أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2010
داود ونابال وأبيجايل - رجلاً حسب قلب الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
 

داود ونابال وأبيجايل

لا تُعدُّ قصة داود مع نابال وأبيجايل من القصص الجميلة، فهي واحدة من البقع السود في تاريخ داود، إلا أن نهايتها جاءت سعيدة، عندما تزوج داود بأبيجايل بعد موت رجلها نابال. وإذ اجتمع في أبيجايل الجمال والتقوى كانت هي أفضل زوجة لداود، كما أنها هي الوحيدة التي كانت سبب بركة له.

كان نابال من نسل كالب. وكان اسمه والذي يعني “أحمق” بمثابة وصف دقيق لشخصيته. صحيح أننا لا نعرف كيف حصل على هذا الاسم، إلا أنه من الواضح أنه استطاع أن يُحقِّق معنى هذا الاسم بكل دقة. وكلمة “أحمق” في كلمة الله لا تصف من هم في حالة تأخُّر ذهني، ولكنها تصف حال الفجار «قال الجاهل* في قلبه: ليس إلهٌ» (مز14: 1؛ 53: 1). فنابال مثال للإنسان الطبيعي، وخصوصًا عندما يرفض الرب ورسالته المليئة بالنعمة. وصَف الكتاب نابال بأنه “كان قاسيًا” (1صم25: 3)، مما يعني أنه كان خشنًا، فَظًّا، غير مهذب، يصعب التعامل معه. فهو كان شريرًا، ناكرًا للجميل وسكيرًا. كيف استطاع أن يتزوج بامرأة جميلة وجيدة الفهم؟ لا نعرف. ويمكننا أن نطلق على أبيجايل ونابال “الجميلة والوحش”. إلا أنه كان غنيًا، فكان يملك ثلاثة آلاف من الغنم وألف من المعز. وتخبرنا القصة في البداية أنه كان يجز غنمه في الكرمل (25: 2).

لقد حافظ داود على غنم نابال من اللصوص. وهذا واضح من رسالة داود الموجَّهة لنابال: «حِينَ كَانَ رُعَاتُكَ مَعَنَا، لَمْ نُؤْذِهِمْ وَلَمْ يُفْقَدْ لَهُمْ شَيْءٌ كُلَّ الأَيَّامِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا فِي الْكَرْمَلِ» (25: 7). كما قال أيضًا بعد ذلك: «إِنَّمَا بَاطِلاً حَفِظْتُ كُلَّ مَا لِهَذَا فِي الْبَرِّيَّةِ، فَلَمْ يُفْقَدْ مِنْ كُلِّ مَا لَهُ شَيْءٌ, فَكَافَأَنِي شَرّاً بَدَلَ خَيْرٍ» (25: 21).

رسالة داود

كان داود يحتاج إلى الطعام لرجاله الستمائة. فأرسل لنابال يطلب منه المساعدة. وكانت رسالته لنابال: «فَلْيَجِدِ الْغِلْمَانُ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ لأَنَّنَا قَدْ جِئْنَا فِي يَوْمٍ طَيِّبٍ، فَأَعْطِ مَا وَجَدَتْهُ يَدُكَ لِعَبِيدِكَ وَلاِبْنِكَ دَاوُدَ» (25: 8). جاء طلبه بناءً على الحماية التي وفَّرها رجاله لغنم نابال. فكانت المجاملة الطبيعية أن يزوِّده نابال بكل ما طلبه داود من احتياجات ضرورية. إذ كان داود مهذبًا وهو يطلب مساعدة صغيرة لرجاله، إزاء ما قدموه من إحسان لنابال.

لقد تصرف داود بنبل تجاه نابال. فلم يمنع رجاله فقط من نهب قطيعه، بل قام بحراسته أيضًا من الفلسطينيين. وكان أقل ما يفعله هذا الرجل الغني، أن يُظهر تقديره، بإطعامه رجال داود. لكنه سخر منهم قائلاً: «مَنْ هُوَ دَاوُدُ؟ وَمَنْ هُوَ ابْنُ يَسَّى؟ قَدْ كَثُرَ الْيَوْمَ الْعَبِيدُ الَّذِينَ يَقْحَصُونَ (يَهْرُبُونَ) كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ أَمَامِ سَيِّدِهِ!» (25: 10). فكان نابال يقصد أن داود غدر بسيده شاول، وهرب كالعبد الخائن. وأضاف نابال: «أَآخُذُ خُبْزِي وَمَائِي وَذَبِيحِيَ الَّذِي ذَبَحْتُ لِجَازِّيَّ وَأُعْطِيهِ لِقَوْمٍ لاَ أَعْلَمُ مِنْ أَيْنَ هُمْ؟» (25: 11). في هذا الجواب أكثر نابال في استخدامه ضمير الملكية. فهو يُذكِّرنا بالغني الغبي في العهد الجديد الذي تكلم أيضًا عن «أَثْمَارِي ... مَخَازِنِي ... غَلاَّتِي ... وَخَيْرَاتِي ... نَفْسِي»، وقال لنفسه: «يَا نَفْسُ لَكِ خَيْرَاتٌ كَثِيرَةٌ مَوْضُوعَةٌ لِسِنِينَ كَثِيرَةٍ. اِسْتَرِيحِي وَكُلِي وَاشْرَبِي وَافْرَحِي». ولكن ماذا قال الله؟ «يَا غَبِيُّ! هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟» (لو12: 16-20).

رد فعل داود

بمجرد أن سمع داود جواب نابال، استشاط غضبًا وفقد تحكمه في نفسه. فبدلاً من اللطف الذي أظهره لشاول، غضب وكان مستعدًا لقتل نابال وكل ما له، «فَقَالَ دَاوُدُ لِرِجَالِهِ: «لِيَتَقَلَّدْ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْكُمْ سَيْفَهُ. فَتَقَلَّدَ كُلُّ وَاحِدٍ سَيْفَهُ. وَتَقَلَّدَ دَاوُدُ أَيْضاً سَيْفَهُ» (25: 13). كان على استعداد أن يجاوب الأحمق بحسب حماقته. ولكن أمثال 26: 4 تعلمنا شيء آخر: «لاَ تُجَاوِبِ الْجَاهِلَ حَسَبَ حَمَاقَتِهِ لِئَلاَّ تَعْدِلَهُ أَنْتَ».

ليس عسيرًا علينا معرفة سبب فشل داود في هذه الحادثة. فهو لم يكن في شركة مع الله في ذلك الوقت، ولا سأل الرب عن المسار الذي ينبغي عليه اتخاذه، كما تعود أن يسأله في المرات السابقة (1صم23: 2، 4، 10، 11، 12). كانت عيناه على الإنسان وليس على الله. وكل هذا كُتب لأجل تعليمنا. فيجب علينا ألا ننظر إلى الإنسان وإلى الظروف، بل إلى إله كل الظروف. يجب علينا أن نُنمي هذه العادة المقدسة، ألاَ وهي رؤية يد الله في كل شيء، ولا ننشغل كثيرًا بالظروف. تكلم داود كثيرًا عن انتظار الرب في مزاميره (مز25: 3، 5، 21؛ 37: 7؛ 40: 1). إلا أنه كان ما زال في مدرسة الألم ولم يتعلم الصبر والانتظار حتى ذلك الوقت. لم يكن له اتصال بالرب؛ فلا نقرأ عن داود أنه سأل الرب بخصوص إرسال عشرة رجال للكرمل، ولا استفسر من الرب عندما في غضبه أمر أربعمائة من رجاله أن يواصلوا مهمته المروِّعة.

تدخُّل أبيجايل

عندما علمت أبيجايل بما حدث بين زوجها ورجال داود، وبرغبة داود في الثأر بقتله نابال وكل ما له. تصرفت على الفور وقامت بإعداد أطعمة كثيرة لداود ورجاله. كانت تتصرف بإرشاد من الله الذي وضع في قلبها أن تتدخَّل قبل أن يقتل داود زوجها وكل رجاله. فيدا الله هدَّأت قلبها وقادت عقلها.

ما أروع أن يجعل الله كل الأشياء تعمل معًا للخير الذي قصده هو! وما أروع توقيتات رحمته! كان داود يجهز للشر وكان على وشك اقترافه، إلا أن الرب أرسل أبيجايل لتهدئته. فعندما قابلت داود، حيته بمنتهى الاحترام، حيث وقعت عند رجليه في التراب (25: 23).

لقد خاطبت داود أكثر من مرة قائلة “سيدي”. لم تحاول إدانة روح الانتقام الذي كان آتيًا بها. بل سألته أن يحسب عليها ذنب زوجها (25: 24). واعترفت بحماقته وبكونها لم ترَ رجال داود العشرة حين كلموا نابال (25: 25). تكلمت عن نعمة الله الحافظة وأكرمت الله بقولها: «إِنَّ الرَّبَّ قَدْ مَنَعَكَ عَنْ إِتْيَانِ الدِّمَاءِ وَانْتِقَامِ يَدِكَ لِنَفْسِكَ الرب» (25: 26). كما وضعت على نفسها الذنب الذي ارتكبه زوجها بسوء معاملته لرجال داود، وطلبت الصفح. وأظهرت فهمًا كاملاً لاختيار الرب داود ومسحه ملكًا . وأظهرت إيمانًا قويًا بقولها: «الرَّبَّ يَصْنَعُ لِسَيِّدِي بَيْتاً أَمِيناً»، ومدحت داود لكونه يحارب حروب الرب (25: 28). اعترفت أن شاول كان يطلب نفسه، ولكنها رأت حفظ الرب له (25: 29). وتكلمت بثقة عن الوقت الذي فيه يُقيم الله داود «رَئِيساً عَلَى إِسْرَائِيلَ» (25: 30). وأخيرًا، طلبت من داود أن يذكر “أمته” عندما يعتلي العرش (25: 31).

استجابة داود

استخدم الرب خطاب أبيجايل، إذ قادها لمساعدة داود في اكتشافه لروحه الانتقامية وغايته الرديئة في الضوء الحقيقي.

أولاً: شكر داود الله على إرساله لأبيجايل (25: 32). إنها إحدى علامات الأصالة الروحية، عندما نرى يدي الله في ظروفنا.

ثانيًا: شكر أبيجايل على منعها إياه من سفك دم بريء وانتقامه لنفسه (25: 33- 34). لم يخفف من شر قصده، ولكنه أكد شناعته.

ثالثًا: صرفها برسالة سلام بعد أن رفع وجهها (25: 35).

لقد منع تدخل أبيجايل قصد داود الشرير. فما أجمل: المكان الذي أخذته أمام داود، توسلها، اعترافها، طلبها المتضع في الصفح، إشارتها الرقيقة لخطية داود بسفكه دمًا، إيمانها بمجد داود المستقبلي، وطلبها الختامي بأن يذكرها. فأبيجايل في تقواها وفهمها، تصور المؤمن الحقيقي وأيضًا الكنيسة. بينما يصور لنا نابال كل من يحتقر المسيح ويهلك في خطاياه.

نهاية نابال


عندما عادت أبيجايل لبيتها، وجدت زوجها يحتفل بوليمة عظيمة وهو سكران جدًا (25: 36). هذا الأحمق يشبه غير المؤمنين، الذين يستمتعون كما لو أن كل ما يختص بالأبدية وبأنفسهم على ما يرام، كما يشبه هؤلاء الذين “يتمتعون وقتيًا بالخطية” (عب11: 25). بينما يهدد سيف العدالة رقابهم وينتظرهم «قتام الظلام إلى الأبد» (يه13).

لم توبِّخ أبيجايل زوجها وهو سكران، بل انتظرت للصباح وأخبرته بما حدث «فَمَاتَ قَلْبُهُ دَاخِلَهُ وَصَارَ كَحَجَرٍ» (25: 37). فعندما واجه الموت ورعب القدير، تجمَّد في غيبوبة فاقدًا الوعي بسبب سكره وتسممه أو بسبب آلامه الجسدية والنفسية. ومات بعد عشرة أيام بقضاء إلهي مفاجئ (25: 38). وهكذا ستكون نهاية كل من يحتقر المسيح ويزدري بدمه. عندما سمع داود بموت نابال، شكر الرب الذي حفظه من الشر، وفرح بأنه اختبر قضاء الله على فاعلي الإثم (25: 39).

زواج داود

أرسل داود لأبيجايل طالبًا الزواج. فقضاء الله خلَّصها من زواجها بشخص غير مؤمن وشرير كنابال. وأعطاها الله نعمة في عيني داود، إذ أعجب بجمالها، وحكمتها، واتضاعها، وتقواها. وافقت أبيجايل عل طلب داود وأصبحت زوجته. ويا لها من نهاية سعيدة لقصة كئيبة.

موريس بسالي

العدد القادم: داود وتابوت الله

·    تُرجمت كلمة “جاهل” هنا إلى “Fool” في اللغة الانجليزية، وهي نفس الكلمة التي قيلت عن نابال “أحمق”.

موريس بسالي