أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2016
لا للاصفرار ولا للاحمرار
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

هل ضَربَتْ صفرةُ المرَضِ بَدَنَ يعقوبَ، بل وزحَفَتْ شُحوبةُ الموتِ على وجهِهِ فجَعلَت قُبحَهُ يؤوب؟ ألا توجد إغاثاتٌ عاجِلةٌ لاستشفاءِ المريضِ دونَ أن يرجعَ للربِّ ويتوب؟

دعوه يسأَلُ منةً، خيلَ مِصرَ ركوبةً (إش٣٠، ٣١)، وِمن مياه شيحورَ (النيل) قطرةً أو مِن مياهِ نهرِ أشورَ جرعةً (إر٢: ١٨)، أو دعوه كما اعتادَ يسألُ خَشَبةً ومِن عصاه يستوحي إجابةً (هو٤: ١٢)، يا للكارثةِ! لقد تبدَّلَ الاصفرارُ بالاحمرار. وربما تسألُني وما الكارثة في الاحمرار؟ أليس هو مِن علاماتِ الحياةِ لبدَنٍ أصابَهُ الانهيار؟ كلاَّ، ليس هو احمرارُ العافيةِ بل هو خَجلٌ وازمهرار، لمَن قصَدَ غير الربِّ حصنًا وغيرَ حضنِهِ حضنًا ولاذَ بالفِرار، على خيلٍ سريعٍ مع أن الخفيفَ لا ينوص.

هذه الآيةُ المذكورةُ أعلاه، تقَعُ ضمنَ مجموعةٍ من الأصحاحات من نبوةِ إشعياء، تضُمُ ثمانية أصحاحات معًا، وهذه الأصحاحات تضُمُ ستة ويلاتٍ، توعَّدَ بها الربُّ كُلَّ فئات البعدين عنه:

«ويلٌ لإكليلِ فخرِ سكارى أفرايم»، وبهذا يتوعَّدُ الربُّ الأسباطَ العشرةَ (إش٢٨: ١).

«ويلٌ لأريئيلَ (صهيون)، لأريئيلَ قريةٍ نزلَ عليها داود» (إش٢٩: ١)، وفي هذا وعيدٌ للسبطينِ.

ثم نقرأ عن ويلٍ ثالث: «ويلٌ للذين يَتَعمَّقُونَ ليكتُموا رأيَهُم عن الربِّ، فتصيرُ أعمالُهُم في الظلمةِ، ويقولونَ مَن يُبصِرُنا ومَن يعرِفُنا؟» (إش٢٩: ١٥).

ثم نقرأُ الرابع: «ويلٌ للبنينَ المتمردينَ .... الذينَ يذهبونَ لينزِلوا إلى مِصرَ ولم يسألوا فمي، ليلتجئوا إلى حصنِ فِرعوْنَ ويحتموا بظِلِّ مِصرَ. فيصيرُ لكم حِصنُ فرعوْنَ خجلاً، والاحتماءُ بظِلِّ مِصرَ خِزيًا» (إش٣٠: ١-٣)، وبهذا يتوعَّد لا الذين ينزلونَ إلى مِصرَ فحسبْ، بل الذين فرُّوا مِن قضاءِ الربِّ، مصممين في عِنادِهِم على إيجادِ المنافذِ.

ثم نقرأُ الخامسَ في إشعياء ٣١: ١، ثم السادسَ والأخيرَ، لا للشعب الأرضي ولكن لأعدائِهِ الذين أخربوه (إش٣٣: ١).

وهذا الوعدُ الجميل الذي نتأَّمَلُهُ «ليس الآنَ يخجلُ يعقوبُ، وليسَ الآنَ يصفارُّ وجهُهُ»، يقعُ بين الويل الثالث، الذي يتناولُ الذين يتعمَّقون في فعلِ الشرِ ويكتمونَ رأيَهُم عن الربِّ، والويلُ الرابع الذي يتوعَّد الهاربين مِن قضاءِ الربِّ، احتماءً بالمعوناتِ البشرية.

أخي، احذر مِن أن تهرُبَ إلى البشرِ ولا تلتفت إلى الربِّ، فها داود يحثُّنا «نظروا إليهِ (إلى الربّ) واستناروا ووجوهُهُم لم تخجَل» (مز٥:٣٤). إن كلمة «لم تخجَل» حتى في حاشيةِ الكتاب المشوهد تعني: لم تحْمَرّْ.

إن العيشَ في البُعدِ عن الربِّ، يجعلُ الوجوهَ “تصفارُ”، والنظرُ إلى البشرِ، يجعلُها تحْمرُّ...

فلِمَ الاصفرارُ ولِمَ الاحمرارُ؟

بطرس نبيل