أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2012
سبعة أرواح الله - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
سبعة أرواح الله

(رؤيا1: 4-8؛ 19: 10

 أرجو أن يكون واضحًا لقارئ سفر الرؤيا، أن الطريقة التي يُقَدَّم بها الروح القدس في هذا السفر مختلفة تمامًا عن تلك التي كانت أمامنا في الأجزاء السابقة من العهد الجديد.  إن الذي كنا نتأمل فيه في الصفحات السابقة كان عن شهادة الروح القدس عن نفسه، في أجزاء مختلفة في الكتاب المقدس، وبطرق مختلفة، بالارتباط مع المسيحية.  إن ما كان أمامنا هو الحق الخاص بالروح الواحد، وأن ذلك الروح الواحد يسكن على الأرض منذ يوم الخمسين.  لكن عندما نأتي إلى سفر الرؤيا لا نقرأ بعد عن الروح الواحد، لكن عن «سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ» (رؤ1: 4؛ 4: 5؛ 5: 6).  إن كلمة الله كاملة، فهل يوجد إذًا ما يُسمى «سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ»؟
أرجو أن نضع في أذهاننا أنه في سفر الرؤيا يُقدَّم روح الله بصفة مختلفة كلية عن تلك التي كانت أمامنا في الأجزاء الأخرى من العهد الجديد.  إن ذلك لا يُدهشنا، لأنه في هذا السفر نجد أن معاملات الله مختلفة تمامًا عن معاملاته التي نراها في الجزء المُتقدِّم مِن العهد الجديد، حيث تَظْهَر هناك معاملات الله بالنعمة على الأرض.  أما الفكرة الغالبة في سفر الرؤيا فهي على العكس، حيث نرى الله مُتعاملاً مع الإنسان بمظاهر مختلفة من جهة مسؤوليته على الأرض.  لذلك نجد أن هذا السفر هو بالتأكيد سفر الدينونة أو القضاء.  وهذا بدون شك هو السبب في أن الناس لا يقرأون فيه كثيرًا.
إن الشيطان ماهر في أن يمنع النفوس من دراسة أي جزء من كلمة الله بعناية، والتي تُفَصِّل بوضوح، ليس فقط دينونة الكنيسة الاسمية، ودينونة الزانية (الكنيسة المزيفة)، ودينونة العالم، ودينونة الأحياء، ودينونة الأموات، لكن أيضًا دينونة الشيطان نفسه.  وليس غريبًا أنه يُخبرك - أي الشيطان - أن هذا السفر هو سفر لا يستطيع أحد أن يفهمه، رغم أن الروح القدس يبدأ محتوياته بالكلمات: «طُوبَى لِلَّذِي يَقْرَأُ وَلِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ أَقْوَالَ النُّبُوَّةِ، وَيَحْفَظُونَ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ فِيهَا، لأَنَّ الْوَقْتَ قَرِيبٌ» (رؤ1: 3).  وليس ذلك فقط، لكنه يقول في الأصحاح الأخير: «طُوبَى لِمَنْ يَحْفَظُ أَقْوَالَ نُبُوَّةِ هَذَا الْكِتَابِ» (رؤ22: 7).  ولا يوجد جزء آخر في الكتاب المقدس استهله الله وختمه، ببركة خاصة واضحة كما فعل في هذا السفر.  رغم ذلك، إذا كان هناك جزء واحد مهمل في الكتاب المقدس، فهو هذا السفر.  فإذا كنت أنت أو أنا لم نُعِر هذا السفر اهتمامًا كافيًا، فمِن الأفضل أن نطلب نورًا من الله، ونبدأ في دراسته بتصميم.  أنا أعرف أن دراسة النبوة ربما تُغذي العقل أو الذهن أكثر من لمس مشاعر النفس وملء القلب بالفرح النابع من الشعور بمحبة المسيح.  إن ذلك الفرح هو نصيبنا اللائق، لكن يُوجَد ربح عظيم في دراسة ذلك الذي يُخبرنا به الله هنا في هذا السفر.
في سفر الرؤيا نجد روح الله مُقدَّم لنا في صورة تتوافق مع تقرير ملحوظ في العهد القديم، سأشير إليه الآن.  نجد هذا التقرير في الأصحاح الحادي عشر من نبوة إشعياء.  هناك يُعطينا روح الله وصفًا نبويًا عن الملكوت العتيد، ومُلك الرب يسوع كالمسيا على الأرض «وَيَخْرُجُ قَضِيبٌ مِنْ جِذْعِ يَسَّى، وَيَنْبُتُ غُصْنٌ مِنْ أُصُولِهِ، وَيَحِلُّ عَلَيْهِ رُوحُ الرَّبِّ، رُوحُ الْحِكْمَةِ وَالْفَهْمِ، رُوحُ الْمَشُورَةِ وَالْقُوَّةِ، رُوحُ الْمَعْرِفَةِ وَمَخَافَةِ الرَّبِّ» (إش11: 1، 2).  هناك نجد وصفًا سباعيًا عن ذلك الروح المُعطى هناك.  وأنا لا أشك أن هذا يوافق ما يُسمى «سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ» في سفر الرؤيا.
ليس هنا بعد “الروح الواحد” مُعمِّدًا إلى “جسد واحد” كما سبق ورأينا، لكن ذلك الطابع الخاص لعمل روح الله، الذي سيعمل في الأرض كلها، في اليوم الذي يُهيئ لدخول المُلك الألفي.  إنه الرب يسوع الذي يمسك بزمام الحكم حينئذٍ، وسيتعامل مع الأرض كلها في ذلك اليوم، وسيكون طابع عمله - كما أُعطي لنا تمامًا في إشعياء11: 2 - بواسطة الروح القدس، في اليوم الذي يُحضره أمامنا سفر الرؤيا.  وما هو ذلك اليوم؟ إنه اليوم الذي فيه تكون الكنيسة قد أُخِذَت خارج هذا المشهد، حينما سيُؤخذ القديسون إلى بيتهم.  فضلاً عن ذلك، نراهم في صورة الشيوخ المُتَوَّجين في الأصحاحين الرابع والخامس من سفر الرؤيا.  وفي الأصحاح السادس يكشف لنا ما سيحدث على الأرض، والذي رآه كله يوحنا في مشاهد مرئية.  إن عمل روح الله في اتساع العالم كله، والمرتبط بعرش الله، هو الذي رآه الرائي كنشاط وقوة «سَبْعَة أَرْوَاحِ اللهِ».
وقبل أن أُوَضِّح هذا، أحب أن ألقي نظرة معكم على العهد الجديد، حتى يُمكنكم أن تروا أنه في أجزائه المختلفة، يُقدَّم روح الله دائمًا بحسب غرض الله الخاص في كل جزء.  وبهذا يُمكننا أن نقارنه بما يُعطيه لنا سفر الرؤيا.  كما سيتضح أمام أذهاننا بطريقة مميَّزة عمل روح الله في المسيحية، بالمقارنة بما سيكون عليه عمله في الوقت الذي يُعلنه سفر الرؤيا، والذي يتميز بتلك الكلمة التي نجدها في رؤيا 19: 10 «إِنَّ شَهَادَةَ يَسُوعَ هِيَ رُوحُ النُّبُوَّةِ».  لذا فإن “رُوحُ النُّبُوَّةِ” هو بكل وضوح الذي سيُبين ويُشير إلى ما سيكون بعد.
إن ما كنا مشغولين به في الصفحات السابقة، هو الحقيقة الرائعة أن الروح القدس قد أتى.  لكن في كل جزء من كلمة الله؛ في سفر الرؤيا كما في كل جزء آخر من هذه الكلمة، حينما يتكلَّم روح الله عن نفسه وعن خدمته، فهو يتكلَّم بطريقة مناسبة تمامًا للحق الذي يُذيعه في ذلك الجزء الخاص.
في إنجيل يوحنا يكشف الرب أولاً الحقيقة المدهشة والرائعة أن “مُعَزِّيًا آخَرَ” سيأتي، وهو “سَيَمْكُثَ إِلَى الأَبَدِ”، بينما هو كان ذاهبًا إلى السماء (يو14: 16).  وفي سفر الأعمال، نجد هذا المُعزي الآخر قد أتى.  إن عطية الروح القدس - وعد الآب، المُعزي الآخر - قد أتى وقُبِلَ.  وفي ذلك السفر نرى كيف ملأ خدام الرب، وشعب الرب.
ثم عندما نصل إلى الرسائل، أرجو منكم أن تقلبوا صفحات كتابكم المقدس، لأنكم لن تقدروا أن تتبعوني إذا لم تفعلوا ذلك، بينما أنا أسعى لكي أوضح ما هو الخط الرئيسي الذي يتبعه الروح القدس في كل رسالة.  أما التفاصيل فيمكنكم أن تدرسوها في خلواتكم اليومية.
الروح القدس في الرسالة إلى رومية
إن الأصحاحات الأولى من الرسالة إلى رومية مشغولة بإظهار كيف يستطيع الإنسان أن “يتبرر عند الله”.  ونحن لا نقرأ كلمة واحدة عن سكنى الروح القدس في المؤمن قبل أن نصل إلى الأصحاح الخامس، حيث نجد التعبير «لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» (رو5: 5).  لقد كُشِفَ الحق الخاص بخراب الإنسان التام وانحطاطه، وحالته الهالكة، والتي قابلها الله بدم المسيح، وبر الله، وأن الإنسان الآن يتبرر على أساس بر الله وعدله بالإيمان بالشخص المبارك الذي مات وقام ثانية، وبالتالي تُغفر خطاياه، وهو في سلام وحظوة أمام الله، مقامه في المسيح، ويفرح على رجاء مجد الله.  كل ذلك حقيقي بالنسبة لكل مؤمن.  فهو ليس فقط مغفور الخطايا، لكنه يُقيم في نعمة الله أو حظوته، ويفرح على رجاء مجد الله.  كل هذا مؤكد لديه ولا يوجد ارتياب أو شك فيه.  لكن يوجد أكثر من ذلك «وَالرَّجَاءُ لاَ يُخْزِي، لأَنَّ مَحَبَّةَ اللهِ قَدِ انْسَكَبَتْ فِي قُلُوبِنَا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ الْمُعْطَى لَنَا» (رو5: 5).  إن العمل الأول الذي نراه هنا للروح القدس هو أن يسكب محبة الله في قلب المؤمن.
وإذ نتقدَّم إلى الأصحاح الثامن، نجد الروح القدس كالمُميّز لحالة المسيحي، وأيضًا كمن هو ساكن فيه.  هنا نجد المؤمن في المسيح، وفي الروح، كالقوة لذلك المَقام الجديد.  كما أن روح الله يسكن فيه لأجل تعزيته وراحته، ولأجل كل ما يتعلق به في طريقه هنا على الأرض.  ونتيجة ذلك أنه يسير سعيدًا في رحلته نحو بيته الأبدي، حيث مطالب الناموس البارة قد تمت فيه بينما هو يسلك حسب الروح.
وإذ ننتقل إلى الأصحاح الخامس عشر، نجد تعبيرًا ملحوظًا وجديرًا بالاعتبار.  يقول الرسول في العدد الخامس عشر «وَلَكِنْ بِأَكْثَرِ جَسَارَةٍ كَتَبْتُ إِلَيْكُمْ جُزْئِيًّا أَيُّهَا الإِخْوَةُ، كَمُذَكِّرٍ لَكُمْ، بِسَبَبِ النِّعْمَةِ الَّتِي وُهِبَتْ لِي مِنَ اللهِ، حَتَّى أَكُونَ خَادِمًا لِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لأَجْلِ الأُمَمِ، مُبَاشِرًا لإِنْجِيلِ اللهِ كَكَاهِنٍ، لِيَكُونَ قُرْبَانُ الأُمَمِ مَقْبُولاً مُقَدَّسًا بِالرُّوحِ الْقُدُسِ» (رو15: 15، 16).  إنها عبارة جديرة بالاعتبار.  وربما تسألون: ماذا تعني؟ لعلكم تتذكرون رغيفي الترديد، المخبوزين بالخمير، واللذين ورد الحديث عنهما في الأصحاح الثالث والعشرين من سفر اللاويين، واللذين قُدِّما للرب “باكورة”.  إن الرب يسوع نفسه هو حزمة أول الحَصيد، أما الباكورة التي يأخذها معه على أساس موته وقيامته، فهم الأمم، الذين ليس له أي صلة أو علاقة أو حق لدى الله، ولكنهم إذ وصلتهم النعمة، بُوركوا، وخلصوا بواسطة الإنجيل، وقُدِّموا إلى الله كباكورة لموت الرب يسوع المسيح.
إن المؤمن الأممي هو مُقدَّم هنا أمام الله كمَن هو في حالة ومركز موافقين لعين الله وقلبه وطبيعته.  هذا كما ترون هي شهادة الروح القدس، حيث يسكن الروح شخصيًا في المؤمن، ونحن لنا الفرح الناتج عن معرفة أننا مقبولون أمام الله حيث “تقدّسنا” أي اُفرزنا لله بالروح القدس.  هذا هو الحق المُعلَّن في الرسالة إلى رومية.
(يتبع)

و. ت. ولستون

 

و. ت. ب. ولستون