أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2024
دروس من هُوشَع وجُومَر
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الحب الذي لا يفتر! (هو١-٣)

بالنظر إلى قائمة الملوك المذكورة في هوشع ١: ١، يُمكننا أن نصل إلى استنتاج مؤداه أن هوشع خدم كنبي خدمة دؤوبة، لفترة لا تقل عن ٣٠ سنة، ما بين عامي ٧٨٥-٧٥٠ ق. م. في تلك الآونة، كانت أُمَّة إسرائيل منقسمة إلى مملكتين: يهوذا في الجنوب، وإسرائيل في الشمال. وضلت كلتاهما عن الله. وكلمات الرب بواسطة هوشع، ترسم صورة محزنة للغاية للأُمَّة. فلا أمانة، ولا إحسان، ولا معرفة الله في الأرض. وليس هناك سوى اللعن والكذب والقتل والسرقة والفسق، ودماء تلحق دماء. لقد تجاوزوا كل الحدود، وكسروا جميع الرُبط. لقد تركوا الرب، وألقوا بأنفسهم إلى الزنى. وقادهم روح الزنى إلى الضلال، بينة على عدم أمانتهم لإلههم” (هو٤: ١-١٢). ومع ذلك، وبالرغم من هذه الحالة، استمر الرب يُحبهم محبة عميقة.

تحتوي الأصحاحات الثلاثة الأولى من السفر، سيرة هوشع الذاتية لحياته، مع التركيز بشكل خاص على اختباراته الخاصة ببيته:

«أَوَّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ، قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى، لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ. فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ، فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْنًا» (هو١: ٢، ٣). هل كان ذلك اختبارًا للطاعة؟ هل يُمكن أن يطلب الرب حقًا من رجل الله أن يتزوج امرأة كهذه؟ بعض الشرَّاح يشكون بشأن حدوث ذلك في الواقع. وهؤلاء يرتاحون أكثر لافتراض أن زواج النبي كان مجرد رؤيا أو حلم، أو أنه يجب أن يُفهم باعتباره مَثَل أو مجرد صورة مجازية. والسؤال الآن: هل من الضروري إضعاف النص هكذا؟ أم أن بعض هؤلاء الشرَّاح، بسبب خلفياتهم أو تجاربهم الشخصية، قد يبتعدون عن قراءة النصوص بشكل حرفي، ويبحثون عن تفسيرات أكثر تجريدًا أو رمزية، مما قد يشير إلى عدم إدراكهم للواقع المُعقَّد الذي تعيشه شخصيات مثل جُومَر؟ إن البغايا همن أيضًا أناسٌ حقيقيون: إنهن يحلمن ويبكين ويحببن. فهل هي خطية أن تُتاح لجُومَر فرصة لعلاقة سليمة مستدامة؟ كذلك أطفال البغايا أيضًا، بحاجة إلى الأمان والجو الأسري. ومن وجهة نظري الشخصية، لا أجد سببًا لعدم أخذ زواج هوشع وجُومَر حرفيًا، كتوصيف للواقع الحادث بالفعل. إن قصة الحب المؤلمة هذه، تمدنا ببصيرة نفاذة، وتُعيننا بشأن قراراتنا في أمور هامة مثل الزواج، وتدبير البيوت، وأيضًا نمونا الروحي.

يُعتبر هوشع نبيًا للمملكة الشمالية، التي كانت قد ابتعدت عن الرب، وزنت وراء الأوثان. ولكن رسالة الرب من خلال هوشع أنبأت رجوعًا كاملاً: «وَيُجْمَعُ بَنُو يَهُوذَا وَبَنُو إِسْرَائِيلَ مَعًا وَيَجْعَلُونَ لأَنْفُسِهِمْ رَأْسًا وَاحِدًا، وَيَصْعَدُونَ مِنَ الأَرْضِ» (هو١: ١١). إن الفرح والألم اللذين يكتنفان علاقة هوشع بجُومَر، يعكسان بوضوح علاقة الله مع الأُمَّة الإسرائيلية. لقد استخدم الرب المشاكل البيتية التي واجهها هوشع، ليُساعده على فهم مشاعر الرب تجاه إسرائيل. وأحيانًا أخرى حدث العكس: تعلم هوشع كيف يفهم ويُعامل زوجته العنيدة الضالة، كما رأى كيف يُحب الرب إسرائيل الضالة، ويتعامل معها. في بعض المواضع يصعُب أن نُميز ما إذا كان النص يتكلَّم عن جُومَر أم عن إسرائيل، أو إن كان يقصد هوشع أم الرب نفسه. وكثيرًا ما تصلح الألفاظ والتعبيرات للانطباق على كليهما. وإن الموضوعات التي يتناولها السفر، مثل: المحبة، والزواج، والأولاد، والخيانة الزوجية، والألم، ورد النفس والرجوع والتوبة، كل هذه معًا تُضيف قوة لدعوة الرب لشعبه، للتوبة والرجوع. لأن المحبة الله الإلهية لا تستسلم، ولا تفشل، ولا تتخلى أبدًا.

الزواج ليس خلوًا من المشاكل:

لا تحتاج لأن تكون مُشيرًا متخصصًا في مسائل الزواج، لتتكهن بالمشاكل والصعوبات التي ستكتنف العلاقة بين هوشع وجُومَر. فخلفياتهما مختلفة تمامًا، ولكن كانت مشيئة الرب أن يرتبطا. ولربما تُعاني من بعض الإحباطات في زواجك. ربما انتهيت إلى قرار أنك أنت وشريك حياتك، مختلفان جدًا، أو أنك تزوجت الشخص الخطأ. توقف للحظة ودعنا نتناول بالشرح الأصحاحات الثلاثة الأولى من سفر هوشع. إن ارتباط جُومَر وهوشع يُعلّمنا الكثير بشأن الزواج.

حفل زفافهما:

حاول تخيُّل حفل زفاف نبي تقي من بغية. من سيشعر بالراحة في مثل هذا الاحتفال؟ فلو أن ثمة مدعوين من قِبَل جُومَر ومدعوين من جانب هوشع، حضروا، فمن المؤكد أنهم لن يندمجوا معًا وينسجموا، بسهولة. فمنذ البداية، كان هوشع وجُومَر يُمثلان بؤرة الاختلاف الاجتماعي. هل يمكنك تخيّل تعليقات عائلة هوشع وأصدقائه الأتقياء؟ هل تستطيع تصوّر نظرات السخرية والاستهزاء في عيون أصدقاء جُومَر؟ وحتى اليوم، قد يُؤذي الذين من خارج، العروسين، بإبداء أراء شخصية غير مرغوب فيها، بلا داع.

بيتهما:

والآن تخيَّل حياتهما في البيت. لم تكن جُومَر مبتدئة عندما تزوجها هوشع. كان لديها بالفعل ماضٍ مليء بالخبرات. عندما تزوجها هوشع، أخذها إلى بيته ومعها أولاد زِنًى. ولا بد أن محاولة التأقلم على العيش معًا، لم يكن أمرًا سهلاً. فنمط حياة هوشع الهادئ والروحي، سرعان ما تغيَّر وتعكَّر بسبب الضجيج والطلبات والمشغوليات. فإذا كان لدى الله مقاصد من وراء هذا الارتباط المُتخالف الاستثنائي والمُعقَّد، فمن المؤكد أنه لديه أيضًا هدفٌ فريدٌ لزواجك، حتى وإن كنت لا تراه الآن.

نسلهما:

بعد زواجهما، أنجبت جُومَر لهوشع ابنه الأول، الذي سماه ”يَزْرَعِيل“. في تلك الأيام، وكما في بعض الثقافات اليوم، كان للاسم قصدٌ ومعنًى. اسم هوشع يعني ”المُخلِّص“ أو ”الخلاص“. وهكذا فإن اسمه يُعزز الرسالة التي أراد الله إيصالها من خلاله، ويتماشى تمامًا مع رسالته كنبي يعكس محبة الله وخلاصه لشعب إسرائيل. إن هوشع صورة ورمز للرب. أما أسماء أولاده الثلاثة، فقد يكون لها مدلول مزدوج: فهي تعكس حالة إسرائيل، وأيضًا تعكس تطور حياته العائلية. ”يَزْرَعِيل“ يعني ”الله يزرع“، وفي هذا إقرار واعتراف بيد الرب العاملة في اتحاد هوشع وجُومَر. ثم جاءت ابنة، سُميت ”لُورُحَامَة“، وتعني ”غير محبوبة“ أو ”غير مُفضَّلة“. وهذا الاسم يوحي بأن الأمور لم تكن تسير على ما يرام في حياتهما الزوجية. ثم ولدت جُومَر ابنًا سُميَ ”لُوعَمِّي“، والذي يعني ”ليس شعبي“ أو ”ليس لي“. هل كان لدى هوشع هواجس إن كانت جُومَر قد رُدت إلى نمط حياتها القديم؟ لا يوجد زواج يضمن السعادة بشكل مطلق. حتى الزيجات التي تمت بإرشاد الرب، تمر بلحظات توتر، وإذا لم يحترص الشريكان، قد تنزلق الأمور إلى مشاكل خطيرة. فهل أنت تعتني حسنًا بشريك حياتك؟ ففقدان المحبة، بل وحتى الخيانة الزوجية، واردة في حياتك الزوجية أيضًا!

قبل أن ننتقل لاستكشاف خيانة جُومَر، حري بنا ملاحظة كيف سمى هوشع أولاده. ماذا كان ذنبهما أن يُناديا في المدرسة: ”غير محبوب“، ”ليس لي“؟ في هوشع ٢: ١، أسقط هوشع البادئة ”لو“، التي تعني ”لا“ أو “غير“، من الاسمين، وبدأ يناديهما ”رُحَامَة“ التي تعني ”محبة، رحمة، رأفة“. و”عَمِّي“ الذي يعني ”مِلكي، شعبي، قريبي“. إنه أمر رديء للغاية أن يُعاني الأولاد من تبعات الصراعات بين والديهم. لذا ينبغي البحث عن السُبُل التي تكفل طمأنتهم بأنهم مقبولون ومحبوبون، فهذا سيساعد في توفير الاستقرار الذي يحتاجونه، بينما يسعى الوالدان لحل الأمور بينهما.

خطوات الانحدار نحو الزنا:

نادرًا ما يحدث السقوط بشكل مُفاجئ؛ بل هو نهاية لسلسلة من الأحداث. فبعد تجاهل العديد من الإشارات التحذيرية، تحلّ الواقعة. تبدأ معظم الخطايا الأخلاقية في الذهن. نشعر بالانجذاب نحو شخص من الجنس الآخر، وهو أمر طبيعي تمامًا، ولكن عندما نشرع في مداعبة فكرة إمكانية إقامة علاقة جنسية خارج إطار الزواج، نكون بالفعل على سبيل زلق خطير. ولكن عندما نُطلق العنان لنظرات الغزل والإعجاب المتبادل، والرسائل النصية الخاصة، والمكالمات الهاتفية السرية، من شأن ذلك أن يتسبب في إثارة توقعات مُشوّقة للقاء التالي. هكذا تكون “علاقة الزنى“ قد بدأت بالفعل. يعتقد البعض خطأً أن الزنا يبدأ فقط عندما تحدث علاقة جسدية، لكن كلمات الرب يسوع واضحة جدًا: «إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ» (مت٥: ٢٨).

في البداية، يكون للزواج عنصر الإثارة والمتعة. لكن البعض ينسون، أو يتناسون، أن مقابل كل امتياز توجد مسؤولية. إن بناء البيت يتطلب مجهودًا وتضحية. فما الذي جرى لجُومَر؟ ما الذي اعتراها حتى تهجر أمان البيت، ومحبة الزوج؟ ما الذي دهاها لتترك بيتها؟

الأنانية: هل كانت جُومَر غير مستعدة لدفع ثمن سلامة بيتها؟ هل لم تعد تأبه بمحبة هوشع، ومستقبل أولادها؟

المُقارنات: هل سمحت لها تجاربها السابقة بمقارنة هوشع برجال آخرين؟ هل وجدت صعوبة في الاكتفاء برجل واحد؟

الطموح: على الرغم من كرم هوشع الواسع معها (هو٢: ٨)، إلا أنه يظل السؤال: هل أعطاها كل ما كانت تريده؟

المغامرة: هل فضلت الإثارة المُصاحبة للمخاطرة والمغامرة، على رتابة ونظام الأمان؟

لم تتعلم جُومَر أن تُقدر ما وهبه الرب لها، أعني هوشع. وذات يوم قررت أن تنفذ خطتها التي حبكتها سلفًا: «لأَنَّهَا قَالَتْ: أَذْهَبُ وَرَاءَ مُحِبِّيَّ الَّذِينَ يُعْطُونَ خُبْزِي وَمَائِي، صُوفِي وَكَتَّانِي، زَيْتِي وَأَشْرِبَتِي» (هو٢: ٥). وقد فعلتها!

كيف حال شعورك نحو شريك حياتك؟ هل أنت مُحبَط من افتقارك إلى الرومانسية في زواجك؟ هل أنت تظن أن المغازلة البسيطة مجرد تسلية ومتعة بريئة، وأن الخيالات الجنسية لا تضر أحدًا؟ عندما تُخدّر الخطايا الجنسية الضمير، يكون المرء عرضة للإنكار والتبرير: «كَذلِكَ طَرِيقُ الْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ. أَكَلَتْ وَمَسَحَتْ فَمَهَا وَقَالَتْ: مَا عَمِلْتُ إِثْمًا!» (أم٣٠: ٢٠). فبمجرد أن تختار أن تعيش وأنت تُراعي خطية خفية، فأنت تُجبر نفسك أن تعيش مرائيًا: «يَفْسِقُونَ وَيَسْلُكُونَ بِالْكَذِبِ، وَيُشَدِّدُونَ أَيَادِيَ فَاعِلِي الشَّرِّ حَتَّى لاَ يَرْجِعُوا الْوَاحِدُ عَنْ شَرِّهِ» (إر٢٣: ١٤). إن شريكي الزواج السعيد هما اللذان يحميان خصوصية وحصرية علاقتهما. وهذا يتطلب تعففًا وضبطًا للنفس وتضحية!


فيليب نان