أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُم
«لأَنَّ الْيَوْمَ إِنَّمَا هُوَ مُقَدَّسٌ لِسَيِّدِنَا.  وَلاَ تَحْزَنُوا،
لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُم» (نح8: 10)

عندما سمع الشعب كلام الشريعة، وهم واقفون في خشوع، من الصباح إلى نصف النهار، كنا نتوقع أن تفيض قلوبهم فرحًا، كما قال إرميا النبي: «وُجِدَ كَلاَمُكَ فَأَكَلْتُهُ، فَكَانَ كَلاَمُكَ لِي لِلْفَرَحِ وَلِبَهْجَةِ قَلْبِيِ» (إر15: 16)، ولكن العجيب «أَنَّ جَمِيعَ الشَّعْبِ بَكُوا حِينَ سَمِعُوا كَلاَمَ الشَّرِيعَةِ» (نح8: 9).  فالحقيقة هي أن الفرح لا يأتي من فراغ، بل لا بد أن تسبقه الدموع.  فكيف يفرح الشعب عندما يكتشف أنه قد أهمل كلام الرب سنينًا طويلة؟  كيف يفرح الشعب والكلمة تكشف لهم بُعدَهم عنها، وانحرافهم عن إله الكلمة زمانًا هذا  مقداره؟

عزيزي: إن أول شعور صحيح ينتابني - عندما تواجهني كلمة الله الحية - هو الحزن على خطاياي وانحرافي.  ماذا عنك أنت أيضًا؟

ولكن ماذا بعد الحزن؟  هل نستمر في حزن دائم؟  الإجابة هي: «لاَ تَنُوحُوا وَلاَ تَبْكُوا» (ع9)، «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ» (2كو7: 10).  وهذا ما قاله خدام الرب للشعب الباكي حزنًا وندمًا على خطاياه وإهماله لكلمة الله: «لاَ تَحْزَنُوا لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُمْ» (ع10).  وفعلا تجاوب الشعب مع ندائهم «فَذَهَبَ كُلُّ الشَّعْبِ لِيَأْكُلُوا وَيَشْرَبُوا وَيَبْعَثُوا أَنْصِبَةً وَيَعْمَلُوا فَرَحًا عَظِيمًا، لأَنَّهُمْ فَهِمُوا الْكَلاَمَ الَّذِي عَلَّمُوهُمْ إِيَّاهُ» (ع12).

كان تلاميذ الرب يسوع، مساء يوم القيامة، في خوف شديد وفزع، مختبئين داخل عُلِّيَّة، لا يجسر أحدهم على الخروج بسبب الخوف من اليهود، ولكن عندما ظهر لهم يسوع المُقَام، وأكَّد لهم حقيقة قيامته «فَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ» (يو20: 20)، وبعدها امتلأوا قوة، ثم «خَرَجُوا وَكَرَزُوا فِي كُلِّ مَكَانٍ» (مر16: 20).

قارئي العزيز: اطرح الأحزان جانبًا، لتمتلئ بفرح الرب، وعندئذ تستعيد القوة التي بها تشهد عن المسيح في كل مكان.  ودعني مع نَحَمْيَا، وَعَزْرَا الْكَاهِنُ الْكَاتِبُ، وَاللاَّوِيينَ نُقدم لك وصايا رباعية:

(1) «كُلُوا السَّمِينَ»: في بعده عن بيت أبيه، كان الابن الضال يشتهي الخرنوب، طعام الخنازير، وحتى ذلك الطعام الحقير لم يستطع الحصول عليه، ولكن عند رجوعه إلى أبيه، في توبة صادقة، قدَّموا له العجل المسمن.

فما هو نوع الطعام الذي تشتهيه أو تأكله كل يوم؟  ما هي قراءاتك؟  ما هي مشاهداتك؟  كيف تقضي أوقات الفراغ، خصوصًا عندما تكون بمفردك؟  إن كلمة الرب «أَشْهَى مِنَ الذَّهَبِ وَالإِبْرِيزِ الْكَثِيرِ، وَأَحْلَى مِنَ الْعَسَلِ وَقَطْرِ الشِّهَادِ» (مز19: 10)، «كَمَا مِنْ شَحْمٍ وَدَسَمٍ تَشْبَعُ نَفْسِي، وَبِشَفَتَيْ الاِبْتِهَاجِ يُسَبِّحُكَ فَمِي» (مز63: 5).

(2) «اشْرَبُوا الْحُلْوَ»: تقول المرأة الزانية لناقص الفهم: «الْمِيَاهُ الْمَسْرُوقَةُ حُلْوَةٌ، وَخُبْزُ الْخُفْيَةِ لَذِيذٌ» (أم9: 17).  لكن الرب يسوع يقول: «كُلُّ مَنْ يَشْرَبُ مِنْ هَذَا الْمَاءِ يَعْطَشُ أَيْضًا» (يو4: 13).  هل محبة المال تعطي للنفس الأمان؟  يقول الحكيم: «مَنْ يُحِبُّ الْفِضَّةَ لاَ يَشْبَعُ مِنَ الْفِضَّةِ، وَمَنْ يُحِبُّ الثَّرْوَةَ لاَ يَشْبَعُ مِنْ دَخْلٍ» (جا5: 10).

هل الشهوة تُروي؟  إن النار تزداد اشتعالاً كلما ألقيت فيها مزيدًا من الوقود، لذلك نرى الأشرار «سَالِكِينَ فِي الدَّعَارَةِ وَالشَّهَوَاتِ، وَإِدْمَانِ الْخَمْرِ، وَالْبَطَرِ، وَالْمُنَادَمَاتِ، وَعِبَادَةِ الأَوْثَانِ الْمُحَرَّمَةِ، الأَمْرُ الَّذِي فِيهِ يَسْتَغْرِبُونَ أَنَّكُمْ لَسْتُمْ تَرْكُضُونَ مَعَهُمْ إِلَى فَيْضِ هَذِهِ الْخَلاَعَةِ عَيْنِهَا، مُجَدِّفِينَ» (1بط4: 3، 4).  ولكن يقول الرب يسوع: «مَنْ يَشْرَبُ مِنَ الْمَاءِ الَّذِي أُعْطِيهِ أَنَا فَلَنْ يَعْطَشَ إِلَى الأَبَدِ، بَلِ الْمَاءُ الَّذِي أُعْطِيهِ يَصِيرُ فِيهِ يَنْبُوعَ مَاءٍ يَنْبَعُ إِلَى حَيَاةٍ أَبَدِيَّةٍ» (يو4: 14).  نعم، كل من آمن بالرب يسوع، يستطيع أن يقول مع داود: «كَأْسِي رَيَّا» (مز23: 5).

(3) «ابْعَثُوا أَنْصِبَةً لِمَنْ لَمْ يُعَدَّ لَهُ»: عندما يمتلئ القلب حبًا للمسيح، عندها يفيض القلب حبًّا لشعب المسيح، وحبًّا لخدمة احتياجات الآخرين.  لا أنانية، لا طمع، بل مشاركة في احتياجات القديسين الفقراء، وكل مَن هم في ضيقة.  هل تبعث أنصبة لمن لم يُعَدَّ له؟  ما أكثر المحتاجين حولنا.  هل تبحث عمن ظروفهم المادية صعبة لتشترك في احتياجاتهم؟  لا تنسَ قول الرب يسوع: «مَغْبُوطٌ هُوَ الْعَطَاءُ أَكْثَرُ مِنَ الأَخْذِ» (أع 20: 35).

(4) «لاَ تَحْزَنُوا، لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُم»: هنا نتعلم سر القوة الروحية، هو الفرح الذي يغمر المؤمن من خلال المعرفة الشخصية بالرب والشركة معه، واللهج في كلمته، والسلوك بالقداسة العملية.

إخوتي الأحباء: نحن نتمنى - يقينًا - أن نكون أقوياء؛ لكن لنضع في بالنا أننا عندما نفرح في الرب فقط نتقوى «لأَنَّ فَرَحَ الرَّبِّ هُوَ قُوَّتُكُم».