أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2005
اقبلوا الروح القدس أو الحياة الأفضل - دراسات عن الروح القدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

اقبلوا الروح القدس أو الحياة الأفضل (يوحنا 20 :19-23) العبارة التي وردت في العدد الثاني والعشرين من يوحنا 20 ”اقبلوا الروح القدس“ هي التي بمعونة الرب أريد بوجه خاص أن ألفت انتبهاكم إليها الآن، وأنا موافق أنه لا يمكن الحصول على الإدراك الصحيح أو المطابق لمعنى كلمات الرب، ما لم يكن هناك استعراض لمعالم المشهد الذي جرت فيه هذه الإفادة. ومن الواضح تمامًا أننا في هذا الأصحاح لم نصل بعد إلى يوم الخمسين، حينما نزل الروح القدس، حيث أن هذا لم يحدث إلا بعد مضي خمسين يومًا من المشهد المسجل أمامنا في يوحنا 20، مع ذلك، فإن المخلص يقول هنا إلى أحبائه وهو ينفخ عليهم: ”اقبلوا الروح القدس“. ماذا كان يعني له المجد؟

 أعظم حقيقة سجلها الروح القدس

 إذا رجعنا إلى الأصحاح السابق، نجد هناك أعظم الحقائق المدهشة والعجيبة التي قد عرفها العالم في وقت ما، وهي مسجلة بواسطة روح الله بطريقة جديرة بالاعتبار. إنها الحقيقة الرائعة عن موت الرب يسوع، ذلك الموت الذي له أهمية عظيمة لكل نفس بشرية. لقد كان الله مهتمًا أن يخبرنا عن موت ابنه بتفاصيل كثيرة أربع مرات في الكتاب المقدس. إن كل إنجيل يحتوي على وصف لهذا الموت، وكل منها فيه تفاصيل خاصة، لكن الكل متحد ليخبر عن الحق الرائع أن ابن الله قد مات، وأنه مات لأجل الإنسان. وأكرر أن موته بكل تفاصيله مسجل أربع مرات، بينما ميلاده قد أُعْطِيَ لنا مرتان فقط. ربما تكون غير مُلِم بكل ما يتضمنه الحق العجيب للتجسد، والذى هو أعلى من إدراك أي مخلوق محدد، لكن يجب عليك أن تعرف معنى وقيمة موت المخلص، إذا كنت تريد أن تخلص. إنه أمر قليل الأهمية ما تعرفه عن الخليقة، رغم أنه «بالإيمان نفهم أن العالمين أُتقنت بكلمة الله، حتى لم يتكون ما يُرَى مما هو ظاهر» (عب11 :3). وهذا يضع الله في مكانه، ويضعنا نحن في مكاننا. لكنه أمر حيوي وعظيم الأهمية أن تفهم ما نتعلمه عن موت الرب يسوع المسيح.

 في إنجيل يوحنا، يُقَدَّم يسوع كالكلمة الإلهية، ابن الآب. إن المجد الشخصي والجوهري الذي له، وقد كان له دائمًا وأبدًا كابن الله، هو المُبَّين في هذا الإنجيل. لذلك لا نجد سلسلة نسب، ولا إشارة إلى ولادته. كيف يمكن أن نجد هذه الأشياء في إنجيل يقدم الشخص الأزلي- المسيح - آتيًا إلى الناس، وسائرًا بين الناس لأجل بركتهم؟ إنك لا يمكن أن تجد سلسلة نَسَبُه، وولادته في هذا العالم، في إنجيل مثل إنجيل يوحنا الذي يخبر عن ابن الله الأزلي آتيًا إلى هذا المشهد لكي يعلن الله، والآب، ولكي تُعْرَف الحياة الأبدية في صفتها الحقيقية الكاملة، ولكي تُعْطَى هذه الحياة للذين ليست لهم. لكن كما رأينا، إذا كان لنا أن نشترك في هذه الحياة، فهو يجب أن يموت. إن الإنسان هو ميت في الخطايا. لقد ابتعد الإنسان عن الله بسبب الخطية، وليس إلا الموت الكفاري لهذا الشخص المبارك المقدَّم لنا هنا كالابن الأزلي، يستطيع أن يأتي بالنفس إلى الله.

 تجسد ابن الله بدون موته، لا يربط المسيح بالإنسان

 تتذكرون في الأصحاح الثاني عشر من هذا الإنجيل عينه، في مناسبة اقتراب عيد الفصح، أتى بعض اليونانيين الأمم، وقالوا لفيلبس: «يا سيد، نريد أن نرى يسوع». وبمجرد أن سمع الرب، أجاب قائلاً: «قد أتت الساعة ليتمجد ابن الإنسان. الحق الحق أقول لكم، إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت، فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير» (يو12 :23 ،24). كان هو حبة الحنطة، وهو الكلمة الأزلي الذي صار إنسانًا - إنسانًا قدوسًا، كاملاً، بارًا، بلا خطية. لقد كان منفردًا في كل هذا. فكل إنسان آخر كان خاطئًا. لذلك أنتم ترون أن التجسد بمفرده لا يربط المسيح مع الإنسان مطلقًا في الحالة التي هو فيها الآن، ولا يعطي الإنسان أية صلة مع المسيح. هناك تعليم خاطىء يتمسك به كثيرون ويُعَلِّمون به وهو، أنه بسبب تجسد ابن الله الأزلي، فإن الإنسان بطريقة سرية قد أقيم من خرابه، وأُدْخِل إلى اتحاد مع ابن الله، مثل هذا التعليم أتجاسر وأقول إنه كاذب تمامًا، وليس من الله. ألا ترون ماذا يعني هذا؟ إذا كان هو يتحد نفسه معنا في حالتنا الخاطئة، فهو قد أُنْزِل إلى مستوانا. لكن ما هو الحق؟ لا يوجد اتحاد مع المسيح إلا بعد أن قام من الأموات. إن المؤمن الآن متحد مع الإنسان المقام والمرتفع فى المجد. إن الاتحاد مع المسيح ليس بالتجسد، لكنه ناتج عن موته وقيامته، وهو ليس بالإيمان ولكن بواسطة الروح القدس. إنه ليس بمجيء ابن الله هنا في الأرض، اتحد نفسه مع الإنسان في خرابه وبؤسه وجرمه، كلا. إن نفس كلماته تظهر أن هذا كان مستحيلاً لأنه «إن لم تقع حبة الحنطة في الأرض وتمت فهي تبقى وحدها، ولكن إن ماتت تأتي بثمر كثير».

 النتائج المباركة لموت المسيح

ومبارك اسم إلهنا، لأن المسيح قد مات. لقد نزل إلى الموت في كل رعبه، وغَلَبَه. لقد ذهب في محبة ونعمة إلى الصليب، وهناك أمام الله أخذ قضية الإنسان بأكملها من جهة خطاياه وتعدياته وجرمه. وليس ذلك فقط، بل هناك أخذ تبارك اسمه على عاتقه مركز وحالة الإنسان الأول، واحتمل كل الدينونة التي يستحقها من الله. إنه لم يحمل خطاياي فقط، لكني أعلم أنه في موته قد أنهى بالنسبة لي كل ما أنا عليه كابن لآدم. هذا ما يراه الإيمان بجلاء. إن دينونة الله التى يستحقها الإنسان قد وقعت عليه، وهكذا بدون عمل المسيح الكفاري، فلا بد أن يغرق الإنسان إلى الأبد في أعماق الجحيم الأبدي.

 أي بهجة وفرح يملآن القلب عندما يتجه النظر إلى الشخص المبارك الذي في أعمق محبة وتضحية، قد احتمل على الصليب دينونة الله المظلمة التي لا يمكن وصفها، وبهذا حسم بالنسبة لله، وللإيمان، كل تساؤل من جهة خطاياي، وخطيتي أيضًا (أي حالتي الخاطئة). لقد احتمل تلك الدينونة، وخرج منها - كآدم الأخير - الشخص المحيي. نعم لقد قاسى واحتمل دينونة الله التي لا ترحم. فإذا كان المسيح عندما جُعِل خطية لأجلنا، لم يشفق عليه الله، فهل تعتقد أن الله سيشفق عليك في يوم دينونته، إذا وُجدِتَ حينئذ في خطاياك؟ إن الحق المبارك الخاص بالإنجيل هو أن «الله لم يشفق على ابنه» حتى يمكنه أن يشفق علينا! «لأنه جعل الذي لم يعرف خطية، خطية لأجلنا، لنصير نحن بر الله فيه» (2كو5 :21). ولأنه قد تألم في وسط الظلمة فقد أحضرنا الله إلى النور، ولأنه قاسى وعرف مرارة الترك من الله بسببنا لذلك فإن المؤمن بذلك الشخص المبارك الذي هو حي من الأموات يعرف معنى القبول الكامل والتام أمام الله والذي منح لأولئك الذين يثقون في ابنه.

 ”قد أكمل“

 في يوحنا 19 نقرأ العبارة التي نطق بها الرب قبل موته وهي ”قد أكمل!“. ما هو الذي أكمل؟ أنا لا أستطيع أن أخبركم بكل ما تحويه تلك الكلمات العجيبة. لكن هل يمكنكم أن تخبروني بما لم يُكْمَل؟ إنكم لا تستطيعون ذلك! إن كل مطالب قداسة الله التي أهينت وانتهكت حرمتها، وكذا ناموسه المكسور، قد قوبلت بموت يسوع، وكل ما تتطلبه حالة الإنسان لكي يمكنه أن يوجد أمام الله، كلها أيضًا قد قوبلت في دينونة الصليب. نعم لقد تمجد الله، وانهزم الشيطان، والإنسان قد خلص تمامًا بذلك الموت. ”قد أكمل“ إنها كلمات مباركة ومدهشة! كلمات مجيدة للنفوس القلقة! كلمات مجيدة للخطاة. ”قد أكمل“! هل كنت تعمل وتتعب لتفعل شيئًا لأجل خلاصك؟ أنت مخطئ تمامًا في هذا. لقد عُمِلَ كل شيء من قبل، وقد أُكْمِل كل شيء بإتقان بواسطة يسوع وحده على الصليب، وقد عبَّر الله عن تقديره ورضاه بأخذه من القبر، وإجلاسه في المجد.

 إن إنجيل يوحنا يقدم الجانب الإلهي للصليب. فهنا نجد يسوع يضع حياته ويأخذها ثانية. إنه شخص إلهي. في الأصحاح الثاني يقول: «انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه» (يو2 :19). وفي الأصحاح العاشر يقول الرب أيضًا: «لأني أضع نفسي لآخذها أيضًا. ليس أحد يأخذها مني بل أضعها أ نا من ذاتي، لي سلطان أن أضعها، ولي سلطان أن آخذها أيضًا» (يو10 :17، 18). صحيح أنه «أقيم من الأموات بمجد الآب» (رو6 :4)، وصحيح أيضًا بالمثل أنه كان «مماتًا في الجسد ولكن محيي في الروح» (1بط3 :18)، لكن لا تنسوا - لأنكم إن نسيتم تحرمون أنفسكم من جانب عظيم من مجده - أنه أقام نفسه من الأموات و «جلس في يمين العظمة في الأعالي» (عب 1 :3). يا له من مخلص! انصتوا إلى كلماته ”قد أكمل!“. ونتيجة لذلك يقول له المجد لتلاميذه، ولنا: «سلامًا أترك لكم». إن السلام الذي صنعه بدم صليبه هو الإرث الذي تركه لكل نفس مريضة بالخطية في هذا العالم المظلم والذي يسوده الجهل، السلام الذي هو ثمر ذلك العمل الذي بواسطته قد تمجد الله، عندما حمل خطايانا وأبعدها، وأكمل تمامًا عمل الفداء.

 (يُتبَع)

و. ت. ب. ولستون