أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ!
«فَأَقُولُ هَذَا أَيُّهَا الإِخْوَةُ: الْوَقْتُ مُنْذُ الآنَ مُقَصَّرٌ،
لِكَيْ يَكُونَ الَّذِينَ لَهُمْ نِسَاءٌ كَأَنْ لَيْسَ لَهُمْ، وَالَّذِينَ يَبْكُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَبْكُونَ،
 وَالَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ،
وَالَّذِينَ يَشْتَرُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَمْلِكُونَ،
وَالَّذِينَ يَسْتَعْمِلُونَ هَذَا الْعَالَمَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَعْمِلُونَهُ.  
لأَنَّ هَيْئَةَ هَذَا الْعَالَمِ تَزُولُ» (1كو7: 29-31)


يجب أن نستبعد من أذهاننا فكرة الخطية لكي نفهم هذا الجزء بشكل صحيح (1كو7: 29-31)؛ فالكتاب لا ينهانا هنا عن خطايا، بل بالحري يُحرضنا على مستوى أسمى من الحياة الروحية.  فالرسول بولس في هذا الجزء كله يتحدث عن أمور مشروعة لأي مؤمن لا يمكن أن ينهاه عنها.  هو فقط يطلب منا ألاَّ نضعها غَرَضًا لقلوبنا، وهو يُحرِّضنا هذا التحريض بناءً على أن الوقت أصبح مُقَصَّرًا، وأمور هذا العالم والزمان سوف تنتهي قريبًا جدًا بمجيء الرب، ولذلك يراه منطقيًا جدًا ألاَّ تكون مشغولية قلوبنا بأمور مؤقتة، حتى ولو كانت في ذاتها مشروعة، خاصة مع الأخذ في الاعتبار أن الوقت المُتبقي لنا على هذه الأرض يُقَصَّرُ يومًا فيومًا.

لا يطلب الرسول هنا أن لا نفرح بالأمور الزمنية المؤقتة، وإلا لقال: ”الَّذِينَ يَفْرَحُونَ لاَ يَفْرَحُونَ“، بل يقول: «الَّذِينَ يَفْرَحُونَ كَأَنَّهُمْ لاَ يَفْرَحُونَ»؛ أي ببساطة يقول: لا تدع فرحك بهذه الأمور يأخذ حيّزًا أكبر مما يجب، لا تجعل هذه الأمور المُفرحة هدفًا أو غاية، لا تعش من أجلها بل عش للرب. 

قد يُعطينا الرب في إنعامه أمورًا جيدة نُسرّ بها في هذه الدنيا: أولادًا ناجحين، مهنة مرموقة، يُسرًا ماديًا، أحداثًا مُفرحة في الحياة مثل زواج الأولاد، ولادة الأحفاد؛ كلها أمور مُبهجة، يُرتب الرب في محبته وحكمته بعضها لنا.  وما دام قصد الله أن يُعطينا هذه الأمور لنفرح بها، إذًا فالفرح بها واجب.  ولكن بينما نستمتع ونفرح بالأمور الجيدة التي يُرتبها الله لنا، يجب ألاَّ ندع هذه الأمور تملك قلوبنا، فإنها سوف تزول قريبًا، حتى بالرغم من أنها ليست أفراح العالم الشهوانية الزائلة، بل هي أفراح زمنية طبيعية مُرتبة لنا من قِبَل الله؛ ولكنها، لارتباطها بالخليقة الأولى، فهي لن تصمد للأبدية لتستمر معنا هناك، بل تنتهي وتزول في هذا الزمان؛ لذلك لا يجب أن نضع قلوبنا عليها.

لو أن كنزنا هنا، وفَرَحَنا بالأمور الزمنية المشروعة يملك على قلوبنا، فماذا سنفعل حين تذهب أدراج الرياح، أو حين ينتهي زمن الحياة على الأرض؟! 

حقًا قال أحدهم: ”إذا كان لك المسيح، فأنت لك ما يكفي النفس تمامًا، حين يذهب كل شيء آخر بلا عودة“.
قد يحدث - وكثيرًا ما يحدث - أننا بسبب ضعف حالتنا الروحية، ولرغبتنا في الانشغال بأمور العالم المشروعة، ولأننا نريد أن نجد فيها اللذة والسعادة دون أن يسبب هذا ثقلاً على ضمائرنا، نتساءل: هل بحثي عما يُسعدني خطية؟  ما الذي يُزعج الله في هذا؟  أليس الله يُريد سعادتي؟

حسنًا يا عزيزي، إن الأمر هنا لا يتعلق بالخطية مُطلقًا، بل بتوجُّه القلب وحالته.  هل أقصى ما أريد هو ألاَّ أفعل الخطية؟!  أم أني يجب أن أحرص أيضًا على ألا أنشغل بالأمور التي هي في حد ذاتها ليست خطية؟ 

الوقت يُمّر، وكل يوم يُقرِّبنا للأبدية، وهيئة هذا العالم تُشبَّه هنا بديكور مسرحي يُطوى سريعًا، ليتجهز المسرح لمشهد آخر، لذلك دعونا نقول مع أليشع: «أَهُوَ وَقْتٌ لأَخْذِ الْفِضَّةِ وَلأَخْذِ ثِيَابٍ وَزَيْتُونٍ وَكُرُومٍ وَغَنَمٍ وَبَقَرٍ وَعَبِيدٍ وَجَوَارٍ؟» (2مل5: 26).  
نعم كلها أمور مشروعة وليست خطية، ولكن ليكن توجّه قلوبنا: ”لو أعطانيها الله سوف أُسرّ وأشكره، ولو لم يُعطني إياها فلن أطلبها أنا لأفرح بها، وفي الحالتين قلبي لن يتعلق بها“.  ولا يجب علينا أن نسمح لأية علاقات أو أمور زمنية مؤقتة أن تُعطل شركتنا مع الرب أو صنع إرادته.