌ، وَلِلْفَرَحِ: مَاذَا يَفْعَلُ؟» (جا2: 1، 2).  ومثله كثيرون يظنون أن السعادة تكمن في حياة اللهو والضحك، ولكن هيهات؛ فالضحك أو المرح - في أقصى حدوده - هو فرح خارجي لا يلمس القلب، ويسلب الإنسان وقاره واحترامه.  

(3) الخمور والمكيفات

وهذا خطأ كثيرين حينما يشعرون بالضيق، يلجأون إلى الخمر، وهو ما ذهب إليه سليمان «اِفْتَكَرْتُ فِي قَلْبِي أَنْ أُعَلِّلَ جَسَدِي بِالْخَمْرِ، وَقَلْبِي يَلْهَجُ بِالْحِكْمَةِ، وَأَنْ آخُذَ بِالْحَمَاقَةِ، حَتَّى أَرَى مَا هُوَ الْخَيْرُ لِبَنِي الْبَشَرِ حَتَّى يَفْعَلُوهُ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ مُدَّةَ أَيَّامِ حَيَاتِهِمْ» (جا2: 3).

(4) البيوت والفيلات

وفي السياق نفسه، وبحثًا عن الفرح يقول سليمان: «عَظَّمْتُ عَمَلِي: بَنَيْتُ لِنَفْسِي بُيُوتًا» (جا2: 4)، ولكنه لم يجد سعادته في البيوت أو القصور الجديدة، فمباهج العالم تنسينا مشاكلنا إلى لحظات كمخدِّر موضعي لا يحل المشكلة.

(5) الفراديس والجنات

لم يكتفِ سليمان ببناء البيوت، بل يقول: «غَرَسْتُ لِنَفْسِي كُرُومًا.  عَمِلْتُ لِنَفْسِي جَنَّاتٍ وَفَرَادِيسَ، وَغَرَسْتُ فِيهَا أَشْجَارًا مِنْ كُلِّ نَوْعِ ثَمَرٍ» (جا2: 5).  وللأسف لم يجد راحته فيها.

(6) المياه والملذات

«عَمِلْتُ لِنَفْسِي بِرَكَ مِيَاهٍ لِتُسْقَى بِهَا الْمَغَارِسُ الْمُنْبِتَةُ الشَّجَرَ» (جا2: 6).   لقد سبق سليمان وبنى هيكلاً للرب، ولكنه نسي أن يخصص قلبه هيكلاً للرب.  لقد عمل بركًا ليسقي الشجر، وظلت نفسه هو عطشى!

(7) عبيد وخادمات

في رحلة البحث عن الفرح المنشود يقول سليمان الملك «قَنِيتُ عَبِيدًا وَجَوَارِيَ، وَكَانَ لِي وُلْدَانُ الْبَيْتِ» (جا2: 7).  والواقع أن الرب هو الذي اقتنانا، فنحن شعب اقتناء، غالٍ وثمين جدًا في عينيه (خر19: 5).  ليت سليمان أدرك هذا!

(8) بقر وحيوانات

«كَانَتْ لِي أَيْضًا قِنْيَةُ بَقَرٍ وَغَنَمٍ أَكْثَرَ مِنْ جَمِيعِ الَّذِينَ كَانُوا فِي أُورُشَلِيمَ قَبْلِي» (جا2: 7).  لكنه لم يجد السعادة.  وهل ننسى شاول الملك الذي رفضه الرب لأنه لم يسمع لصوته، وأحب الغنم والبقر (1صم15).

(9) هدايا وخصوصيات

«جَمَعْتُ لِنَفْسِي أَيْضًا فِضَّةً وَذَهَبًا وَخُصُوصِيَّاتِ الْمُلُوكِ وَالْبُلْدَانِ» (جا2: 8).  لقد أُعجب سليمان بالهدايا الكثيرة التي قدَّمها له ملوك العالم، ولم ينظر لله ويشكره.

(10) مغنيين ومغنيات


«اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي مُغَنِّينَ وَمُغَنِّيَاتٍ» (جا2: 8).  كان سليمان يبحث عن الفرح في كل مكان وبأية طريقة، فذهب ينشده في الطرب والغناء.  ولكن اسمعه يقول في اختبار آخر: «سَمْعُ الاِنْتِهَارِ مِنَ الْحَكِيمِ خَيْرٌ لِلإِنْسَانِ مِنْ سَمْعِ غِنَاءِ الْجُهَّالِ، لأَنَّهُ كَصَوْتِ الشَّوْكِ تَحْتَ الْقِدْرِ هَكَذَا ضِحْكُ الْجُهَّالِ.  هَذَا أَيْضاً بَاطِلٌ» (جا7: 5).

(11) سيدة وسيدات


لقد ارتبط سليمان بألف من النساء فيقول: «اتَّخَذْتُ لِنَفْسِي ... سَيِّدَةً وَسَيِّدَاتٍ» (جا2: 8).  قد يكون المقصود بالسيدة هي بنت فرعون أول زوجة له، ثم أضاف إليها سيدات كثيرات.

من ثم وصل سليمان لهذه النتيجة المرة: «مَهْمَا اشْتَهَتْهُ عَيْنَايَ لَمْ أُمْسِكْهُ عَنْهُمَا.  لَمْ أَمْنَعْ قَلْبِي مِنْ كُلِّ فَرَحٍ، لأَنَّ قَلْبِي فَرِحَ بِكُلِّ تَعَبِي.  وَهَذَا كَانَ نَصِيبِي مِنْ كُلِّ تَعَبِي.  ثُمَّ الْتَفَتُّ أَنَا إِلَى كُلِّ أَعْمَالِي الَّتِي عَمِلَتْهَا يَدَايَ، وَإِلَى التَّعَبِ الَّذِي تَعِبْتُهُ فِي عَمَلِهِ، فَإِذَا الْكُلُّ بَاطِلٌ وَقَبْضُ الرِّيحِ، وَلاَ مَنْفَعَةَ تَحْتَ الشَّمْسِ!» (جا2: 10، 11).

أيها الأحباء: إن مياه الينابيع الأرضية هي نظير كل عطية أرضية، لا يستمر تأثيرها إلا للحظة.  إنه يُطفئ العطش لحظة ليعود العطش ثانية وباستمرار.  لكن النفس الخالدة تحتاج إلى أكثر من ذلك لإشباعها، والله من جانبه يُسرّ أن يُعطي ما تحتاجه النفس التي تنتظره وتشعر بحاجتها إليه؛ ذلك هو الروح القدس الذي من ثمره الفرح والسلام.

أيها المسكين الظامئ، يا من أُنهكت قواك في حفر الآبار،
إن ينبوع محبة الله يفيض بغزارة،
فاقبِل إلى الرب يسوع قبل فوات الأوان؛
إنه – تبارك اسمه – يستطيع وحده أن يُروي النفس ريًا كاملاً وإلى الأبد.  
اسمعه ينادي:
«إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي كَمَا قَالَ الْكِتَابُ تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ» (يو7: 37، 38).

 

صفوت تادرس