أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2016
تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَكَانَ يَسُوعُ يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ. وَلَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ، إِذْ كَانُوا مُنْزَعِجِينَ وَمُنْطَرِحِينَ كَغَنَمٍ لاَ رَاعِيَ لَهَا. حِينَئِذٍ قَالَ لِتَلاَمِيذِهِ: الْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ» (مت٩: ٣٥-٣٨).

تَحَنَّنَ الرب يسوع على الجموع عندما كان هنا على الأرض، أفلا نُشاركه عواطف حنانه، إذ نرقب أكثر من سبعة بلايين من البشر معنا على الأرض، في وقتنا الحاضر؟ ألا نشعر بالحاجة الماسة للكثيرين الذين في طريقهم إلى أبدية هالكة؟

وما زال اليوم هو يوم النعمة. وما زال الله يعمل بقوة واقتدار بروحه ليجذب الخطاة إليه. ولقد وقعت علينا المسؤولية أن نصل بالإنجيل إلى الأماكن القريبة، وأيضًا إلى الأصقاع البعيدة. وما كان صحيحًا من سنوات عديدة في بليموث في إنجلترا، قد أصبح اليوم أكثر إلحاحًا. ألا نسمع الدعوة إلى أمانة أكبر، في خدمة بكامل القلب من أجل الرب؟

لقد بدأ من أكثر من مائة سنة، عملٌ بطريقة قوية من خلال روحه في إنجلترا، وانتشر منها - عمليًا - في كل الكرة الأرضية.

ولقد حدثت أشياء مذهلة في ذلك الوقت، خاصة في مدينة “بليموث” حيث بدأ العمل. ولقد قيل إنه لم يكن - في تلك المدينة - بيت واحد، لم ينضم شخص واحد منه على الأقل، لمن اجتمعوا مع مَن أُطلِق عليهم اسم “الإخوة”. حتى إن المسرح الذي اجتمعوا فيه، لم يحدث فيه أي نشاط سوى هذه الاجتماعات لمدة ثلاث سنوات، لأنه كان هناك اشتياق عام لدى المؤمنين أن ينفصلوا عن العالم. ولقد بُذلت جهود بكل قوة للارتقاء بالحياة الروحية لهؤلاء الناس. وحتى مالك هذا المسرح لم يتضرر من الخسارة الظاهرية الكبيرة التي حدثت له، بل هو نفسه خلُصَ، واجتمع مع الإخوة على عشاء الرب.

ولقد أُنشئِت غرف متسعة، ليس فقط لدراسة كلمة الله، بل أيضًا لإذاعة الإنجيل للجماهير الغفيرة. ولكن الأشياء قد اختلفت اليوم في هذه المدينة. وليس من قصدنا ولا اهتمامنا أن نفحص الأسباب التي أدت إلى ذلك، ولا الظروف التي دفعت إلى تحقيق ذلك. ولكن ما نريد أن نفعله هو أن نلفت انتباه الجميع في كل مكان، وحيثما نستطيع أن نصل إلى المجتمعين، إلى ما فعله أولئك المؤمنون، وإلى الموقف الذي شاع في صفوفهم، والذي كان له مثل هذا التأثير القوي. وهو موقف تُعبّر عنه بأعلى قدر من الصحة هذه الكلمات: «تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ».

ويبدو أن حالة كنيسة إنجلترا قد أصبحت يائسة تقريبًا في هذه الأيام. وقادتها يعملون ضد العمل الإلهي، ولا يشغلون أنفسهم بشعبهم. ولكن هذا بالضبط ما يُعطي الفرصة لإخوتنا ليُحاولوا بمجامع قلوبهم أن يهتموا بالكثيرين الذين - وإن كانوا غير واعين - يشتاقون لمن يقودهم ويُطعمهم. ولذا نثق في الرب أن ضعفنا الشخصي، الذي نُدركه جيدًا، ليس عقبة أمام الرب. ونثق في إمكانية أن تسود المحبة الأخوية الحقيقية في أوساطنا، ولا يسعى أحد بيننا لأن يكون الرئيس، بل بالأحرى كل واحد يعتبر الآخر أفضل من نفسه. فالمحبة الخادمة هي الحل، حتى لو كانت تصل إلى أدق الأشياء وأصغرها. ونثق في إمكانية أن نعمل بكتف واحدة بين المؤمنين، وبين غير المؤمنين.

في الأصحاح الثالث من سفر الرؤيا، وفي الخطاب إلى كنيسة “فِيلاَدَلْفِيَا” (المحبة الأخوية)، نجد ذكرًا “لِقُوَّة يَسِيرَة”، ولكن نجد “أمانة كبيرة”. ولذلك نسمع عن حفظ كلمة الرب، وأن اسمه لم يُنكر. ولأجل هذين السببين؛ الضعف والأمانة، قدم الرب نفسه باعتباره «الْقُدُّوسُ الْحَقُّ ... الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ».

ويجدر بنا أن نُضيف حسنًا أن هؤلاء الإخوة المذكورين كانوا مُلهمين بوحي روح فيلادلفيا. وإذ كانوا يدركون بدقة ضعفهم، فقد شعروا بمسؤوليتهم بالتمسك بشدة باسم الرب وكلمته. والقوة التي قادتهم لأن يفعلوا ذلك هي التي وجدوها في “الْقُدُّوس الْحَق”. ومنذ أن انفصلوا عن كل الذين يُعلِّمون بأشياء غير حقيقية، وعن غير المؤمنين، بالإضافة إلى حفظ أنفسهم من روح العالم (بما فيه العالم المسيحي أيضًا، الذي له صورة التقوى ولكن ينكر قوتها)، فإن ربهم وسَيِّدهم أعدهم واستخدمهم في كل عمل صالح (انظر ٢تيموثاوس ٢: ١٦ إلى ٣: ٥). فالمسيح كان موضوع قلوبهم، وقد شهدوا له أمام الخطاة، كما أيضًا أمام أولاد الله. ووضعوا أمام قلوب جميعهم أن يكونوا تابعين حقيقيين للرب يسوع في جميع الأمور. وأكثروا دائمًا في عمل الرب، واقتنعوا أن عملهم ليس باطلاً، فأذاعوا الإنجيل في كل مكان، وسعوا لأن يكون لهم دخول إلى الحق من خلال التكلم والكتابة. وأمسكوا بمعرفة أنه «حَسَنٌ وَمَقْبُولٌ لَدَى مُخَلِّصِنَا اللهِ، الَّذِي يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُونَ» (١تي٢: ٣، ٤). فقد كان هناك اشتياق جميل لمشاركة الآخرين فيما أعطاهم إياه الرب. ومن كانوا بينهم أكثر تقدمًا فكريًا وأغنى ماديًا، فعلوا كل ما يستطيعون - سواء من ناحية المعرفة أو من ناحية الممتلكات - ليُتيحوا الفرصة لعمل الرب. وإذ هم “عَالِمُونَ مَخَافَةَ الرَّبِّ”، والدينونة الرهيبة، كانوا يقنعون الناس ليهربوا من الغضب الآتي. وإذ حركتهم عواطف الرحمة وحصرتهم محبة المسيح، أذاعوا معرفة الرب الذي «مَاتَ لأَجْلِ الْجَمِيعِ كَيْ يَعِيشَ الأَحْيَاءُ فِيمَا بَعْدُ لاَ لأَنْفُسِهِمْ، بَلْ لِلَّذِي مَاتَ لأَجْلِهِمْ وَقَامَ» (٢كو٥: ١١-١٦).

كيف أصبحنا وقتذاك ... وكيف صرنا اليوم؟

يا للحسرة! فعبر السنين قد بردت المحبة. وما نما بمجد عظيم بهذا الحد تحت الإرشاد الإلهي للروح القدس، أصبح بمرور الوقت مجرد صورة لكثيرين. وهكذا لسنا نبكي اليوم فقط بسبب خراب الكنيسة؛ جماعة الرب، ولكن أيضًا بسبب اضمحلال الشهادة في الأيام الأخيرة؛ الشهادة التي كانت موضع عناية الله وقيادته الممنوحة من الرب للجماعة (الكنيسة).

وما الذي يجب أن نفعله الآن؟

قبل كل شيء يجب أن نعترف بأمر حيوي، هو أنه من خلال عدم أمانتنا، قد ضاع كثيرون. فيجب أن تكون هناك توبة جادة، واتضاع في الوضع الصحيح. ويجب أن نلتمس من الله أن يقودنا إلى الوضع الصحيح لقلوبنا نحو الناس، لكي “نتْحَنَّنَ عَلَيْهِمْ” حقًا.

لقد انفصل الإخوة في بساطة الأطفال ليكونوا شهادة لاسم سَيِّدهم ولكلمته، ولكن لاحقًا أصبحوا يشعرون بأهمية أنفسهم. ومن هذا وُجد مدخل بين الكثيرين منهم للرأي القائل إنهم مجرد مدعوين ليحملوا شهادة لحقائق معينة ائتمنهم الرب عليها، بينما يتركون - على سبيل المثال - الكرازة بالإنجيل لمسيحيين آخرين.

هذا الرأي ليس صوابًا، ولكنه بالتأكيد مفهوم بسهولة للكثيرين منا. فقد استأمن الله الرسول بولس لمهمة خاصة كوكيل عن الله ليُعلن الحق المختص بالكنيسة. ولكن ألم يكن أيضًا خادمًا مجتهدًا للإنجيل؟ (كو١: ٢٣-٢٥). وبجانب مجهوداته لنشر الحق، ألم يُعطِ هذا الرجل الرائع حياته لخدمة الإنجيل؟ لقد اعتبر نفسه مدينًا لليهود وللأمم، وبدون كلل أو ملل أخذ يقودهم إلى المسيح. وقد حثَّ تلميذه تيموثاوس، وهو يُحرّضه لأن يحفظ الوديعة التي استودعه إياها، قائلاً له قبيل دعوته للبيت الأبدي: «اعْمَلْ عَمَلَ الْمُبَشِّرِ» (٢تي٤: ٥ انظر أيضًا فيلبي١: ٢٧).

وما الذي نقرأه عن الرب يسوع نفسه في هذا الصدد؟ بعد أن رفضه قادة الشعب في بدء خدمته، وبالتالي لم يعد رجاء للأمة اليهودية، فإنه مضى «يَطُوفُ الْمُدُنَ كُلَّهَا وَالْقُرَى يُعَلِّمُ فِي مَجَامِعِهَا، وَيَكْرِزُ بِبِشَارَةِ الْمَلَكُوتِ، وَيَشْفِي كُلَّ مَرَضٍ وَكُلَّ ضُعْفٍ فِي الشَّعْبِ» (مت٩: ٣٥؛ ٤: ٢٣). لقد رأى الجموع الغفيرة في بؤسهم وعوزهم. كم كانوا جوعى ومنزعجين، ومنطرحين كغنم لا راعي لها! فتحنَّن عليهم، ولم يدخر جهدًا لأجلهم. وحيثما رأوه في الأسواق أو في المجامع، وجدوه يُعلّمهم. وأعلن الأخبار السارة في الشوارع وفي البيوت، للجموع الغفيرة، وأيضًا للأفراد. نعم، حتى أنه شجع تلاميذه أن يطلبوا من رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ، رغم أنه هو نفسه كان مزمعًا أن يُرسل فَعَلَةً، لأن الفَعَلَة كانوا قليلين (مت٩: ٣٧، ٣٨). ورغم أن كل المجهودات بين القادة كانت تبدو بلا نتيجة، إلا أن عمله بين الجموع لم يكن عبثًا، وكان من المؤكد ألا يكون عبثًا. فأي سبب كان له لأن يواصل هذا الجهد الشاق! يا له من مثال لنا! يا له من نموذج للجميع! يا له من مثال لكل فرد!

ورغم أن الأيام قد أصبحت شريرة، ورغم أن التشويش يزداد في الدائرة الروحية، إلا أنه ما زال القول صحيحًا: «هَنَذَا قَدْ جَعَلْتُ أَمَامَكَ بَابًا مَفْتُوحًا». فما زال هناك رجاء. إن قوة الأيام الأولى لم تعد - بالطبع - باقية، ولكن «يَسُوعُ الْمَسِيحُ هُوَ هُوَ أَمْسًا وَالْيَوْمَ وَإِلَى الأَبَدِ»؛ إنه - تبارك اسمه - سيظل باقيًا إلى الأبد، وسيبقى هو ولو باد الجميع (عب١٣: ٨؛ ١: ١١، ١٢). واليوم ما زال هو أيضًا «الْقُدُّوسُ الْحَقُّ ... الَّذِي يَفْتَحُ وَلاَ أَحَدٌ يُغْلِقُ». وإذا كنا فقط أمناء، ونتحرك في طريقنا في المحبة الأخوية، مع كوننا مستشعرين بضعفنا الشديد، فعلينا أن نتأمل الرب يسوع وقد تحنَّن عندما رأى كل الضعفاء والمرضى والمنزعجين والتعساء في إسرائيل (مت١٤: ١٤؛ ٢٠: ٣٤). لقد تحنَّن عندما رأى جموعًا غفيرة كانت تمكث معه لثلاثة أيام، ولم يكن لهم ما يأكلون (مت١٥: ٣٢). ولكن فوق كل شيء أنه تحنَّن عليهم في مشهد الحالة المُحزنة التعسة التي كانت عليها إسرائيل روحيًا، ولذلك بكى عندئذٍ (لو١٩: ٤١).

ولكن بأية طريقة نستطيع أن نتبع ربنا وسَيِّدنا؟ ليس لنا أن نبدأ واضعين عينًا على الحصاد العظيم، بل عندما نرى فعلة قليلين يأتون للحصاد، نستخلص النتائج المناسبة مما نلاحظه. إذ العجلة ملحة عندما تكون الحقول قد نضجت. ففي وقت الحصاد يستيقظ الناس مبكرًا جدًا، ثم يعملون طوال النهار بينما يكونون مُمتنين لأية معاونة تُقدَّم لهم. والآن - بالضبط كما كان في أيام ربنا يسوع - قد ابيضت الحقول للحصاد. فلسنوات عديدة قد حُرثت الأرض وبُذرت البذار. ولكن أين هم الناس في هذه الأيام المستعدون للذهاب إلى الحصاد؟ وبالطبع نحن لا نستطيع أن نقيم فَعَلَة ونُرسلهم، ولكن نستطيع أن نصلي، وأن نطلب بلجاجة من أجل مزيد من فَعَلَة جديدين. ونستطيع أن نصرخ ونتضرع بلجاجة ومثابرة لرب الحصاد أن يُرسل الأشخاص الذين يراهم لائقين لهذه الخدمة، وأن يُحررهم من كل مشغولية للذهاب إلى حَصَادِهِ (مت٩: ٣٧، ٣٨).

ونستطيع أن نتبع سَيِّدنا في المكان الذي نضع فيه أنفسنا بجملتها بالتمام رهن مشيئته عندما يقول لنا: اذهبوا. لماذا لا

ينطلق شبابًا كثيرين للعمل في خدمته؟ ألم يقل لنا الرب: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مر١٦: ١٥). ويستطيع الرب أن يستخدم أشخاصًا في منتصف العمر، بل وربما مسنين، ولكنه يطلب أيضًا قوة الشباب. وهو يريد أن يرى بعضهم مُكرسين كل حياتهم بطولها له ولخدمته.

ولكن أين هم الذين يستجيبون لدعوة الرب: «هَأَنَذَا أَرْسِلْنِي»؟ للأسف، كم من الأسباب التي تُقال ضد الاستجابة بفرح وتصميم. قد يسألون: من أين مصادر معيشتنا؟ ولكن كلمة الرب التي تقول: «الْفَاعِلُ مُسْتَحِقٌّ أُجْرَتَهُ»، ما زالت صالحة لليوم. الرب هو الذي سيزودنا. من أين تأتي لنا الحكمة التي نحتاج إليها في تعاملاتنا مع الناس الذين نحيا بينهم كما في وسط الذئاب؟ ولكن ما زالت هذه أيضًا في يومنا هذا:

«سَيُسْلِمُونَكُمْ إِلَى مَجَالِسَ، وَفِي مَجَامِعِهِمْ يَجْلِدُونَكُمْ. وَتُسَاقُونَ أَمَامَ وُلاَةٍ وَمُلُوكٍ مِنْ أَجْلِي شَهَادَةً لَهُمْ وَلِلأُمَمِ. فَمَتَى أَسْلَمُوكُمْ فَلاَ تَهْتَمُّوا كَيْفَ أَوْ بِمَا تَتَكَلَّمُونَ، لأَنَّكُمْ تُعْطَوْنَ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مَا تَتَكَلَّمُونَ بِهِ، لأَنْ لَسْتُمْ أَنْتُمُ الْمُتَكَلِّمِينَ بَلْ رُوحُ أَبِيكُمُ الَّذِي يَتَكَلَّمُ فِيكُمْ ... وَلاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلَكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ» (مت١٠: ١-٣٢).

فدعونا لذلك نسأل أنفسنا ما إذا كان الرب قد قدم لنا دعوة! وإذا ما أصبحت هذه الدعوة جلية واضحة لنا، فربما نُخبر أخًا مؤتمنًا أو أخين أن الرب يدعونا، ثم دعونا لا نسوِّف كثيرًا في طلب المشورة من لحم ودم، بل بالأحرى بالإيمان نُضحي بكل شيء لأجل الرب الذي ضحى بكل شيء - حتى بنفسه - لأجلنا. وسوف يُجيب الرب صلاتنا البسيطة. فهو لا يترك أحدًا لعدم اليقين، ممن يطلبونه ببساطة، حتى لو يقول الآن أو بعد حين: انتظر. وأخيرًا نستطيع أن نتبع سَيِّدنا في ذلك، مهما كنا، والذي يستطيع أن يُعطينا شهادة لمن حولنا، عن الشخص الذي لنا، وأن نُقدم يد المعونة لكل من يحتاجها.

فماذا نحن فاعلون نحو هذا؟ هل نتكلَّم مع جيراننا عن الرب يسوع؟ هل نشهد له في وظائفنا أو في متاجرنا أو في مواقع عملنا؟ هل يلاحظ الناس الذين حولنا شيئًا عن حقيقة كوننا مسيحيين؟ ألم نتذكر قط أن نُقدِّم نبذًا أو شيئًا من مثل ذلك لآخرين؟ هل نضع قلوبنا على توزيع الكتاب المقدس؟ دعونا لا ننسى مصير غير المؤمنين الغافلين عن حقيقة أنهم سيهلكون، ويحتاجون في هذه الحياة أيضًا إلى الإرشاد السليم، والسعادة الحقيقية، لأن ليس لهم راعي. والرب يجب أن يكون لهم مرشدًا، وأن يكون لهم كل شيء. وهو يقود قطيعه إلى المراعي الخضراء وإلى مياه الراحة التي ترد نفوسهم، وعصاه وعكازه تعزيانهم في جميع الأحيان، ويهدي شعبه إلى سبل البر. أفلا نشتاق لأن نُحضِر الآخرين في علاقة مع راعيهم الصالح؟ والأكثر من ذلك: هل تكلمنا قط مع مؤمنين آخرين ليُأتى بهم في ارتباط مع الرب حول الحقائق العظمى التي أصبحت لنا ثمينة؟ ونحن نفعل حسنًا بالتأكيد بالتحدث مع مسيحيين، لا يسيرون في نفس السبيل معنا، حول ما نشترك معًا فيه. ولكن هل يعني هذا أن نكون صامتين للآخرين عما امتلكناه كحق مجيد؟

وبالتأكيد يجب أن نتحصن ضد المجادلات وضد المعارك الكلامية، وأن نتحذر من أن نستحضر نفس الموضوع مرارًا وتكرارًا. بل يجب أن نشهد بمحبة عن الأمور المجيدة التي وجدناها بأنفسنا في الكتاب المقدس. ولكن - يا للأسف - كثيرين من المؤمنين لا يعرفون شيئًا عما أنعشتنا به طويلاً نعمة الله. ولقد نشر الإخوة - في الأيام الأولى - هذه الكتابات بين الكثيرين من مختلف المذاهب المسيحية، بالصلاة، وبغيرة وافرة. ولقد شهدت كتاباتهم عن الطريقة التي اجتمعوا بها، وعن الرجاء الذي لنا، أو عن الكتاب المقدس نفسه. ولقد قُرئ كثير من الشروحات لكلمة الله، بمحبة وببركات وفيرة، وأوصوا بها بحرارة للكثيرين. والآن ماذا عن يومنا هذا؟

علينا أن نبدأ بأنفسنا لنُعيد ما كان صالحًا ونافعًا لدينا. وأن نمنطق أحقاءنا بثبات راسخ غير متزعزع طالما يتعلَّق الأمر بالحق «مُكْثِرِينَ فِي عَمَلِ الرَّبِّ كُلَّ حِينٍ» - كشهادة حية للمؤمنين وغير المؤمنين - «عَالِمِينَ أَنَّ (تَعَبَنا) لَيْسَ بَاطِلاً فِي الرَّبِّ» (١كو١٥: ٥٨).

وأود أن أدعو إلى الالتفات إلى خطر واحد ما زال للآن، وهو موجود لدى جميع الذين يرغبون أن يخدموا الرب، بغض النظر عن الطريقة، وهذا الخطر هو التصرف بروح ناموسية. وفي مثل هذه الحالات تؤدي شهادتنا إلى ضرر أكبر، وليس إلى مساعدة. كلا، يجب أن نُقابل الناس بروح المسيح، آخذين في الاعتبار تعاسة هذا الوقت الحاضر. وإذا كان لنا أن نقف موقفًا من القلب، فيجب أن نضع في اعتبارنا الجموع الغفيرة، وعلينا أن نتصرف في مثل هذه الحالات بالمشاعر الصحيحة؛ أي “نتَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ”، وعندئذٍ علينا أن نواصل الصلاة، ونعمل بنشاط بلا كلل.

وإذا كنا مدركين للبركات التي من نصيبنا، وإن كان لنا قلب لكل هؤلاء الذين يفتقدون هذه الأشياء، فعندئذٍ ستكون المحبة هي القوة الدافعة لتصرفاتنا وأفعالنا. وسندعو عندئذٍ الآخرين «تَعَالَ وَانْظُرْ»، ومن ثمَّ سوف تقود أيدينا الناس إلى ينابيع البركة. وعندئذٍ لن تصدر منا أشياء حادة أو قصيرة النظر أو مضرة، بل بالحري نحزن لأن الآخرين لا يعرفوا السعادة التي نستمتع بها. ولسوف نفعل أقصى طاقتنا لأجل أغراضنا الفضلى.

إننا كثيرًا ما نُغلق عيوننا! كثيرًا ما قال لي والدي عندما كنت صبيًا: “يجب أن نمضي في الحياة بعيون مفتوحة”. وكثيرًا ما فكرت في هذا القول. فإن رأينا الأمور التي حولنا من تعاسة وعوز، وإن رأينا الحصاد العظيم وقلة الْفَعَلَةَ، فإنما يدفعنا ذلك إلى الله، وإلى الناس، ولنتذكر أن «يَسُوعُ ... لَمَّا رَأَى الْجُمُوعَ تَحَنَّنَ عَلَيْهِمْ»

ج. ن. فورهوفه

هذا خطاب كتبه أخونا الهولندي ج. ن. فورهوفه في منتصف ثلاثينات القرن العشرين، ولكن تنبه التفاتنا إليه حديثًا. ومع أنه قد كُتب من أكثر من ثمانين عامًا، إلا أنه يتكلَّم إلى قلوبنا وإلى قلوب الكثيرين ممن شاركونا في الاطلاع على الترجمة الإنجليزية له. وما كتبه أخونا عندئذٍ إنما نجده مناسبًا جدًا في يومنا هذا. ولذا نرغب أن نشاركه معكم، واثقين أن نسمع صوت الرب. والأخ فورهوفه هو والد الأخت فورهوفه التي أنفقت أكثر من ثلاثة أرباع قرن في خدمة إرسالية مُضحية في مصر.