أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2019
أَنَا إِنْسَانٌ فَالِحُ الأَرْضِ
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(زك ١٣: ٥)

ليس من الغريب أبدًا أن يُشبَّه الرب يسوع بالفلاح، وأن كلمته مثل البذار التي تُلقَى في التربة «الذَّاهِبُ ذِهَابًا بِالْبُكَاءِ حَامِلاً مِبْذَرَ الزَّرْعِ، مَجِيئًا يَجِيءُ بِالتَّرَنُّمِ حَامِلاً حُزَمَهُ» (مز ١٢٦: ٦). وأيضًا عن كلمته المقدسة نقرأ: «لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ، بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعًا لِلزَّارِعِ وَخُبْزًا لِلآكِلِ، هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي» (إش ٥٥: ١٠، ١١). بل إن الرب يسوع قال في أيام جسده في مثل الزارع إن: «اَلزَّارِعُ الزَّرْعَ الْجَيِّدَ هُوَ ابْنُ الإِنْسَانِ» (مت ١٣: ٣٧). فهو الفلاح النشيط الذي قال عن نفسه: «هُوَذَا الزَّارِعُ قَدْ خَرَجَ لِيَزْرَعَ» (مت ١٣: ٣). وفي مثل الزارع قد وضع الرب يسوع اللذين يسمعون كلمته في أربع مجموعات، ولا عجب فهو العارف قلوب الجميع، ولذلك تكلم عن أربعة أنواع من القلوب (التربة).

(١) تربة الطريق: وفيها نرى القلب القاسي الذي يُشبَّه بالطريق الذي تدوسه أقدام المارة جيئة وذهابًا.

(٢) تربة الأرض المحجرة: وفيها نرى القلب الفاتر السطحي، والتأثير الوقتي، فهذه التربة لم تحرث بمحراث التوبة، ولم تُلمس الضمائر بعمق للاقتناع بالخطية والمذنوبية.

(٣) تربة الأرض ذات الأشواك: وفيها نرى صورة للقلب الغافل الساهي، والغير مبالي بالأمور الأبدية. فلقد وقعت البذار على الشوك فاختنق. والشوك هو «هَمُّ هَذَا الْعَالَمِ وَغُرُورُ الْغِنَى» (مت ١٣: ٢٢؛ مر ٤: ١٩).

(٤) تربة الأرض الجيدة: وهي صورة للقلب التائب، الذي عملت فيه بذار كلمة الله، وأتت بثمر كثير. هذا الأمر يتم الآن في زمان النعمة وسنة الرب المقبولة، فالرب عن طريق خدامه الأمناء وكل الأتقياء، يلقون بذار الكلمة، ومتى وقعت على أرض محروثة، تأتي بالثمر المطلوب. والتربة الجيدة لا بد أن تُحرث أولًا، وهي عملية مؤلمة للتربة أن تتكسر وتُقلَّب عدة مرات، لكن بهذه الطريقة تُصبح صالحة لأن تخترقها البذرة فتنمو. وهذا ما يفعله الرب، عن طريق التجارب والمصاعب والمشقات، في ضمير كل اللذين يقبلون كلمته. فلا بد من محراث التوبة. والخادم الأمين لا بد أن يتكلَّم عن «التَّوْبَةِ إِلَى اللهِ وَالإِيمَانِ الَّذِي بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (أع ٢٠: ٢١). فما أكثر اللذين ينادون بضرورة التوبة، ويتجاهلون الإيمان. وهناك من ينادي بالإيمان، ويغض الطرف عن ضرورة التوبة القلبية، التي تعمل عملها، كما يُقلِّب المحراث الأرض.

على أنه في يوم قريب سيأتي الرب يسوع بصفته «فَالِح الأَرْضِ» (زك ١٣: ٥)، عندما يحرث كل العالم بمحراث القضاء والدينونة، لكي يُنقي ملكوته من «جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ» (مت ١٣: ٤١). فلكي يملك على الأرض، لا بد أن يُطهِر الأرض أولًا «لأَنَّهُ حِينَمَا تَكُونُ أَحْكَامُكَ فِي الأَرْضِ يَتَعَلَّمُ سُكَّانُ الْمَسْكُونَةِ الْعَدْلَ» (إش ٢٦: ٩).

هو يقول عن نفسه في سفر زكريا: «أَنَا إِنْسَانٌ فَالِحُ الأَرْضِ» (زك ١٣: ٥)، فالإنسان الأول جلب اللعنة على الأرض كما قال الرب له: «مَلْعُونَةٌ الأَرْضُ بِسَبَبِكَ ... شَوْكًا وَحَسَكًا تُنْبِتُ لَكَ» (تك ٣: ١٧، ١٨). ومَن يستطيع أن يفلح الأرض، ويرفع عنها الشوك والحسك، ويُعيد إليها البهجة؟ هذا ما سيحدث أولًا عن طريق الأحكام القضائية، وهي عبارة عن ثلاث مجموعات من الضربات على الأرض؛ الختوم السبعة، والأبواق السبعة، والجامات السبعة. وهذه الأحكام القضائية ستحدث في فترة الأسبوع الأخير من أسابيع دانيال السبعين، الذي قسمه ربنا المعبود يسوع إلى قسمين، في موعظته المعروفة بنبوة جبل الزيتون. وهذه الضربات ليست متزامنة لكنها متعاقبة. وتغطي الختوم فترة أكبر من الزمن. أما الأبواق فهي أكثر شدة في صفتها من الختوم. أما الجامات فهي أشدها، وإن كانت الفترة التي ستستغرقها أقل بكثير من الختوم والأبواق. ثم عند الظهور سيُمارس الرب القضاء شخصيًا، عندما يُستعلن في نار لهيب، ويُنقي ملكوته من «جَمِيعَ الْمَعَاثِرِ وَفَاعِلِي الإِثْمِ». وفي مُلك المسيح، ستُرفّع خطية العالم، وستُرفّع اللعنة التي دخلت بسبب الخطية. ويقول الكتاب: «عِوَضًا عَنِ الشَّوْكِ يَنْبُتُ سَرْوٌ، وَعِوَضًا عَنِ الْقَرِيسِ يَطْلَعُ آسٌ» (إش ٥٥: ١٣). وفي هذه الأيام السعيدة سيتم قول الكتاب: «الْحَقُّ مِنَ الأَرْضِ يَنْبُتُ، وَالْبِرُّ مِنَ السَّمَاءِ يَطَّلِعُ» (مز ٨٥: ١١).

إننا نشتاق إلى هذا اليوم السعيد يا سيدنا، يوم أن تمتلئ الأرض من معرفة مجدك، كما تغطي المياه البحر. يوم أن تخرج الحق إلى النصرة، وتضع الحق في الأرض، وتنتظر الجزائر شريعتك. يوم أن يشرق في أيامك الصديق، وتملك من البحر إلى البحر، ومن النهر إلى النهر، إلى أقصى الأرض.

كم نشتاق أن نسمع هذه العبارة التي نَحِنُّ إلى سماعها كلنا كقديسيك «قَدْ صَارَتْ مَمَالِكُ (مملكة) الْعَالَمِ لِرَبِّنَا وَمَسِيحِهِ، فَسَيَمْلِكُ إِلَى أَبَدِ الآبِدِينَ» (رؤ ١١: ١٥). ونتوق إلى يوم النصر المرتقب، عندما تملك ملكًا، وتتسلط تسلطًا، وينادى قدامك: اركعوا.

لك كل المجد والسجود.


عادل راجح