أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فرح التغرُّب عن الجسد
«فَنَثِقُ وَنُسَرُّ بِالأَوْلَى أَنْ نَتَغَرَّبَ عَنِ الْجَسَدِ وَنَسْتَوْطِنَ عِنْدَ الرَّبِّ» (2كو5: 8)

المؤمن سعيدٌ في حياته، فَرِحٌ في رقاده وانطلاقه ليكون مع المسيح، وأيضًا مُتهللٌ في مجيء الرب.

هو سعيد في حياته، حتى وإن كان يسير في طريق صعب مليء بالآلام والضيقات «طُوبَى لأُنَاسٍ عِزُّهُمْ بِكَ.  طُرُقُ بَيْتِكَ فِي قُلُوبِهِمْ.  عَابِرِينَ فِي وَادِي الْبُكَاءِ، يُصَيِّرُونَهُ يَنْبُوعًا» (مز84: 5، 6).  وهذا ما حدث مع الرسول بولس عندما استدعاه الملك أغريباس من السجن، لكي يتكلَّم لأجل نفسه.  فنسمعه وهو يُحاكم في قيوده يقول: ««إِنِّي أَحْسِبُ نَفْسِي سَعِيدًا أَيُّهَا الْمَلِكُ أَغْرِيبَاسُ، إِذْ أَنَا مُزْمِعٌ أَنْ أَحْتَجَّ الْيَوْمَ لَدَيْكَ عَنْ كُلِّ مَا يُحَاكِمُنِي بِهِ الْيَهُودُ» (أع26: 2).

ومع أن المؤمن يتهلَّل بتفكره في مجيء الرب «فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ» (رو12: 12)، إلا أنه يفرح أيضًا عند تغرُّبه عن الجسد ليستوطن عند الرب لأنه:

أولاً: واثقٌ ومتيقنٌ أن خطاياه قد غُفِرَت، وأنه لن يأتي إلى دينونة، بل قد انتقل من الموت إلى الحياة، فيُمكنه أن يتغنّى من القلب، وبنغمة صادقة، قائلاً: «إِذًا لاَ شَيْءَ مِنَ الدَّيْنُونَةِ الآنَ عَلَى الَّذِينَ هُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ» (رو8: 1).

ثانيًا: ينطلق بسلام وفي هدوء.  وهذا ما اختبره سمعان البار عند انطلاقه، لأنه «عِنْدَمَا دَخَلَ بِالصَّبِيِّ يَسُوعَ أَبَوَاهُ ... أَخَذَهُ عَلَى ذِرَاعَيْهِ وَبَارَكَ اللهَ وَقَالَ: الآنَ تُطْلِقُ عَبْدَكَ يَا سَيِّدُ حَسَبَ قَوْلِكَ بِسَلاَمٍ، لأَنَّ عَيْنَيَّ قَدْ أَبْصَرَتَا خَلاَصَكَ» (لو2: 27-30).

ثالثًا: الرب يسوع نفسه يشرف على انطلاق روح المؤمن، وتغربه عن الجسد «الرَّاقِدُونَ بِيَسُوعَ» (1تس4: 14).  والرب يرسل له أيضًا جوقة من الملائكة لتعمل له تشريفة سماوية تحمل روحه إلى الفردوس، كما قيل عن لعازر: «مَاتَ الْمِسْكِينُ وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ»، أي إلى مكان الراحة الذي كان ينعم فيه إبراهيم (لو16: 22).

رابعًا: المؤمن عند رقاده يربح ويتعزى.  فعند إيمانه يربح المسيح «أَرْبَحَ الْمَسِيحَ، وَأُوجَدَ فِيهِ، وَلَيْسَ لِي بِرِّي الَّذِي مِنَ النَّامُوسِ، بَلِ الَّذِي بِإِيمَانِ الْمَسِيحِ، الْبِرُّ الَّذِي مِنَ اللهِ بِالإِيمَانِ» (في3: 8، 9).  وعند انطلاقه يرى المسيح ويتمتع به عيانًا، فالموت بالنسبة له ليس خسارة لكنه ربح «لِيَ الْحَيَاةَ هِيَ الْمَسِيحُ وَالْمَوْتُ هُوَ رِبْحٌ» (في1: 21)، وهكذا يدخل إلى فيض التعزيات، كما قال إبراهيم للغني الذي وصل بروحه إلى الهاوية، وطلب من إبراهيم الرحمة بأن يُرسل له لعازر ليَبُلَّ طَرَفَ إصْبِعِهِ بماءٍ، لأنه مُعذَّبٌ في اللهيب «فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: يَا ابْنِي، اذْكُرْ أَنَّكَ اسْتَوْفَيْتَ خَيْرَاتِكَ فِي حَيَاتِكَ، وَكَذَلِكَ لِعَازَرُ الْبَلاَيَا.  وَالآنَ هُوَ يَتَعَزَّى وَأَنْتَ تَتَعَذَّبُ» (لو16: 24، 25).

خامسًا: المؤمن عندما يتغرب عن الجسد، يستوطن عند الرب، وبذلك يتحرَّر من الجسد، أي يخلع الخيمة المليئة بالأمراض والأتعاب التي كان يسكن فيها، وينعم في الفردوس مع كل القديسين الذين سبقوه بالرب يسوع المسيح، حيث يري الرب عيانًا، بعد أن كان يراه هنا على الأرض بالإيمان فقط.  وهذا يجعلنا نفهم كلام الرسول بولس: «لِيَ اشْتِهَاءٌ أَنْ أَنْطَلِقَ وَأَكُونَ مَعَ الْمَسِيحِ.  ذَاكَ أَفْضَلُ جِدًّا» (في1: 23).

طوبي للمؤمن الذي يتغرب عن الجسد بسلام، فالرب يشرف على انطلاق روحه، والملائكة تحملها إلى الفردوس، ليتمتع بالرب يسوع المسيح عيانًا، ويتعزى حتى مجيء الرب لكي يُقيم جسده الذي تغرب عنه ليكون على صورة جسد مجده.


 فالآنَ إن عِشنا هُنا           فَهْوَ لنا حياتُنا
والموتُ لا يُخيفُنا             فإنَّهُ رِبحٌ لنا

       وبهِ أيضًا نَنطَلِقْ                 إلى السَّما حيثُ المسيحْ
وذاكَ أَفضلُ لنا                إذ نَفرحُ ونَستريحْ

هناكَ نَبقى بانتِظارْ        ليومِ فداءِ الجسَدْ
يا لَهُ مِنْ يومٍ سعيدْ
           يومِ انتصارٍ للأبَدْ
عونى لويس