أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
العدد السنوي - الفرح
السنة 2014
الأُخوّة المسيحية والفرح
«أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟  ... فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ» (خر4: 14)

حاول موسى أن يستعفي من الإرسالية التي أمره الرب بها، شعورًا بجسامتها، فإذا بالرب يشجعه، بأنه سيُرسل معه هارون أخاه، فقال له: «أَلَيْسَ هَارُونُ اللاَّوِيُّ أَخَاكَ؟  أَنَا أَعْلَمُ أَنَّهُ هُوَ يَتَكَلَّمُ، وَأَيْضًا هَا هُوَ خَارِجٌ لاِسْتِقْبَالِكَ.  فَحِينَمَا يَرَاكَ يَفْرَحُ بِقَلْبِهِ». 

ومن جانب آخر «قَالَ الرَّبُّ لِهَارُونَ: اذْهَبْ إِلَى الْبَرِّيَّةِ لاِسْتِقْبَالِ مُوسَى.  فَذَهَبَ وَالْتَقَاهُ فِي جَبَلِ اللهِ وَقَبَّلَهُ» (خر4: 14، 27). 

لقد فرح هارون برؤية موسى، فهو لم يَرَه منذ أربعين سنة؛ ولسماعه منه عن الأخبار السارة المتعلِّقة بإخراج الشعب من مصر، وإصعاده إلى الأرض الجيدة.  وفي الآية المقتبسة أعلاه نرى جانبين مرتبطين بالفرح:

أولاً: الجانب الأدبي (الروحي)

يتمثل في ثلاثة أمور تتعلق بموسى وهارون كأخوين: 

(1) علاقة جديدة: يقول الرب عن هارون «اللاَّوِيُّ أَخَاكَ».  لاوي يعني ”يقترن“، وبقوله: «أَخَاكَ»، يرسم أمامنا المحبة التي تجمع المؤمنين، وتؤلِّف بينهم في علاقة روحية جديدة، تأسست على اقترانهم بالروح القدس معًا كإخوة «وَأَنْتُمْ جَمِيعًا إِخْوَةٌ» (مت23: 8).  إن أول كلمة عذبة في سمعها، عميقة في تأثيرها، سمعها شاول الطرسوسي من حنانيا: «أَيُّهَا الأَخُ شَاوُلُ» (أع9: 17).

(2) شركة فريدة: عندما استقبل هارون موسى «قَبَّلَهُ» عندما رآه.   والقُبلة هنا علامة ودليل المحبة والشركة (نش1: 2؛ 8: 1؛ رو16: 16).  عندما كان هارون في مصر وموسى في مديان، لم يكن بينهما شركة، أما الآن فمن هذا اللقاء بدأت الشركة بينهما.  وعند رؤية موسى، دخل السرور والفرح لقلب هارون.  وهذا ما نجده في العهد الجديد، فعندما رأى بولس إخوة رومية «شَكَرَ اللهَ وَتَشَجَّعَ» (أع28: 15)، وكان قد تضرع للرب لكي يراهم وليتعزى بينهم (رو1: 11، 12).  كذلك يشتاق يوحنا الشيخ لرؤية القديسين والتمتع بهم (2يو12).  إن رؤية القديسين والشركة معهم تشبه العسل على نشابة يوناثان، تنير العينين وتفرح القلب.

ليعطنا الرب نعمة ومعونة، لكي لا نهمل شركتنا مع إخوتنا، فلا نحرم أنفسنا من فرح التواجد معهم (رجاء الرجوع إلى ملا3: 16؛ أف5: 19).

(3) إرسالية مجيدة: لقد أرسل الرب موسى وهارون معًا، ليُخرجا الشعب المأسور من مصر.  بلا شك إن وجود هارون برفقة موسى، كان سبب فرح وتشجيع له «اَلصَّدِيقُ يُحِبُّ فِي كُلِّ وَقْتٍ، أَمَّا الأَخُ فَلِلشِّدَّةِ يُولَدُ» (أم17: 17)، و«اِثْنَانِ خَيْرٌ مِنْ وَاحِدٍ ... لأَنَّهُ إِنْ وَقَعَ أَحَدُهُمَا يُقِيمُهُ رَفِيقُهُ» (جا4: 9، 10).  إن الرب يسوع عندما عيَّن السبعين رسولاً، أرسلهم اثنين اثنين، وبعد الرجوع من الإرسالية، عادوا جميعًا فرحين (لو10).  إنني عندما أخدم مع أخي، نتشجع معًا، نفرح معًا، ولو حدث ضيق أو اضطهاد في طريق الخدمة، نصلي ونسبح معًا، كما حدث مع بولس وسيلا في فيلبي (أع16).

ثانيًا: الجانب الرمزي

يمكن أن نرى في موسى رمزًا للمسيح المرفوض الآن من العالم ومن إخوته «َلَمْ يَعْرِفْهُ الْعَالَمُ ... وَخَاصَّتُهُ لَمْ تَقْبَلْهُ» (يو1: 10، 11).  ونجد في هارون صورة لجماعة المؤمنين في الوقت الحالي، إذ هم مملكة كهنة، يقدمون الذبائح الروحية لله بالمسيح.  ويمكن أن نجد في هذا الجانب أمرين أيضًا، مرتبطين بالفرح، في علاقتنا بالرب يسوع:

(1) رؤية وأفراح: فرح هارون برؤية موسى، ونحن نفرح عندما نرى الرب بالإيمان في وسطنا «َفَرِحَ التّلاَمِيذُ إِذْ رَأَوُا الرَّبَّ» (يو20: 20).  إن رؤيتنا للرب لا تتأتى إلا بالقداسة ونقاوة القلب «الْقَدَاسَةَ الَّتِي بِدُونِهَا لَنْ يَرَى أَحَدٌ الرَّبَّ»، «طُوبَى لِلأَنْقِيَاءِ الْقَلْبِ، لأَنَّهُمْ يُعَايِنُونَ اللهَ» (عب12: 14؛ مت5: 8).  ليتنا نراعي في سلوكنا مبادئ القداسة، سرًا وعلنًا، روحًا وجسدًا، فينعكس ذلك علينا بفرح عظيم.

(2) سجود إلى الصباح: يقول الرب عن هارون: «هَا هُوَ خَارِجٌ لاِسْتِقْبَالِكَ» ونحن «فَلْنَخْرُجْ إِذًا إِلَيْهِ خَارِجَ الْمَحَلَّةِ حَامِلِينَ عَارَهُ»، ثم «فَلْنُقَدِّمْ بِهِ فِي كُلِّ حِينٍ للهِ ذَبِيحَةَ التَّسْبِيحِ» (عب13: 13، 15).   يتحدث موسى عن لاوي فيقول: «يَضَعُونَ بَخُورًا (صورة لكمالات المسيح وأمجاده) فِي أَنْفِكَ، وَمُحْرَقَاتٍ عَلى مَذْبَحِكَ (صورة للمسيح كمن أشبع قلب أبيه من خلال حياته وموته)» (تث33: 10)، وهو صورة للسجود الذي نقدّمه الآن للآب، من خلال ابنه، حتى يأتينا كوكب الصبح المنير.  وعند إقبال الصبح، تم الخلاص للشعب من أعدائه، وأعقب ذلك الترنيم والتسبيح (خر14؛ 15).  وبالنسبة لنا «فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» (رو13: 11)، وفي بيت أبينا في العلا، سنترنم الترنيمة الجديدة ونحن مُمسكون القيثارات (رؤ5).
فؤاد حكيم