أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2008
يسوع وحده
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

فرفعوا أعينهم ولم يروا أحدًا إلا يسوع وحده (متى 17: 8)

هناك شيء عميق ولكنه ثمين جدًا في هاتين الكلمتين «يسوع وحده».  كان هذا هو الاختبار الخاص لبطرس ويعقوب ويوحنا على «الجبل المقدس» (2بط1: 18) والذي يُعْرَف عادةً كجبل التجلي.

كان موسى وإيليا يتحدثان مع الرب يسوع.  وبطرس كالعادة كان له ما يقوله (عدد4).  وفي الحال سُمِعَ صوت الله الآب قائلاً «هذا هو ابني الحبيب الذي به سُررت.  له اسمعوا» (عدد5).  إن موسى وإيليا رغم سموهما وشهرتهما، ينبغي أن يختفيا.  فالرب يسوع لا يحتاج لأحد ليقف معه.  فهو فريد وفائق في كفايته.  وقد أدى هذا الصوت إلى سقوط الرسل الثلاثة على وجوههم على الأرض.  فجاء يسوع ولمسهم وقال: «قوموا ولا تخافوا» (عدد7).  وحينئذٍ رأوا يسوع وحده! «فرفعوا أعينهم ...».  والآن دعونا نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل جاء وقت في حياتنا، لحظة، حينما إلى حد ما، غاب عن أعيننا الناس لكي نرى يسوع وحده؟

إني أعتقد أنه من الممكن لنا أن نصل إلى هذا في حياتنا رغم أن هناك خطوات نحتاج أن نتخذها لكي نصل إلى هناك.  كانت مريم المجدلية هناك في تكريسها.  وتوما كان هناك عندما هتف: «ربي وإلهي».  وبولس كان هناك حينما قال: «لأن لي الحياة هي المسيح، والموت هو ربح» (في1: 21).

كيف نأتي إلى هذا المستوى العظيم من البركة في حياتنا؟ هناك بعض الخطوات التي ربما تساعدنا أن نصل هناك، هي كما يلي:

الخطوة الأولى: عند ركبتي يسوع (لوقا5: 8).
الخطوة الثانية: عند قدمي يسوع (لوقا10: 39).
الخطوة الثالثة: في حضن يسوع (يوحنا13: 23).
الخطوة الرابعة: عند صليب يسوع (يوحنا19: 25).
عند ركبتي يسوع: اقرأ من فضلك (لوقا5: 1- 11).

طلب الرب من بطرس أن يبعد إلى العُمق.  وبعد تردد قليل، فعل بطرس هذا، وأمسكت الشبكة سمكًا كثيرًا جدًا.  هل ظن بطرس أن الرب الذي كان نجارًا في حرفته، ليس له خبرة بالبحر والسمك؟ ما أقل إدراكه أن سيد المحيط والأرض والسماء كان في سفينته ذلك اليوم.  كان بطرس مزمعًا أن يتعلم أن الشخص الذي على ظهر سفينته، ليس فقط عرف ويستطيع أن يسبر عمق البحر، لكن أيضًا يستطيع أن يكشف أعماق قلب الإنسان.

كان الرب يتعامل مع بطرس وليس فقط السمك! وحينما رأى بطرس هذا الصيد العظيم، ذُهِلَ.  وماذا قال؟ ”دعونا نذهب إلى السوق ونحصل على ثمن مُجزٍ للسمك.  حيث ستُسر زوجتي بهذا.  ربما ثوب جديد، أو أي شيء للبيت“.  كلا! لقد خرَّ عند ركبتي يسوع وقال: «اخرج من سفينتي يا رب، لأني رجلٌ خاطئ»!

مهما كان ما يعنيه، دعونا نلاحظ أن هذا ليس توبة أو تغيير بطرس.  إن تلك الحادثة السعيدة حدثت في وقت سابق (انظر يوحنا1).  هذا ما يمكن أن نسميه اقتناعه، ليس فقط أنه كان خاطئًا، لكن رجلٌ خاطئ.  كان على بطرس أن يتعلم أنه يوجد فيه طبيعة خاطئة ”الجسد“ أو ”الإنسان العتيق“ كما تُخبرنا فصول أخرى في الكتاب المقدس.  حتى هذه اللحظة، يبدو أن بطرس لم يكن قد أدرك تمامًا مَن كان يسوع بالحقيقة، كما أنه لم يكن قد تحقق ماذا كان هو بطرس في ذاته.  وقد سمح الرب بكل هذا لكي يحدث في رحلة الصيد تلك، لكي يحضر بطرس إلى هذا الحق الضروري.

وهنا نجد أن الرب يسوع لم يَقُل ”آسف يا بطرس، عليَّ أن أشطب عليك بسبب هذا“ كلا! لقد قال «لا تخف، من الآن تكون تصطاد الناس».  ليتنا نطبِّق الحق على أنفسنا.  هل قد وصلنا إلى هذا الإدراك في حياتنا المسيحية، أنه توجد خطية ساكنة فينا؟ هذه الخطية تريد أن تمنعنا من الوصول إلى «يسوع وحده» في اختبارنا.  إن الذات تحب أن تكون على عرش قلبنا.  لذا نحتاج كلنا إلى المكان الذي كان فيه بطرس ذلك اليوم، وحيث كان أيوب أيضًا (أيوب40: 4؛ 42: 6).  والذي وصل إليه إشعياء (إش6: 5).  والذي وصل إليه بولس (رومية7: 18).

إذا عقدنا النية على أن يكون يسوع وحده هو الأعظم في حياتنا، حينئذٍ سنحتاج إلى أن نتخذ هذه الخطوة ونلقي أنفسنا عند ركبتي يسوع.  هناك دروس يمكن أن نستخرجها من كلمات الرب «ابعُد إلى العمق» عن أهمية العمق في التبشير، أو الدخول إلى العمق في الاختبار المسيحي.  لكن إذا لم نكن قد وصلنا إلى حيث وصل بطرس ذلك اليوم، فإن ابتعادنا إلى العمق سيكون الوسيلة التي يستخدمها الله لكي يحفزنا إلى ذلك المكان.

عند قدمي يسوع: اقرأ لوقا10: 38- 42
ربما نفكر أن رد فعل بطرس نحو سيده كان إلى حد ما سلبيًا.  لكن هنا على العكس نجد رد الفعل الإيجابي والعجيب لمريم.  إنها بلا شك قد وصلت إلى «يسوع وحده» في حياتها (انظر يوحنا12؛ مت26).  لقد أحبته، وكان هو الكل في الكل بالنسبة لها.  وهنا في لوقا10 ندخل إلى سر تكريسها، لقد قضت وقتًا عند قدمي يسوع وهي تصغي إلى كلامه.  كانت هناك بالتأكيد أعمال تُعْمَل من جهة البيت، فراش يُعَدْ، وطعام يُجهز .. إلخ، إلا أن الوقت الذي قُضيَ مع يسوع كان له الأولوية بالنسبة لمريم.  لذلك ليس من العجيب أن الرب دافع عنها قائلاً: «اختارت مريم النصيب الصالح الذي لن يُنزع منها» (عدد42).
لقد اختارت مريم النصيب الصالح.  دعونا نفحص قلوبنا؛ هل اخترنا أن نقضي بعض الوقت طال أم قصر مع الرب وكلمته كل يوم؟ ربما هناك شيء يُترَك دون أن يُعمل لكي ننفذ هذا الاختيار.  ربما علينا أن نستيقظ مبكرًا ليكون لنا هذا الوقت الخاص.

نحن نختلف في أمور كثيرة، لكن كلنا لدينا أربع وعشرون ساعة في اليوم.  هل تُشغَل كلها بأمورنا الشخصية، مسراتي الخاصة؟ هل لا يوجد وقت ليسوع، وقت لنتعلم منه، وقت لكي نزداد معرفةً له؟

شيء واحد مؤكد.  إذا كنا نريد أن نصل إلى «يسوع وحده» فيجب أن نصرف وقتًا مثل مريم عند قدمي يسوع.  ربما يعني هذا التضحية بأمورنا الخاصة، لكن هل نستطيع حقًا أن نتكلم عن تضحية من جانبنا في ضوء الصليب، حيث أعطى ربنا يسوع كل ما له لكي يخلِّصنا ولكي نكون له؟

وبينما كان الرب لطيفًا مع مرثا، إلا أن هناك لومًا رقيقًا في كلماته لها (عدد41).  كانت مرثا مرتبكة في خدمة كثيرة.  هل نحن ننشغل عن قضاء وقت عند قدمي يسوع بواجبات الحياة اليومية؟ ربما نكون مشغولين حتى في خدمة مسيحية تلهينا عن الجزء الجوهري لتلك الخدمة ـ قضاء بعض الوقت عند قدمي يسوع مُصغين إلى كلامه.  كيف نستطيع أن نخدم الآخرين بطريقة نافعة إذا لم نكن أولاً نستقبل كلمة الرب؟

في حضن يسوع: اقرأ يوحنا13
لا شك أنه قد كُتب الكثير عن المغسَل والاغتسال أكثر من الحضن في هذا الأصحاح.  ربما هذا بسبب أننا نعرف القليل عن الوجود بهذا القُرب من يسوع، إلى محبته، لكي نشعر بدفئها وقوتها، مما يجعلنا لا نقدر أن نتكلم كثيرًا عنها.  إلا أن ذلك الحضن هو لنا جميعًا! وقد جعله يوحنا مكانه، وبهذا استطاع أن يتحدث عن نفسه كالتلميذ الذي كان يسوع يحبه.  لقد استند على محبة لا يمكن أن تضعف أبدًا، حتى في ساعات الجلجثة المُظلمة، كان ذلك الحب ثابتًا.

هنا إذًا، في طريقنا الصاعد إلى «يسوع وحده» علينا أن نتوقف لحظة ونختبر قلوبنا.  هل نريد أن نكون فقط مُلمين بحقائق كتابية عن المغسَل والاغتسال، أو أن نكون أيضًا قريبين من حضن يسوع عارفين دفء وقوة ذلك الحب؟

عند صليب يسوع:
«وكانت واقفات عند صليب يسوع، أمه ... والتلميذ الذي كان يحبه واقفًا» (يوحنا19: 25، 26).  إن يوحنا يُعتبر رمزًا لأولئك القلائل المكرسين الذين وقفوا عند صليب يسوع.

نقرأ في هذا الإنجيل عن آخرين وقفوا، لكن في ظروف مختلفة تمامًا «وكان يهوذا مُسلِّمه أيضًا واقفًا معهم» (يو18: 5).  إن الخائن الذي سلَّم الرب، الذي باعه بثلاثين من الفضة، وقف برفقة أولئك الذين كانوا مزمعين أن يأخذوا يسوع! ومن المؤكد أنه ولا واحد من الذين يقرأون هذه الكلمات يُشبه يهوذا.

«أضرموا جمرًا ... وكان بطرس واقفًا معهم يصطلي (يدفئ نفسه)» (يو18: 18).  وهنا نرى بطرس الواثق في نفسه، تلميذًا حقيقيًا وليس مثل يهوذا الخائن، لكنه وقف يدفئ نفسه مع أولئك الذين كانوا يضربون الرب، ولا يقول شيئًا.  والحقيقة أنه بعد قليل، أنكر ربه. 

دعونا نسأل أنفسنا إذا كنا نظير بطرس ندفئ أنفسنا بنار هذا العالم؟ هل نسعى أن نكون موضع قبول وترحيب من رجال ونساء العالم الذين رفضوا المسيح؟ إذا كنا نحتفظ بهذا النوع من الرفقة، فإن هذا سيقودنا بالمثل إلى إنكار الرب يسوع.
وقف يوحنا عند الصليب! لا شك أنه في البداية قد هرب مثل الباقين.  لكنه عاد مرة أخرى.  وهناك، بجانب النساء وقف.  والكتاب المقدس لا يسجل أي كلمات نطق بها في هذا الوقت.  مع ذلك، بينما هو واقف هناك ونظر إلى سيده، أعتقد أن قلبه قال: ”سيدي، إنني إلى جانبك، مهما كلفني ذلك“.  وقد رأى يوحنا ما قد فعله العالم ليسوع، فقال للعالم ”وداعًا“.

إن الجنود والكهنة والرؤساء الواقفين هناك كان من الممكن أن يقولوا ليوحنا ”إن مكانك الأقرب هو على الصليب“.  لقد حسب يوحنا الكُلفة وكان مستعدًا لها.  وفيما بعد، كان سيقاسي النفي في بطمس.  إذًا بالنسبة لنا نرى هنا تحدي الصليب.

في إنجيل يوحنا، نقرأ عن ضرورة الصليب (يوحنا3: 14)، وعن ما يُظهره الصليب مُعلنًا مَنْ هو يسوع (يو8: 28)، وعن جاذبية الصليب (يو12: 32) وعن تحدي الصليب.  هل نحن نقف عند ذلك الصليب اليوم؟ هذا ليس مجرد الوقوف عند حقائق الصليب: الفداء، المصالحة .. إلخ.  لكن أن يكون في قلوبنا شعور حقيقي بما فعله العالم لربنا يسوع.

إن يوحنا يؤكد ما قد شعر به في ذلك اليوم، عندما كتب «لا تحبوا العالم ...» (1يو2: 15، 16).  وبولس يشترك معه عندما قال: «وأما من جهتي، فحاشا لي أن أفتخر إلا بصليب ربنا يسوع المسيح، الذي به قد صُلب العالم لي وأنا للعالم» (غلا6: 14).  ويضيف يعقوب شهادته «أما تعلمون أن محبة العالم عداوة لله؟ فمَن أراد أن يكون مُحبًا للعالم، فقد صار عدوًا لله» (يع4: 4).  ويا لها من كلمات خارقة وفاحصة! إذا كنا نصمم على المضي في الطريق الصاعد إلى «يسوع وحده» نحتاج إلى الحق الخاص بالصليب فيما يتعلق بهذا العالم الشرير، لكي يوجد تأثيرًا أدبيًا حقيقيًا في حياتنا.

هل نحن مستعدون أن نوجد عند ركبتي يسوع، وعند قدمي يسوع، وفي حضن يسوع، وعند صليب يسوع، وبهذا نصل إلى «يسوع وحده»؟؟

جون فليت