أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فَرَح الْمَزْرُوع عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ
«وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ،
وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ،
وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ.  
فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ»
(مت13: 20، 21)


تحدث الرب يسوع في مَثَل الزارع – أول وأطول هذه المجموعة من الأمثال – عن أربعة أنواع من التربة، ليُبين كيفية التفاوت والاختلاف بين البشر، في تجاوبهم مع كلمة الله، هذه الأنواع هي:

1. الطَّريق.

2. الأرض المُحجِرة.

3. الأرض التي تحوي الأشواك.

4. الأرض الجيدة.

كانت الأرض المُحجِرة هي النوع الثاني في هذا المَثَل، وهي أرض مُحجِرة، لأن الحجارة في باطنها، ويعلوها قشرة طينية رقيقة، فعندما تُلقى البذار عليها تنمو سريعًا، ولكنها تصطدم بالحجر الصلب الذي يصعب اختراقه، فيكون مصير النبتة الجفاف والموت.

عندما فَسَّر المسيح المثل لتلاميذه، قال عن الأرض المحجرة: «وَالْمَزْرُوعُ عَلَى الأَمَاكِنِ الْمُحْجِرَةِ هُوَ الَّذِي يَسْمَعُ الْكَلِمَةَ، وَحَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ، وَلكِنْ لَيْسَ لَهُ أَصْلٌ فِي ذَاتِهِ، بَلْ هُوَ إِلَى حِينٍ. فَإِذَا حَدَثَ ضِيقٌ أَوِ اضْطِهَادٌ مِنْ أَجْلِ الْكَلِمَةِ فَحَالاً يَعْثُرُ».  إذًا هذا النوع من البشر هم مَن يسمعون كلمة الله؛ فقط يسمعون دون أن يُعطوا الكلمة الفرصة لتتوغل لدواخل قلوبهم، لن يسمحوا للكلمة أن تعمل عملها أو تُنتج نتاجها.

صحيح يُقال عمن يسمع الكلمة – في الأرض المُحجِرة - أنه «حَالاً يَقْبَلُهَا بِفَرَحٍ»، لكن الفرح هنا ليس فرحًا حقيقيًا، بل هو فرح وهمي زائف؛ ليس هو فرح مَنْ غُفِرَ أثمه وسترت خطيته، لكنه مشاعر واهية كاذبة.  هذا النوع يذكرنا بالملك هيرودس أنتيباس الذي كان يسمع يوحنا المعمدان – يسمعه بسرور – لكنه في الوقت ذاته كان يعيش حياة النجاسة والفجور (مر6: 20).
إن الشعور الأول حين يلتقي الخاطئ بالمسيح، وحين تلمس كلمة الله قلبه وتؤثر في ضميره، ليس هو شعور الفرح بل الحزن العميق، الحزن على ماضيه الذي عاشه للخطية والإثم، وعمره الذي ضيَّعه وراء اللذة العابرة والمتعة الغادرة.  يحزن الخاطئ عندما يُدرك حقيقة حاله، ويعرف هول جُرمِه، ويستوعب أنه عاش بلا قيمة ولا هدف، يحزن عندما تتكشف أمامه الحقيقة الرهيبة: أن كل هذه الخطايا التي أخطأ بها هي في حق الشخص الذي أحبه ومات على الصليب لأجله.  كيف لا يحزن وقد سرقت منه الخطية أجمل سنين العمر، فطَوَّحته وحطمته ومزقته.

على أن الحزن وحده لا يكفي، لكن يجب أن يقترن بالتوبة الصادقة، فقيل: «لأَنَّ الْحُزْنَ الَّذِي بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يُنْشِئُ تَوْبَةً لِخَلاَصٍ بِلاَ نَدَامَةٍ» (2كو7: 10).  نجد هذا الحزن واضحًا جليًا في المرأة التي جاءت للمسيح في بيت سمعان الفريسي، والتي كانت كل المدينة تعلم أنها خاطئة؛ جاءت للمسيح ووقفت من ورائه باكية، حتى إنها غسلت بالدموع رجليه.  إن هذه الدموع السخينة الغزيرة تُعَبِّر عن حزن حقيقي وتوبة صادقة (لو7: 36-50).  وبالمثل أيضًا نقرأ عن العشار الذي لم يشأ أن يرفع وجهه إلى السماء، «بَلْ قَرَعَ عَلَى صَدْرِهِ قَائِلاً: اللهُمَّ ارْحَمْنِي، أَنَا الْخَاطِئَ» (لو18: 13).

ثم بعد الحزن الصادق والتوبة الحقيقية تأتي مشاعر الفرح، فرح مَنْ قد استراح قلبه وهدأ ضميره.  وكيف لا يفرح وها هو قد انتقل من الظلمة للنور، وتبدَّل حاله من العداوة والخصام للصلح والسلام.

عزيزي:
أدعوك للحظة صدق مع النفس..
هل بالفعل قَبِلت المسيح مُخلصًا؟ 
هل تبت توبة حقيقية صادقة؟
هل اخترقت كلمة الله قلبك فاقتنعت بأنك خاطئ، فحزنت حزنًا صادقًا مقدسًا، قادك أن تلجأ للمسيح صارخًا: ارحمني؟  
أم ما زلت تكابر وتعاند، تكتفي بالسمع، لا بل تُسر به.  
أرجوك لا تخدع نفسك، بل اتخذ قرارًا هو الأهم والأغلى:
أن تُلبي نداء المسيح المُحبّ، وأن تتجاوب مع قرعات الحب.

عادل حبيب