أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2018
يتذكَّرُ أم ينسى؟
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«قَلْبُكَ يَتَذَكَّرُ الرُّعْبَ:

أَيْنَ الْكَاتِبُ؟

أَيْنَ الْجَابِي؟

أَيْنَ الَّذِي عَدَّ الأَبْرَاجَ؟»

(إش١٨:٣٣).

لقد باتَ الرُعبُ ماضيًا، وغدا الفرحُ باديًا، وولَّى الكتبةُ بسجلاتِهم المدوِّنةِ زورًا، وارتخت أيدي الجباةِ التي امتدَّتْ لتجمعَ الجزيةَ جورًا، وانقَلَبَ الشعبُ الشرسُ الذي عّدَّ الأبراجَ لتدميرِها، فامتلأت مدينةُ الأعيادِ - على أنها شبيههٌ بالخيمةِ في دفئها - قصورًا. وليس الفرحُ مرتبطًا بالقصرِ قسرًا، فكثيرًا ما رأينا داخِلَ القصورِ قلبًا موتورًا. فها أحشويرُشُ في جنَّةِ القصرِ، تاركًا حفلاهُ وغيظُهُ موفورًا. وها بيلشاصَّرُ بحقْوٍ مُنحَلٍّ يصرُخُ: إيتوني كذِبًا وسحورًا.

ولكنَّ الرعبَ قد مضى، لأن المدينةَ امتلأت قصورًا، والله في قصورِها يُعْرَفُ ملجأ (مز٤٨: ٣). وما دام كذلك، فإنَّ حَوْلَ المدينةِ مِن النارِ سورًا (زك٢: ٥). ومِن ربها ومن شريعتِهِ تجدُ الشعوبُ مسلكًا ونورًا (إش٢: ٣، ٥).

هذا العددُ المُدَوَّنُ أعلاه، يقعُ في نهاياتِ الأصحاحات التي تُعنْوَن بالقسمِ القضائي النبوي (ص١-٣٥)، وهو القسمُ الأوَّل مِن نبوةِ إشعياء، التي طالما شَرَحَتْ وباستفاضةٍ غضبَ اللهِ على شرِّ شعبِهِ ومخالفِتَهم لشريعتِهِ، تعودُ فتصوِّرُ لنا قلبَهُ العافي بعد غيظٍ، وبالتبعيةِ، رُطوبةَ الشعب بعد يبوسةِ القيظِ (مز٣٢: ٤)، ورداءَ تسبيحِهِ ِعوَضَ روحِ يأسٍ (إش٦١: ٣).

«قَلْبُكَ يَتَذَكَّرُ الرُّعْبَ»؟ أيتذكَّرُ الرُعبَ أم ينساهُ؟ قارئي، أُجيبُكَ دونَ تردُدٍ، المقصود: ينساهُ، وربما يعترضني سائلٌ: كيف والنصُّ يقولُ تصريحًا: “يتذكَّرُ”؟ يتذكَّرُ أنه يومًا، كان مرتعبًا ولم يعُد اليوم كذلك. فكانت عيناه ترى «الْكَاتِبُ»، الذي يحسِبُ مقدارَ جزيةِ الأجنبين، بالرغمِ مِن حقِّهم الأرضَ والميراث، بل وترى «الْجَابِي» الذي يلحق به لجمعِ الجزيةِ، ثم يأتي «الَّذِي يَعُدُّ الأَبْرَاجَ» وذلك استعدادًا لهدمها. ولكنه بعد ما يصل إلى فرجٍ بعدَ كربٍ، وإلى جبرٍ بعدَ ضربٍ، وإلى صهيونَ مدينةِ أعيادِهم بعد زجرٍ وطلاقٍ بسبيٍ وحربٍ، سيتبدَّلُ المشهدُ تمامًا ونرى عيونَهم مكتحلةً بمناظرَ لم تكن تخطر ببالهٍم: «اَلْمَلِكَ بِبَهَائِهِ تَنْظُرُ عَيْنَاكَ»، فها الملكُ ببهائِهِ منقطِع النظير. «عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أَرْضًا بَعِيدَةً». وها الميراثُ مع آفاقٍ وطموحٍ كثير «اُنْظُرْ صِهْيَوْنَ مَدِينَةَ أَعْيَادِنَا»، وها الأعيادُ تدورُ، وما التفسير؟ «عَيْنَاكَ تَرَيَانِ أُورُشَلِيمَ مَسْكِنًا مُطْمَئِنًّا». وها الطُّمأنينةُ َتعُمُّ، وكيفَ حدَثَ التغير؟ كيفَ لا وعلى ذروةِ المناظِرِ، بل وزُبَد مشاهدِها: «بَلْ هُنَاكَ الرَّبُّ الْعَزِيزُ لَنَا» (إش٣٣: ١٧-٢٤).

لَكِنْ مَتَى الْفَادِي الْعَجِيبْ

أَبْدَى الْمُحَيَّا بِابْتِسَامْ

تَصْفُو حَيَاتِي بَلْ تَطِيبْ

يَسْمُو ابْتِهَاجِي فِي الْخِتَامْ

بطرس نبيل