أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ (أيوب20: 5)

كم مرةٍ رأيتُ عُرسًا أو حفلاً يضجّ فيه الحاضرون بالتصفيق والأغاني العالمية والرقص، وللوقت وجدتُ هذه الآية تقفز إلى ذهني: «إِنَّ هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ»!

لحظية الفرح العالمي

يستطيع المرء أن يتذكَّر قصص أُناس كان لهم مِن الفرح مظهره، لكن بعد ذلك بقليل حدثت مشكلة، أو دبَّ خلاف، أو نشبت خصومة، وربما انتهى الأمر بمأساة!  ولنا في كلمة الله أمثلة ليست بقليلة على احتفالات أشرار وفُجَّار انتهت بطريقة مؤسفة:

1. عندما اجتمع أقطاب الفلسطينيين «لِيَذْبَحُوا ذَبِيْحَةً عَظِيْمَةً لِدَاجُوْنَ إِلَهِهِمْ وَيَفْرَحُوْا»، وأتوا بشمشون ليلعب أمامهم كالمُهَرِّج، انتهى الأمر بأن «قَالَ شَمْشُوْنُ: لِتَمُتْ نَفْسِي مَعَ الْفِلِسْطِينِيّينَ.  وَانْحَنى بِقُوّةٍ (على العمودين اللذين كان البيت قائمًا عليهما) فَسَقَطَ الْبَيْتُ عَلى الأقْطَابِ وَعَلى كُلِّ الشَّعْبِ الَّذي فِيْهِ، فَكانَ الْمَوْتى الَّذيْنَ أَمَاتَهُمْ فِي مَوْتِهِ أَكْثَرَ مِنَ الَّذينَ أَمَاتَهُمْ فِي حَياتِهِ» (قض16: 23، 30).

2. كان نابال يحتفل بجزاز غنمه في الكَرمَل، وأرسل داود إليه ليحصل منه على أجرة لغلمانه نظير حراستهم لأملاكه؛ حسب تقرير أحد غلمان نابال نفسه: «كَانُوا سُورًا لَنَا لَيْلاً وَنَهَارًا كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كُنَّا فِيهَا مَعَهُمْ نَرْعَى الْغَنَمَ».  أما نابال فاحتقر داود واستهزأ به، وأرسل غلمانه فارغين، وبعدما تدَّخلت أبيجايل بحكمتها وردَّت داود عن الانتقام لنفسه، انتهى الاحتفال بمأتم إذ «ضَرَبَ الرَّبُّ نَابَالَ فَمَاتَ» (1صم25).

3. صنع الامبراطور البابلي بَيْلْشاصَّر وليمة عظيمة، وأمر بإحضار آنية الذهب والفضة التي نُهِبَت من «هَيْكَلِ بَيْتِ اللهِ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ، وَشَرِبَ بِهَا الْمَلِكُ وَعُظَمَاؤُهُ وَزَوْجَاتُهُ وَسَرَارِيهِ»، وظهرت أصابع يد إنسان تكتب على الحائط أمام الملك، فارتعب بَيْلْشاصَّر جدًّا ولم يفهم ما كُتِب، فأتى بدانيآل الذي أخبره بقضاء الله: «فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ قُتِلَ بَيْلْشَاصَّرُ مَلِكُ الْكِلْدَانِيِّين» (دا5).

4. في يوم مولده عَمِل هيرودس «عَشَاءً لِعُظَمَائِهِ وَقُوَّادِ الأُلُوفِ وَوُجُوهِ الْجَلِيلِ» (مر6: 21-29)، ورقصت ابنة عشيقته وزوجة أخيه هيروديَّا، فأعجبته، وأقسم أمام الجميع أن يُعطيها أي شيء تطلبه.  فطلبت رأس يوحنا المعمدان على طبق.  فأرسل سيَّافًا وأتى لها بما طلبته!  يا للبشاعة!  ويا لها من نهاية مأساوية لحفلة عيد ميلاد!

هذا ما أكَّد عليه الرب يسوع نفسه: «وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الضَّاحِكُونَ الآنَ، لأَنَّكُمْ سَتَحْزَنُونَ وَتَبْكُونَ» (لو6: 25)؛ فما الفائدة من محاولة استحضار الفرح إلى القلب عن طريق الضحك، بينما يعيش الإنسان مُتَجَنِّبًا عن حياة الله؟!  ربما عن طريق نُكتة تُضحِكه لثوانٍ، أو فيلم كوميدي يُذهِبه في غيبوبة فكرية لساعة أو أكثر، يهبط بعدها إلى الواقع الأليم!  لذا فإن الوحي يُحَذِّر: «نَقُّوا أَيْدِيَكُمْ أَيُّهَا الْخُطَاةُ، وَطَهِّرُوا قُلُوبَكُمْ يَا ذَوِي الرَّأْيَيْنِ.  اكْتَئِبُوا وَنُوحُوا وَابْكُوا.  لِيَتَحَوَّلْ ضِحْكُكُمْ إِلَى نَوْحٍ، وَفَرَحُكُمْ إِلَى غَمٍّ.  اِتَّضِعُوا قُدَّامَ الرَّبِّ فَيَرْفَعَكُمْ» (يع4: 8-10).  الذي يُفيد هو البكاء في سبيل التوبة، والنوح على الخطية، لا الضحك مع الاستمرار في البُعد عن الله.

نظرة أعمق

في سياق جواب صوفر النَّعماتي على أيوب، والذي وردت في مُستَهَلِّه العبارة موضوع المقال، يمكن أن نفهم شيئًا أعمق من لحظية الفرح العالمي؛ وهو أن الأشرار لن يطول ازدهارهم، حتى وإن بدا الأمر كذلك في هذه الحياة.  وهذه حقيقة معلومة «مِنَ الْقَدِيمِ، مُنْذُ وُضِعَ الإِنْسَانُ عَلَى الأَرْضِ» (أي20: 4).  أما خطأ صوفر فهو أنه طبَّقها على أيوب، فلم يكُن أيوب شريرًا، ولم يكُن ما أصابه هو ما يُصيب الأشرار من قضاء.

لكن تبقى الحقيقة التي أدركها القديسون؛ فالمزمور الذي بدأه داود بهذا التحريض: «لاَ تَغَرْ مِنَ الأَشْرَارِ، وَلاَ تَحْسِدْ عُمَّالَ الإِثْمِ، فَإِنَّهُمْ مِثْلَ الْحَشِيشِ سَرِيعًا يُقْطَعُونَ، وَمِثْلَ الْعُشْبِ الأَخْضَرِ يَذْبُلُونَ»، وقرَّر فيه أنه «بَعْدَ قَلِيلٍ لاَ يَكُونُ الشِّرِّيرُ.  تَطَّلِعُ فِي مَكَانِهِ فَلاَ يَكُونُ»، قال في خاتمته: «قَدْ رَأَيْتُ الشِّرِّيرَ عَاتِيًا، وَارِفًا مِثْلَ شَجَرَةٍ شَارِقَةٍ نَاضِرَةٍ.  عَبَرَ فَإِذَا هُوَ لَيْسَ بِمَوْجُودٍ، وَالْتَمَسْتُهُ فَلَمْ يُوجَدْ»، وذلك بالمقابلة مع الأبرار الذين سيرثون الأرض، ويبقون فيها (مز37).

هذا ما أدركه أيضًا آساف في مقادس الله، بعد أن غار من الأشرار وازدهارهم وسلامتهم الظاهرية.  أما وقد رأى الأمر بعيني الله وأدرك المشهد من منظار السماء، قال: «حَقًّا فِي مَزَالِقَ جَعَلْتَهُمْ.  أَسْقَطْتَهُمْ إِلَى الْبَوَارِ.  كَيْفَ صَارُوا لِلْخَرَابِ بَغْتَةً!  اضْمَحَلُّوا، فَنُوا مِنَ الدَّوَاهِي.  كَحُلْمٍ عِنْدَ التَّيَقُّظِ يَا رَبُّ، عِنْدَ التَّيَقُّظِ تَحْتَقِرُ خَيَالَهُمْ» (مز73: 18-20).  فمصير ”البُعدَاء“ عن الله هو الهلاك، أما التَّقِي فيجد لذَّته وفرحه وشبعه في ”الاقتراب إلى الله“.

رامز سامى