أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
سفر نحميا يُقدِّم لنا تاريخ خادم عظيم، كما يشرح لنا خدمته التي قَبِلها من الرب، والتي قام بها خير قيام. أمَّا الخدمة فهي بناء سور أورشليم، السور الذي يُعبِّر عن الانفصال والقداسة، ويلزم للحفظ والحراسة. ولم يكن ذلك بالأمر السهل، فالعدو لا يُسره انفصال شعب الله. فقام المستهزئون وحُبكت المؤامرات، وتوالت المخاطر وثارت المقاومات، لكنها كلها تكسَّرت كالأمواج على صخرة عزيمة نحميا التي لا تلين، وتصميمه الذي لا يعرف التراجع. وأمَّا الخادم نحميا فإنه لم يكن من النسل الملكي كزربابل، ولا من العائلة الكهنوتية كعزرا. ثم إنَّ الله لم يُزوِّده بموهبة النبوة ويرسله إلى الشعب، كما فعل مع حجي وزكريا. بمعنى أنه لم يكن تحت أي التزام من أي نوع ليفعل ما فعل، بل كانت خدمته من منطلق غيرة مقدسة لرجل عادي من الشعب جاء «يَطْلُبُ خَيْرًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ» (نح٢: ١٠). ولم يكن نحميا رجلاً مغمورًا يبحث له عن دور، فلقد كان في منصب عظيم باعتباره “ساقي الملك”. لكن الرب وأموره وشعبه كانوا في نظره أعظم من رفاهية القصر في شوشن. وإن المرء لا يملك إلاَّ أن يُعجب بذلك الرجل الذي ضحَّى براحة باله ورفاهيته الشخصية، لأجل مجد الرب وبركة الشعب!! ولقد تميَّز نحميا بمحبة مُلتهبة وإيمان عظيم، بقلب موحد ونفس مكرَّسة، بمعرفة بالمكتوب وتَفَهُّم للخدمة، بتواضع جم وإنكار للذات، بانفصال عن الشر وبُغض له. وفوق هذا كله، كان بحق رجل الجهاد. جاهد أمام الله «فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاَةِ» (في٤: ٤)، ثم الجهاد الحسن في أداء المهمة، بالتخطيط الحكيم والعمل الدائب والنظرة الثاقبة واليقظة المستمرة. ويُقدِّم لنا سفر نحميا آخر تاريخ شعب الله في الأرض قبل مجيء المسيح إليهم، وهو من هذه الزاوية نافع جدًّا لنا نحن الذين وقعت قرعتنا في آخر تاريخ المسيحية قبل مجيء المسيح إلينا. وهو سفر عملي في المقام الأول. فمفتاح السفر هو قول نحميا: «أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيمًا» (نح ٦: ٣). فنحميا لم يكن رجل أقوال عظيمة، بل أفعال عظيمة. ولقد انشغل الأخ الحبيب / عاطف إبراهيم، لا بدراسة السفر دراسة أكاديمية متكاملة، بل إنه قدم لنا في أسلوب سهل مبسط باقة من التأملات العملية النافعة لشعب الله، والتي نرجو أن يستخدمها الله بركة للقديسين فيجدوا في هذا البطل ـ نحميا ـ المثال والقدوة، ويأخذوا من سفره الدرس والعِبرة. آمين. وهو في 152 صفحة وسعره 15 جنيهًا الكتاب متوفر في مكتبة الإخوة نشجعك على اقتنائه وقراءته.
 
 
عدد يناير السنة 2021
وصية الرسول بولس لتِيمُوثَاوُس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا،
وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ» 
(١تي٦: ١١)

الوصايا المُعطاة لتِيمُوثَاوُس

الوصية هنا ليست إدعاءً ما، أو إتهامًا، أو لومًا، بل إلزامًا كما لو أن ضابطًا عسكريًا كبيرًا أعطى أمرًا لجندي، بحراسة شخص أو شيء أو مكان ما، سيكون عليه التزام بحراسته ولو كلَّفه ذلك حياته. وهناك العديد من الوصايا الأخرى أعطاها الرسول بولس لتِيمُوثَاوُس، وفي بعض الحالات كلَّفه بها، حتى يتمكن من تكليف آخرين أيضًا. سأذكر بعضًا منها:

«كَمَا طَلَبْتُ إِلَيْكَ أَنْ تَمْكُثَ فِي أَفَسُسَ، إِذْ كُنْتُ أَنَا ذَاهِبًا إِلَى مَكِدُونِيَّةَ، لِكَيْ تُوصِيَ قَوْمًا أَنْ لاَ يُعَلِّمُوا تَعْلِيمًا آخَرَ» (١تي١: ٣).

«هذِهِ الْوَصِيَّةُ أَيُّهَا الابْنُ تِيمُوثَاوُسُ أَسْتَوْدِعُكَ إِيَّاهَا حَسَبَ النُّبُوَّاتِ الَّتِي سَبَقَتْ عَلَيْكَ، لِكَيْ تُحَارِبَ فِيهَا الْمُحَارَبَةَ الْحَسَنَةَ» (١تي١: ١٨).

«فَأَوْصِ بِهذَا لِكَيْ يَكُنَّ بِلاَ لَوْمٍ» (١تي٥: ٧).

«أُنَاشِدُكَ (أُوصِيكَ) أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ وَالْمَلاَئِكَةِ الْمُخْتَارِينَ، أَنْ تَحْفَظَ هذَا بِدُونِ غَرَضٍ، وَلاَ تَعْمَلَ شَيْئًا بِمُحَابَاةٍ» (١تي٥: ٢١).

«أُوصِيكَ أَمَامَ اللهِ الَّذِي يُحْيِي الْكُلَّ، وَالْمَسِيحِ يَسُوعَ الَّذِي شَهِدَ لَدَى بِيلاَطُسَ الْبُنْطِيِّ بِالاعْتِرَافِ الْحَسَنِ» (١تي٦: ١٣).

«أَوْصِ الأَغْنِيَاءَ فِي الدَّهْرِ الْحَاضِرِ أَنْ لاَ يَسْتَكْبِرُوا، وَلاَ يُلْقُوا رَجَاءَهُمْ عَلَى غَيْرِ يَقِينِيَّةِ الْغِنَى، بَلْ عَلَى اللهِ الْحَيِّ الَّذِي يَمْنَحُنَا كُلَّ شَيْءٍ بِغِنًى لِلتَّمَتُّعِ» (١تي٦: ١٧)

«أَنَا أُنَاشِدُكَ (أُوصِيكَ) إِذًا أَمَامَ اللهِ وَالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الْعَتِيدِ أَنْ يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ. اكْرِزْ بِالْكَلِمَةِ» (٢تي٤: ١، ٢).

رجال الله

الوصية التي وردت في ١ تيموثاوس٦: ١١ أعطيت للرجل الوحيد في العهد الجديد الذي أطلق عليه “إِنْسَانَ اللهِ”. وهناك سبعة رجال في الكتاب المقدس، أُطلق عليهم رجال الله. تميَّز كل واحد منهم بسمة - أو أكثر – من الأمور الستة المذكورة في آيتنا «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ» (١تي٦: ١١)، على الرغم من وجود سمات جيدة أخرى في حياتهم. يجدر بنا أن نُذَكِّر أنفسنا أن رجل الله يأتي على الساحة حين يكون هناك تحدٍ ما لحقوق الله وجلاله، في أوقات الانحراف أو السقوط.

ولنتأمل في رجال الله هؤلاء والسمة المسيحية أو الفضيلة التي ظهرت بوضوح في كل منهم:

(١) مُوسَى: «وَهذِهِ هِيَ الْبَرَكَةُ الَّتِي بَارَكَ بِهَا مُوسَى، رَجُلُ اللهِ، بَنِي إِسْرَائِيلَ قَبْلَ مَوْتِهِ» (تث٣٣: ١). إحدى ملامح المسيح التي ظهرت بكل لمعان في موسى كانت الوَدَاعَة، وَدَاعَة يسوع المسيح.

(٢) صَمُوئِيل: «فَقَالَ لَهُ: هُوَذَا رَجُلُ اللهِ فِي هذِهِ الْمَدِينَةِ، وَالرَّجُلُ مُكَرَّمٌ، كُلُّ مَا يَقُولُهُ يَصِيرُ. لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى هُنَاكَ لَعَلَّهُ يُخْبِرُنَا عَنْ طَرِيقِنَا الَّتِي نَسْلُكُ فِيهَا» (١صم٩: ٦). كان صَمُوئِيل معروفًا بأنه رجل الله الموَّقر والمُكرَم، مُظهرًا كرامة المسيح.

(٣) شِمَعْيَا: «وَكَانَ كَلاَمُ اللهِ إِلَى شِمَعْيَا رَجُلِ اللهِ قَائِلاً: كَلِّمْ رَحُبْعَامَ بْنَ سُلَيْمَانَ مَلِكِ يَهُوذَا وَكُلَّ بَيْتِ يَهُوذَا وَبَنْيَامِينَ وَبَقِيَّةِ الشَّعْبِ قَائِلاً: هكَذَا قَالَ الرَّبُّ: لاَ تَصْعَدُوا وَلاَ تُحَارِبُوا إِخْوَتَكُمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. ارْجِعُوا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى بَيْتِهِ، لأَنَّ مِنْ عِنْدِي هذَا الأَمْرَ. فَسَمِعُوا لِكَلاَمِ الرَّبِّ وَرَجَعُوا لِيَنْطَلِقُوا حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ» (١مل١٢: ٢٢-٢٤). من الواضح أن شِمَعْيَا رجل الله، كان رجل سلام، مُظهرًا سلام يسوع المسيح.

(٤) إِيلِيا: «ثُمَّ عَادَ فَأَرْسَلَ رَئِيسَ خَمْسِينَ ثَالِثًا وَالْخَمْسِينَ الَّذِينَ لَهُ. فَصَعِدَ رَئِيسُ الْخَمْسِينَ الثَّالِثُّ وَجَاءَ وَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ أمَامَ إِيلِيَّا، وَتَضَرَّعَ إِلَيْهِ وَقَالَ لَهُ: يَا رَجُلَ اللهِ، لِتُكْرَمْ نَفْسِي وَأَنْفُسُ عَبِيدِكَ هؤُلاَءِ الْخَمْسِينَ فِي عَيْنَيْكَ» (٢مل١: ١٣). ولقد أظهر إِيلِيا بر الله وعدله.

(٥) أَلِيشَعُ: «فَقَالَتْ لِرَجُلِهَا: قَدْ عَلِمْتُ أَنَّهُ رَجُلَ اللهِ، مُقَدَّسٌ الَّذِي يَمُرُّ عَلَيْنَا دَائِمًا» (٢مل٤: ٩). أليشع كرجل الله قدَّم نعمة المسيح وقداسته.

(٦) دَاوُد: «وَأَوْقَفَ حَسَبَ قَضَاءِ دَاوُدَ أَبِيهِ فِرَقَ الْكَهَنَةِ عَلَى خِدْمَتِهِمْ وَاللاَّوِيِّينَ عَلَى حِرَاسَاتِهِمْ، لِلتَّسْبِيحِ وَالْخِدْمَةِ أَمَامَ الْكَهَنَةِ، عَمَلِ كُلِّ يَوْمٍ بِيَوْمِهِ، وَالْبَوَّابِينَ حَسَبَ فِرَقِهِمْ عَلَى كُلِّ بَابٍ. لأَنَّهُ هكَذَا هِيَ وَصِيَّةُ دَاوُدَ رَجُلِ اللهِ» (٢أخ٨: ١٤). داود كرجل الله أظهر محبة الله وغفرانه.

(٧) تِيمُوثَاوُسُ: «وَأَمَّا أَنْتَ يَا إِنْسَانَ اللهِ فَاهْرُبْ مِنْ هذَا، وَاتْبَعِ الْبِرَّ وَالتَّقْوَى وَالإِيمَانَ وَالْمَحَبَّةَ وَالصَّبْرَ وَالْوَدَاعَةَ» (١تي٦: ١١). «كُلُّ الْكِتَابِ هُوَ مُوحًى بِهِ مِنَ اللهِ، وَنَافِعٌ لِلتَّعْلِيمِ وَالتَّوْبِيخِ، لِلتَّقْوِيمِ وَالتَّأْدِيبِ الَّذِي فِي الْبِرِّ، لِكَيْ يَكُونَ إِنْسَانُ اللهِ كَامِلاً، مُتَأَهِّبًا لِكُلِّ عَمَل صَالِحٍ» (٢تي٣: ١٦، ١٧). تِيمُوثَاوُسُ كرجل الله شهد عن أمانة المسيح.

التشبّه برجال الله

بعدما تصالحنا مع الله بالإيمان، وعلى أساس دم يسوع المسيح، ينبغي أن نتبع ونحيا حياة الْبِرِّ لمجده. ثم التَّقْوَى عاملين على استحضار الله في كل ما نقول أو نعمل. ويجب أن تتملك علينا إرادة الله ونطلبها ونسعى لإكرامه ومجده. ثالثًا الإِيمَان الذي به نرضي الله ونحيا له. ثم تأتي الْمَحَبَّة بعد الإيمان. الْمَحَبَّةُ هي نعمة ورحمة وشفقة المسيح العملية. ثم الصَّبْرَ وطُولِ الأَنَاةِ أي صبر واحتمال المسيح، حتى في الآلام، وكل أنواع الضيقات. أخيرًا الْوَدَاعَةَ أي لطف ورقة المسيح العملية. فككل رجال الله ينبغي أن نمتلئ بالمسيح ونظهره في حياتنا.

هذه الأمور الرائعة هي تعبير عن الحياة الأبدية، التي هي نصيب من يؤمن بابن الله. إنها الحياة الفُضلى لنا، كما يقول الرسول يوحنا. ومع ذلك فنحن نُحرَض على أن نتمسك بها، لأنها حياة الاتكال، المسيح هو مصدرها وغرضها. نتمسك بها، ونحن متمسكين به بالإيمان، وبكل الأمور التي تجد مركزها فيه. يتمسك رجال العالم بالثروات الأرضية أو بأكبر قدر منها يمكنهم الحصول عليه بقبضاتهم، ولكننا مدعوون للحياة أبدية، وعلينا أن نتمسك بتلك الحياة بالسعي وراء تلك الأمور التي تتكون منها من الناحية العملية».


ميلتون جاميسون