أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
فرح المسيح
ليس بالعنوان خطأ!

نعم إنه رجل الأوجاع ومختبر الحزن أو الخبير بكل أنواع الحزن والألم، نعم هو الذي نراه باكيًا المرة تلو المرة، وينظر حوله حزينًا على غلاظة قلوب البشر وهو الذي نسمعه يئن.  بل إن المزامير والنبوات، التي تكشف لنا عن مشاعره الباطنية، ترينا كم كانت أحزانه عميقة وآلامه عظيمة «أما إليكم يا جميع عابري الطريق تطلعوا وانظروا إن كان حزن مثل حزني الذي صنع بي الذي أذلني به الرب يوم حمو غضبه» (مرا 1: 12).

فكيف إذن نتحدث عن فرح المسيح!

نعم كان هناك فرح للمسيح، لكنه ليس كفرح العالم ولا كفرح الناس. وكما كان حزنه عميقًا كان أيضًا سروره عظيمًا، وهذا التباين الملحوظ في حياة المسيح نستطيع أن نتتبعه في كل أدوار حياته.

إنه التباين بين الظاهر والباطن، وبين الخارج والداخل.

كان فقيرًا معدمًا، وكان يُخدم من أموال نساء فُضليات كن يتبعنه؛ لكنه الغني القادر أن يغني كثيرين.

قال عن نفسه: «للثعالب أوجرة ولطيور السماء أوكار، وأما ابن الإنسان فليس له أين يسند رأسه» (لو9: 58). لكنه وعد تلاميذه قائلاً «في بيت أبي منازل كثيرة وإلا فإني كنت قد قلت لكم» (يو14: 2).

عطش إلى الماء، وعلى الصليب قال: «أنا عطشان»؛ ولكنه وقف يومًا ونادى قائلاً: «إن عطش أحد فليقبل إلي ويشرب. من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه أنهار ماء حي» (يو7: 37، 38).

وكما المسيح.. هكذا أيضًا أتباع المسيح «كحزانى ونحن دائما فرحون. كفقراء ونحن نغني كثيرين. كأن لا شيء لنا ونحن نملك كل شيء» (2كو6: 10).

أولاً: فرح الشركة مع الآب

كان يستطيع دائمًا، إذا ما خذله البشر وتخلّى عنه الناس، أن يحوِّل وجهه نحو الله، وفي ثقة يطرح نفسه في حضنه الرحيب، وينهل من مورد المحبة الإلهية كما يشاء.  لأنه كان يعلم أن كل ما يعمله أو يتألم به كان وفق إرادة الله، وكانت مشاعره متفقة تمامًا مع قلب الآب.  لذلك استطاع أن يقول بكل هدوء، وهو يعلم كيف سيتركه تلاميذه: «هوذا تأتي ساعة وقد أتت الآن تتفرقون فيها كل واحد إلى خاصته وتتركونني وحدي. وأنا لست وحدي لأن الآب معي» (يو16: 32).

ثانيًا: فرح فعل مشيئة الآب

«أن أفعل مشيئتك يا إلهي سُررت» (مز40: 8).  كان هذا هو شعار حياته كلها.  وعند بئر سوخار بعد حديثه مع السامرية لما قدم له تلاميذه طعامًا ليأكل، قال لتلاميذه: «طعامي أن أعمل مشيئة الذي أرسلني وأتمم عمله» (يو4: 34).

ثالثًا: الفرح عند الصليب

هنا يصل التناقض إلى ذروته، وتبلغ المفارقة قمتها التي لا نستطيع سبر أغوارها.  فما أدراك ما الصليب وأهوال الصليب!  إن مجرد تصوُّر هذه الأهوال في جثسيماني جَعَلَتهُ يحزن ويكتئب ويقول لتلاميذه: «نفسي حزينة جدًا حتى الموت»؛ ثم «يصلي بأشد لجاجة وصار عرقه كقطرات دم نازلة على الأرض» (لو22: 44)، فهل هناك فرح بالصليب؟!

نعم!  بل إننا لا نقرأ عن المسيح مسبِّحًا إلا وهو بصدد الذهاب إلى الصليب «ثم سبحوا وخرجوا إلى جبل الزيتون» (مت 26: 30)!  ونقرأ في رسالة العبرانيين: «من أجل السرور الموضوع أمامه احتمل الصليب مستهينًا بالخزي» (عب12: 2).  إنه سروره بتتميم مشيئة الله وإكمال العمل الذي أعطاه ليعمل (يو17: 4).  وهو السرور أن يأتي بنا أبناء كثيرين إلى المجد، ثمرًا لجهاده وآلامه على الصليب (عب2: 10).

رابعًا: فرح القيامة

إنه فرح القائد المنتصر وقد عاد من المعركة مظفَّرًا وغانمًا.  لقد غَلَبَ الموت والقبر والشيطان وكل قوى الجحيم.

إنه رجل مزمور 16 الذي يقول: «لأنك لن تترك نفسي في الهاوية.  «لن تدع تقيك يرى فسادًا. تعرِّفني سبيل الحياة (بالقيامة). أمامك شبع سرور. في يمينك نِعَم إلى الأبد» (مز16: 10، 11).

وعن القيامة أيضًا نقرأ في المزمور الأربعين: «أصعدني من جب الهلاك من طين الحمأة وأقام على صخرة رجلي. ثبَّت خطواتي، ووضع في فمي ترنيمة جديدة تسبيحة لإلهنا» (مز40: 2، 3). الصخرة هي صخرة القيامة. والترنيمة الجديدة هي ترنيمة القيامة.  كانت الترنيمة القديمة هي ترنيمة الخليقة القديمة «عندما ترنمت كواكب الصبح معًا وهتف جميع بني الله» (أي38: 7).  أما الترنيمة الجديدة فهي ترنيمة القيامة «أخبر باسمك إخوتي، وفي وسط الكنيسة أسبحك» (عب2: 12).

خامسًا: فرح المجيء الثاني

عندما يأتي ثانية ليأخذ عروسه إليه، سيجيء فَرِحًا بل هاتفًا مهلِّلاً «لأن الرب نفسه بهتاف، بصوت رئيس ملائكة وبوق الله، سوف ينزل من السماء، والأموات في المسيح سيقومون أولاً. ثم نحن الأحياء الباقين سنُخطف جميعًا معهم في السحب لملاقاة الرب في الهواء، وهكذا نكون كل حين مع الرب» (1تس4: 16، 17).
    
• الفرح المجيد الذي لا يُنطَق به، هو نصيب قلب استراح تمامًا على ما صنعه المسيح.  وهو متيقِّن تمامًا من راحة المسيح في قلبهِ وكفى.

• بعض المؤمنين رجعوا إلى الله، ولكنهم لم يختبروا مجد الفرح الذي لا يُنطَق به.  وذلك لأنهم لم يُقدِّروا عظمة الخلاص وكُلفته.

• إن الفرح الحقيقي بالخلاص، ولو من خطية واحدة في الحياة، لا توازيه كل أفراح الدنيا.
متى ناشد