أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الفرح الهيرودسى
«وَأَمَّا هِيرُودُسُ فَلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا ... وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ» (لو23: 8)

غريب هيرودس هذا، والأغرب فرحه!!
هو هيرودس أنتيباس، ابن هيرودس الكبير، وقد عُيِّن حاكمًا للجليل وبيرية، في زمن خدمة الرب على الأرض.  سُلطة واسم وغنى، مع الكثير من المتناقضات، بصفة خاصة في أسباب فرحه ونتائجه.

نراه «يَهَابُ يُوحَنَّا (المعمدان) عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ (يحرسه)، وعندما كان يسمع كلام يوحنا كان يسمعه بسرور (مر6: 20)!!

وفي يومٍ تالٍ، سَعيًا للبهجة، احتفل بيوم مولده مع عظمائه، والطيور على أشكالها تقع.  يومها كان مصدر فرحه، هو ورفقاء السوء، رقصة لاهية عابثة!!

تفرح يومًا بعظة، ويومًا برقصة؟!!
لقد كان رائد مبدإ: ”ساعة لقلبك وساعة لربك“.  ولعل هذا هو «خَمِيرِ هِيرُودُسَ» الذي حذَّر الرب منه (مر8: 15).
لكن لِكَشف قلبه، ولخزيه، يسجِّل عنه الكتاب أنه مقابل فرحه بالرقصة كان على استعداد فوري أن يقدِّم نصف مملكته، لكن سماعه المعمدان، على قوة تأثيره على كثيرين نفذ كلامه إلى قلوبهم، لم يدفع هيرودس لأي خطوة توبة ناحية الله، والنتيجة الحتمية أنه ازداد في شروره (لو3: 19، 20).

أما موقفه من ربنا الكريم، فهو أبشع الكل!  لقد أراد يومًا أن يقتله، ونعته فاحص القلوب بـ«الثَّعْلَبِ» (لو13: 31، 32).  ويومًا آخر «َلَمَّا رَأَى يَسُوعَ فَرِحَ جِدًّا»!!

ألعله كان مثقَّل بذنبه (مثل زكا) يريد أن ”يرى يسوع“ الذي يريح المتعب (لو19)؟
أم لعله كالوزير الحبشي الباحث عن الحق حتى وجده (أع8)؟! 

لقد انتهت قصتيهما بالفرح الذي لا يُنزع، والذي كان من الممكن أن يكون هيرودس مثلهما لو خَلُصَت نواياه.  لكن الروح القدس يفضح لنا دوافع سروره برؤية الرب: «لأَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ مِنْ زَمَانٍ طَوِيل أَنْ يَرَاهُ، لِسَمَاعِهِ عَنْهُ أَشْيَاءَ كَثِيرَةً، وَتَرَجَّى أَنْ يَرَي آيَةً تُصْنَعُ مِنْهُ» (لو23: 8).

والرب يريح المتعبين، ويرشد التائهين، لكنه لن يشبع فضول المتفرجين!
لقد انتهى فرح هيرودس بعظات المعمدان بلا أثر، بل بدينونة أكبر عليه.

وانتهى فَرَحه بالرقصة بأن «حَزِنَ الْمَلِكُ جِدًّا»، ثم ارتكب جريمة قتل حمقاء، ظل شبحها يطارده كل أيامه (لو9: 9)، ولن يفلت من حساب عنها يوم يقف أمام الديان العادل.

أما فرحه بلقاء يسوع، فما أبشع ما انتهى إليه «فَاحْتَقَرَهُ هِيرُودُسُ مَعَ عَسْكَرِهِ وَاسْتَهْزَأَ بِهِ، وَأَلْبَسَهُ لِبَاسًا لاَمِعًا»، وزاد على فعله المشين بأن «رَدَّهُ إِلَى بِيلاَطُسَ» ليحكم عليه، مع علمهما أنه بار، متضامنًا معه في جريمة كل العصور.  لقد صار منذ ذلك اليوم صديقًا لبيلاطس بعد عداوة (لو23: 11، 12)، وضمَّتهما، لخزيهما الأبدي، قائمة الذين ”خير لهم لو لم يولدوا“.
إنه أبلغ صورة على «أَنَّ هُتَافَ الأَشْرَارِ مِنْ قَرِيبٍ، وَفَرَحَ الْفَاجِرِ إِلَى لَحْظَةٍ!» (أي20: 5).

ويبقى السؤال: هل ما زال هناك ”هرادسة“ بيننا؟
بدرجات متفاوتة: نعم!
موجودون في صور:

 أتباع مبدإ ”ساعة لقلبك وساعة لربك“، في دور العبادة، لها متصنعين، ثم في دور اللهو، به منغمسين!!

 ”السمّيعة“ المسرورون بالعظات تارة، لاهثين وراء اللذات تارة أخرى!!

 من هم على استعداد أن يتكلّفوا الكثير، حتى أبديتهم، مقابل إشباع شهوات وقتية!!

 أولئك الذين كل ما يريدونه من الرب هو ”بعض معجزات“ تملأ احتياجهم وتشبع فضولهم وتمتِّع خيالهم ويتحاكون بها، دون أن يكون لصانعها أي قيمة حقيقية في القلب!!

 محتقرو الرب والمستهزئون به، وما أكثرهم في زماننا.

فهل وصل درس فرح هيرودس لأولئك، ولنا جميعًا؟!  جديرٌ أن نعيه!
عصام خليل