أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2019
اسم الله في سفر ملاخي
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

تحدثنا فيما سبق عن الآية ملاخي ١: ١١ «لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ». والإشارات الأخرى إلى اسم الله في سفر ملاخي من شأنها أن تنتج توقيرًا واحترامًا لهذا الاسم. ومن جهتنا، فإن هذه المعرفة بتفوقه وسموه، توَّلد فينا طاعة وتمجيدًا واقتناعًا، بوجوب اتباعه. وستشكل هذه الأمور نسيج حياتنا اليومية. ليس لسبب الخوف، كما هو الحال في عبادة الأوثان الموسومة بالفجور، ولكن من منطلق التوقير لله، والفهم لعظمته ومجده. هذا معنى توقير الله؛ إن الله عظيم، وهناك شيء مطلوب مني عندما أقترب إليه: أن أمتنع عن اللامبالاة، وأن ينتفي البرود وعدم الاكتراث، وكأني أُعامل الله على أننا سواسية، وأنه مثله مثلي. ينبغي – في اقترابي إلى الله – أن يملأني الإحساس بعظمته وسمو مجده، حتى ينحني قلبي وروحي في إعجاب وخشوع في محضره.

لقد قيل إن بريطانيا أمة تخشى الله، ولكن لم يعد الحال هكذا الآن! لقد استبعدوا الله وأقصوه من تفكيرهم. هناك لاهوتيون عميان يدَّعون أن “الله مات”! وآخرون يطرحون وراء ظهورهم كل مبدأ أعطاه الله – في نعمته – لحكم تصرفات البشر، في شتى نواحي الحياة. ولم يعد ممكنًا الآن أن يُقال إن بريطانيا أمة تخاف الله. ولكن يتحتم عليها أن تكون بين أولئك الذين ينتمون إليه، تبارك اسمه. أولئك الذين يردون كل بركة صارت لهم، في الزمان وفي الأبدية، إلى رحمة الله وصلاحه. فمخافة الله ينبغي أن تكون سمة مَن ينتمون إليه.

«إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَسْمَعُونَ وَلاَ تَجْعَلُونَ فِي الْقَلْبِ لِتُعْطُوا مَجْدًا لاِسْمِي، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. فَإِنِّي أُرْسِلُ عَلَيْكُمُ اللَّعْنَ، وَأَلْعَنُ بَرَكَاتِكُمْ، بَلْ قَدْ لَعَنْتُهَا، لأَنَّكُمْ لَسْتُمْ جَاعِلِينَ فِي الْقَلْبِ» (ملا ٢: ٢). لنا هنا لمسة عملية: مجد الإنسان يُحيط بنا. والإنسان يفتخر بإنجازاته، وبكبرياء قلبه، ولسان حاله أنه سَيِّد مصيره، وأنه قادر على إدارة كل تعقيدات حياته، وأنه قادر أن يُتمّم كل مشيئته ورغباته، وأنه مُمسِك بزمام الأمور في أمان. هذا هو الإنسان اليوم، مثله مثل “نَبُوخَذْنَصَّرُ” الذي تطلع حوله إلى بابل، وقال: «أَلَيْسَتْ هَذِهِ بَابِلَ الْعَظِيمَةَ الَّتِي بَنَيْتُهَا لِبَيْتِ الْمُلْكِ بِقُوَّةِ اقْتِدَارِي، وَلِجَلاَلِ مَجْدِي؟» (دا ٤: ٣٠). وفي عنفوان افتخاره بإنجازه، بدا كأنه سَيِّد الكل. أما الذين يعرفون الله، فينسبون المجد لله وحده. وفي اتضاع، في محضره، يُفكرون في اسمه، ويطرحون جانبًا كل مشيئات البشر ورغباته، مُعطين المجد لله وحده.

لقد قيل عن إبراهيم إنه «تَقَوَّى بِالإِيمَانِ مُعْطِيًا مَجْدًا لِلَّهِ» (رو ٤: ٢٠). لقد عرف شيئًا عن مجد هذا العالم؛ فأور الكلدانيين كانت مكانًا رائعًا في وقت إبراهيم. كانت كل إنجازات البشر الفاخرة تُحيط به. ولكن إبراهيم تحوَّل عنها، مُعطيًا مجدًا لله، لأن نور عالم آخر أشرق في نفسه. كان أمامه إله آخر، ليس كآلهة الكلدانيين؛ الإله الوحيد الحقيقي، إله المجد. وإذ رأى لمحة من لدن إله المجد، تجاوب معها، مُعطيًا المجد لاسمه. ولعل هذا يُفسر لماذا يُعطي المسيحي المجد لله ... المجد لاسم الله. فهو يرى في الله الإجابة الكاملة لكل حياته. إنه يرى كيف أنعم الله عليه بعمل الفداء، وكيف أسبغ عليه بركاته، وكيف سار به عبر درب الحياة، بكل صعوباتها وتجاربها. كما يرى لمحة مما أعده الله للأبدية العتيدة. يا له من إله رائع! ومن ثم يُدير المسيحي ظهره إلى مجد الإنسان، مُعطيًا المجد لاسم الله وحده. دعونا نحرص على ذلك بينما نحن نقترب إلى محضر الله، وعندما نجثو أمامه. وثقتي أننا بالفعل كذلك. آهـ ... ليتنا نحني ركبنا في محضر الله، أكثر مما ننشغل في خضم مشاغل الحياة، مُعترفين بجلاله وسموه، مُتكلّمين إليه بخصوص أموره ومجده، قبل أن نتكلَّم عن احتياجاتنا. فنحن كثيرًا ما نميل إلى الانشغال بأمورنا طوال الوقت، سائلين الله معونته بخصوص مخاوفنا وصعوباتنا.

في الشهور الأخيرة حاولت أن أتكلَّم إلى الله بشأن أموره ومجده، وأثمر ذلك بركة لنفسي، وأدخل السلام إلى قلبي، وأنتج عمقًا في صلواتي. هذا عادة ما يحدث عندما نتفكر في الله وأموره.

وإني لموقن أن جواب الرب على سؤال تلاميذه: «يَا رَبُّ، عَلِّمْنَا أَنْ نُصَلِّيَ»، والذي كان «مَتَى صَلَّيْتُمْ فَقُولُوا: أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ ...» (لو ١١: ١، ٢)، أقول إني موقن أنه لم يكن يقصد أن تؤخذ باعتبارها صلاة تُردد مع كل خدمة بين المسيحيين، ولكن كان قصده أن تُعتبَر هذه الصلاة نموذجًا للصلاة المسيحية. كما تدعونا إلى التفكر في الله أولاً قبل أن نفتكر في أمورنا: «أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ، لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ، لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ عَلَى الأَرْضِ». فالجزء الأول من الصلاة معني كله بالله؛ مشغول بشئونه - تبارك اسمه – قبل أن نهتم بأمور أخرى. وإذا زرعنا مثل هذا الانشغال بأمور الله في صلواتنا الخاصة قبل أمورنا، فإننا ولا ريب سنحصد معرفة أكثر بمجده ومجد اسمه، وقلوبنا ستمتلئ من عظمته وبهائه.

«كَانَ عَهْدِي مَعَهُ لِلْحَيَاةِ وَالسَّلاَمِ، وَأَعْطَيْتُهُ إِيَّاهُمَا لِلتَّقْوَى. فَاتَّقَانِي، وَمِنِ اسْمِي ارْتَاعَ هُوَ» (ملا ٢: ٥). إذا احتضنا مثل هذا الإحساس في نفوسنا: أن الله سام فوق كل شيء، وكانت كلمته تملأ قلوبنا، مثلنا مثل كل المتمتعين بالشركة معه، حينئذٍ سنسلك بارتعاد من اسمه. ليس خوف مَن يخشى العقاب، أو لأن الله جبار منتقم، بل هو ارتعاب ناشئ عن مخافته، نتيجة معرفة النفس بقداسته وبره وحقه. فالله لا ينزل بمقياسه ليوافق ظروفنا. إنه يتعاطف معنا ويُقدِّر ظروفنا، ولكنه أبدًا لا يُضحي بمبادئه فقط لتناسبنا. فهو يظل الله، إله البر والحق والقداسة. وكل ما علينا هو أن ننحني أمام مقاييسه. لقد كان هناك «مَنِ ارْتَعَدَ مِنْ كَلاَمِ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ» (عز ٩: ٤). فإذا تكلَّم الله، فعلينا أن نُطيعه. هؤلاء ارتعدوا أمام جلال وعظمة هذا الإله.

إننا إذا حدنا عن كلمة الله، فسنحصد النتائج (غل ٦: ٧). ليس أن الله إله قاس، يترصدنا بالعقاب، بل إننا نحصد نتائج الخروج خارج مشيئة الله. يوجد هنا مَن يوصفون بأنهم يتبعون الله، ولا يكسرون عهده، ولا يُخالفون فكره، ولكن يسعون لأن يعملوا مشيئته، كما يرتعدون أمام جلاله، ويخافون عظمته إذ أعلن ذاته لهم. ويا له من أمر رائع أن نُطيع هذا الإله! كل مقاصد الله من جهتنا هي البركة. هذا ما يملأ قلبه نحونا. إنه يريد أن يُباركنا «هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ وَجَرِّبُونِي بِهَذَا، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوى السَّمَاوَاتِ، وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ» (ملا ٣: ١٠).

كلنا قد اختبرنا ماذا يكون الحال عندما نعصي الله. هل كنا في وضع طيب؟ هل جلب العصيان الفرح لنا؟ هل أثمر بركة في حياتنا؟ الإجابة: لا. فالعصيان دائمًا ينتج ألمًا، ويؤدي إلى البعد عن الله، ويقود إلى الحزن والتعاسة. والعصيان بدأ في جنة عدن، وسيستمر إلى يوم إنسان الخطية، حين يبلغ ذروته. إن كل إنسان يوصم بالعصيان ينتهي به الحال إلى الوجع والدموع والتعاسة، بينما سبيل الطاعة هو سبيل النماء الروحي والحياة والسلام والفرح والتشجيع.

أحيانًا قد نندهش ونتساءل: كيف يمكن أن نخرج من الصعوبات والضيقات؟ أو كيف يمكن أن نرتب حياتنا لتكون أكثر فاعلية وتأثيرًا؟ ونطرق أبواب شتى أنواع الأفكار عن كيف يمكن تحقيق ذلك؟ هل نغيّر بيئتنا؟ هل نبحث عن اجتماعات أكبر؟ هل نجتهد أكثر في دراسة كلمة الله؟ كثير من الأفكار تخطر ببالنا. وكلنا ارتدنا هذا الطريق من قبل. ولكن حينئذٍ عدنا إلى سبيل الطاعة، سبيل البركة، سبيل الازدهار والنجاح الروحي، ليكون لنا توقير الله، وارتعاد من كلمته، وانحصار في مشيئته.

(يتبع)


(تابع ما قبله)

«لأَنِّي أَنَا مَلِكٌ عَظِيمٌ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ، وَاسْمِي مَهِيبٌ بَيْنَ الأُمَمِ» (ملا١: ١٤)

فرانك ولاس