أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2024
الإكليل المفقود
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

يُشير النبي حزقيال إلى ”النَّجِسُ الشِّرِّيرُ، رَئِيسُ إِسْرَائِيلَ“ (حز٢١: ٢٥)، ثم ينظر إلى يوم آتٍ «فِي زَمَانِ إِثْمِ النِّهَايَةِ»؛ يومُ يُوّضع فيه حدّ للإثم. وهكذا سبق فرأى قرونًا من التاريخ البشري - بحسب توقيتات الله - تسقط خلالها ممالك وحكومات، إلى أن يأتي الواحد الفريد المؤهَّل والمُستحِق لأن يحكم؛ الرب يسوع المسيح. اصغ إلى كلمات حزقيال: «مُنْقَلِبًا، مُنْقَلِبًا، مُنْقَلِبًا أَجْعَلُهُ! هذَا أَيْضًا لاَ يَكُونُ حَتَّى يَأْتِيَ الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ» أو «هَا أَنَا أَقْلِبُهُ، أَقْلِبُهُ، أقْلِبُهُ، حَتَّى لاَ يَبْقَى مِنْهُ أَثَرٌ، إِلَى أَنْ يَأْتِيَ صَاحِب الْحَق في الْحُكْمِ، فَأُعْطِيَهُ إِيَّاهُ» (حز٢١: ٢٥-٢٧ – ترجمة داربي).

وقد تطلع إشعياء إلى وقت المستقبل عينه، وقال: «فِي ذلِكَ الْيَوْمِ يَكُونُ رَبُّ الْجُنُودِ إِكْلِيلَ جَمَال وَتَاجَ بَهَاءٍ لِبَقِيَّةِ شَعْبِهِ» (إش٢٨: ٥). إن هذا الإكليل المفقود الذي سيستقر أخيرًا على رأس المسيح، هو موضوع هذا المقال.

إن الحالة الراهنة من القلائل والزعازع، لا يُمكن أن تستمر إلى الأبد. وليسوا قليلين أولئك الذين انتبهوا إلى هذه الحقيقة، فتراهم يتجادلون بشأن معركة ”هَرْمَجَدُّون“ بشكل غامض، على أنها معركة عظيمة ستعُم العالم المُتَحَضِر، ويبدو أنهم نسوا أنه عندما استعمل سفر الرؤيا هذه الكلمة (رؤ١٦: ١٣-١٦)، لم يكن يتنبأ عن معركة مرعبة من جانب بشر ضد بشر، بل بالأحرى من جانب القوات المتحاربة الفاجرة من البشر المُتحدين ضد الله! ومع ذلك يُمكن أن تكون هذه التحذيرات ضد اضطرابات مُقبلة، تُمهد وتُنبئ باقتراب ”هَرْمَجَدُّون“ الحقيقية.

يرى البعض - ربما بناءً على رغبتهم - أن المسيا، الذي يخصّه هذا الإكليل بالحقيقة، قد جاء بالفعل. ولكننا نراه قد جاء، لا لكي يأخذ حقوقه، بل بالأحرى ليُتيح للإنسان سَاعَتَه، وليُفسح المجال لسلطان الظلمة لكي تصنع أقصى ما بوسعها. لقد جاء المسيح المرة الأولى ليُتمّم عمل الفداء، بموته. وعندما قدَّم له الشيطان في الجربة في البرية، الإكليل الذي اغتصبه، رفض المسيح هذا الطريق المُختَصر السهل، للوصول للمجد، مُفضلاً بالأحرى طريق الألم الذي يمر عبر بوابة الموت والقيامة. ولكي يختم على إتمام نبوات العهد القديم، توجب أن يقول: «هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ» (لو٢٤: ٤٦).

ومع ذلك، تنبأ المسيح - بوضوح - بمجيء رئيس آخر سيقبل إكليلاً من يدي الشيطان، عندما قال: «إِنْ أَتَى آخَرُ بِاسْمِ نَفْسِهِ فَذلِكَ تَقْبَلُونَهُ» (يو٥: ٤٣). هذا الرئيس الكذاب؛ الوحش، سيكون واحدًا من ثلاثي شرير آتٍ مع الشيطان والنبي الكذاب المذكورين في رؤيا ١٣. في ذلك الوقت سينضم الناس على ما يُشبه المنظمة التي يُمكن أن يُطلق عليها: ”الاتحاد“. ولن يتطلب ذلك سوى مظهر أشبه بــ”الإنسان الخارق“ المُجرَّد من المبادئ، لإمساك زمام السلطة، وتأسيس أبشع نظام وحشي واستبدادي شهده العالم.

وما أن يصل العالم إلى هذه الحالة، إلا ويُغلَق على الناس في هذه الشبكة، ولن يستطيعوا الخلاص منها. وسيفخر السواد الأعظم من الناس بهذا النظام الاستبدادي، وسيُنادون: «سَلاَمٌ وَأَمَانٌ»، ظانين أن المُلْك استقر دوامًا، حتى أنه ليس خشية عليه، ولا حاجة لانقلابات جديدة. ولكن «حِينَمَا يَقُولُونَ: سَلاَمٌ وَأَمَانٌ، حِينَئِذٍ يُفَاجِئُهُمْ هَلاَكٌ بَغْتَةً، كَالْمَخَاضِ لِلْحُبْلَى، فَلاَ يَنْجُونَ» (١تس٥: ٣). حينئذٍ يحدث الانقلاب الأخير العظيم في معركة ”هَرْمَجَدُّون“ الحقيقية، إذ يُقضي على الوحش والنبي الكذاب، والجيوش التابعة لهما، بالظهور المُفاجئ للمَلِك «الَّذِي لَهُ الْحُكْمُ»، وبعدها بفترة وجيزة، سيسقط ملك الشمال: جُوج (رَئِيسُ رُوشٍ مَاشِكَ وَتُوبَالَ)، وجميع الجيوش المتحاربة معه (حز٣٨، ٣٩). هذا هو الانقلاب الأخير العظيم.

في ذلك اليوم سيُرى الإكليل المفقود منذ زمن، مُستقرًا ولامعًا على رأس رَجُل الناصرة المرفوض، ربنا يسوع المسيح، مُرصَّعًا - ليس بلآلئ الخليقة فحسب، بل بجواهر أمجد؛ جواهر الفداء. ومن هذه اللحظة لن يتزحزح هذا الإكليل بعد! رغم أنه في نهاية الألف سنة، مدة مُلك المسيح بالبر، سيقود الشيطان حركة تمرد، تنبأ عنها الكتاب في رؤيا ٢٠. هذه الانتفاضة سيُقضى عليها في الحال، قبل أن تتحول إلى انقلاب. وحينئذٍ سيجد الإكليل المجيد مستقره الدائم الأبدي على جبين ربنا المعبود الفريد.

لذلك دعونا لا ننزعج إزاء مشهد الاضطراب، وروح الهيجان والجيشان الذي يعم الأرض اليوم. بل بالأحرى ليكن جل همنا الحفاظ على راية الشهادة الحقة للمسيح والإنجيل، مرفوعة مُرفرفة. إن الله لا يُغيّر قصده ولا خطته، كما هو دأب الإنسان. إن التعاليم المُعطاة من قِبَل الله تظل – على الإطلاق – ثابتة صالحة. إن الروح القدس قد جاء، ونحن نسير على نهج التلاميذ الذين قال لهم الرب يسوع: «تَكُونُونَ لِي شُهُودًا» (أع١: ٨). ثم دعونا ألا نضع أيدينا في يدي العالم، ولا نُشارك في خططه وحركاته. فخططهم تمهد الطريق لمجيء ضد المسيح، سواء علموا أم لم يعلموا. ودعونا نثبت في الشركة مع الآب ومع الابن، ومن ثم يكون موقفنا نحو أهل العالم، كما يقول الكتاب: «إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ ... لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ» (رو١٢: ١٨، ٢١).

أخيرًا ... دعونا نكنز هذا الكنز داخل شغاف قلوبنا: إن كل هذه القلاقل والانقلابات، إنما هي إلى «إِلَى أَنْ يَجِيءَ». ودعونا نرفع أعيننا إلى سطوع شمس هذا اليوم المُرتَقَب، قائلين: «آمِينَ. تَعَالَ أَيُّهَا الرَّبُّ يَسُوعُ».

ف. ب. هول