أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد سبتمبر السنة 2015
قراءة ما بين السطور - قراءة من بين السطور
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

الحقبة الخامسة في أحداث الأمة (نشيد ٦: ١٣- ٨: ٤)


ملخص ما نشر


سفر النشيد مقسم بحسب معظم المفسرين إلى ستة أقسام، وفي تطبيق هذا السفر تاريخيًا على الأمة، رأينا أن ثلاثة من هذه الأقسام تمت في الماضي، وانتهت بمجيء المسيح الأول إلى شعبه، ورفض الشعب له. وكان المفروض أن تنتهي علاقة الله بهذه الأمة بعد جريمة صلبهم لابن الله، ولكن المسيح بعد القيامة أوصى رسله أن تبدأ الكرازة بموته وقيامته من أورشليم، تلك الكرازة التي تضمن لكل من يقبلها غفران الخطايا. كما أعلن الرسول بطرس أن الله مستعد - لو تابت الأمة عن جريمتها - أن يرجع إليهم بالبركة، لكنهم تجاهلوا صوت النعمة، وأصروا على الرفض، وبالتالي رفضوا هم أيضًا إلى أن تنتهي فترة الكنيسة من الأرض، وتدخل الأمة في الضيقة العظيمة، إلى أن يظهر المسيح بالمجد لكي يخلصهم. وهذا كان موضوع القسم الرابع في السفر (٥: ٢- ٦: ١٢). وأما القسم الخامس الذي ندرسه الآن فهو يتحدث عن فترة الخمسة والسبعين يومًا التي تفصل بين ظهور المسيح بالمجد والقوة وتأسيس ملكوته على كل الأرض (انظر دانيآل ١٢: ٩-١٢).


ولقد وصلنا إلى الآية ٦ من أصحاح ٧ ونواصل في هذا العدد دراستنا في بقية القسم الخامس


بعد أن انتهى الآخرون من وصف المحبوبة، وصفًا كاملاً بدأ بالرجلين والنعلين، منتهيا بشعر الرأس (الخضوع) الذي أسَرَ الملك، بدأ الملك نفسه في الحديث. لكن ما جذبه وشد انتباهه فيها هو قامتها، فيقول هنا: «قامتك هذه شبيهة بالنخلة، وثدياك بالعناقيد. قلت إني أصعد إلى النخلة وأمسك بعذوقها» (٧: ٧، ٨).


والنخلة في الكتاب المقدس تشير إلى الشخص البار، فيقول المرنم: «الصدِّيق كالنخلة يزهو، كالأرز في لبنان ينمو» (مز٩٢: ١٢). وعندما تُشَبَّه البقية التقية من هذا الشعب بالنخلة، فلأن كل الأمة ستكون أمة من الصديقين والأبرار، كقول إشعياء: «افتحوا الأبواب لتدخل الأمة البارة» (إش٢٦: ٣)، وأيضًا «وشعبكِ كلهمأبرار» (إش٦٠: ٢١). وغيرهما الكثير جدًا.


ثم إن النخلة مرتبطة في الكتاب المقدس بعيد المظال، ففي لاويين ٢٣: ٣٩-٤٣ نقرأ عن “سعف النخل” (ع٤٠). ونحن نعرف أن الجمع الكثير الذين أتوا إلى العيد في أورشليم، بحسب ما نقرأ في يوحنا ١٢: ١٢-١٩ (مع أن هذا العيد كان عيد الفصح لا عيد المظال)، رحبوا بالرب يسوع كالمسيا عند دخوله إلى مدينةأورشليم، وكانوا ممسكين بأيديهم سعوف النخل، ولكن من تتابع الأحداث اتضح أن ولاءهم كان سطحيًا ومزيفًا، فهم قالوا عنه يوم الأحد: «مبارك الآتي باسم الرب، ملك إسرائيل» (يو١٢: ١٣)، وبعدها بأيام معدودة قالوا “خذ هذا، وأطلق لنا بارباس” (لو٢٣: ١٨)، “ليس لنا ملك إلا قيصر” (بو١٩: ١٥). على أن النبوة فيسفر الرؤيا تذهب إلى المستقبل، فتحدثنا عن سعف النخل في أيدي الجمع الكثير الذي لم يستطع أحد أن يعده (رؤ٧: ٩-١٧)، والذي سيُرحب بالمسيح في مجيئه الثاني.


وأما عن العناقيد، فما أبأس عناقيد هذه الأمة على مدى تاريخها الغابر الطويل. لقد رأى موسى بعين النبوة نوع عناقيدهم عندما قال عنهم: «لأَنَّ مِنْ جَفْنَةِ سَدُومَ جَفْنَتَهُمْ، وَمِنْ كُرُومِ عَمُورَةَ. عِنَبُهُمْ عِنَبُ سُمٍّ وَلهُمْ عَنَاقِيدُ مَرَارَةٍ. خَمْرُهُمْ حُمَةُ الثَّعَابِينِ وَسِمُّ الأَصْلالِ القَاتِلُ» (تث٣٢: ٣٢، ٣٣). أما الآنفما أعظم فرح الرب بنضوجهم الواعي (القامة الشبيهة بالنخلة) وبمحبتهم المخلصة (الثديين المشبهين بالعناقيد).


وفي قول العريس: «قلت إني أصعد»: نراه وقد انتهى زمان صبره، وجاء وقته ليتمتع. أليس من حقه أن يشبع وأن يتلذذ بأولئك الذين تعب لأجلهم، كقول إشعياء: «من تعب نفسه يرى ويشبع» (إش٥٣: ١١)؟


وفي مشهد أخاذ، تستكمل العروس كلمات حبيبها الحلوة، فتقول له ما معناه: إن هذه الخمر الجيدة هي لحبيبي، صاحب الفضل في ما أنا فيه الآن، فلتكن سائغة تسيل برقة له. ثم تستطرد: وليتها أيضًا تصل للنائمين، فتجعلهم يستيقظون (راجع الترجمة التفسيرية وترجمة داربي الإنجليزية). ولعل الإشارة هنا هي إلى أولئكالراقدين في تراب الأرض، الذين سيستيقظون إلى الحياة الأبدية (دا١٢: ٣)، وأعني بهم الأسباط العشرة الذين سيتم إحياؤهم وجمعهم في فترة الخمسة والسبعين يومًا،


والعروس بعد أن انشغلت بالأسباط العشرة فإنها اتجهت إلى جهة ثالثة، كما سنرى في الآيات التالية. لكنها قبل ذلك تقول لحبيبها: «تعال يا حبيبي». نلاحظ أنه في أول القصيدة الثانية قال لها “تعالي”، والآن قرب نهاية القصيدة الخامسة هي تقول له“تعالَ”! لقد انتهت القصيدة الثانية ببيت أمها، وهكذا تنتهي القصيدة الخامسة أيضًا ببيت أمها. مع هذا الفارق الهام، أن نهاية القصيدة الثانية تُشير إلى مجيء المسيح الأول، بينما نهاية القصيدة الخامسة تشير إلى مجيء المسيح الثاني.


إذًا فالرب في أزمنة رد كل شيء سيكون له ثمر أولاً من العروس، أي البقية التقية، أو الأمناء من السبطين: يهوذا وبنيامين؛ وثانيًا من الأسباط العشرة، الذين أشارت العروس إليهم بأنهم نائمون، والممثلين بالأخت الصغيرة في أصحاح ٨: ٨، وثالثًا وأخيرًا من كل الشعوب والأمم، وهو ثمر كثير جدًا كما نتعلم من رؤيا ٧:٩-١٧، وهو هذا الثمر الذي تشير إليه العروس هنا بالقول: «تعال يا حبيبي لنخرج إلى الحقل، ولنبت في القرى، لنبكرن إلى الكروم. لننظر هل أزهر الكرم؟ هل تفتح القعال؟ هل نوَّر الرمان؟ هنالك أعطيك حبي» (٧: ١١، ١٢).


ونحن من كلمة الله نتعلم أن “الحقل هو العالم” (مت١٣: ٣٨). ستتم مصالحة العالم في ذلك الزمان، والأرض كلها ستمتلئ بالفرح، بل حتى “شجر الحقل” سوف يصفق بالأيادي (إش٥٥: ١٢). إن وقت بركة هذا الشعب سيكون وقت بركة العالم أجمع. والجميل أنهم سينشغلون بهذا الأمر، فتتم فيهم أخيرًا الكلمات التيقالها الرب قديمًا لإبراهيم: «أباركك.. وتكون بركة» (تك١٢: ٢)؛ وأيضًا كلمات الرسول بولس: «لأنه إن كان رفضهم هو مصالحة العالم، فماذا يكون اقتبالهم إلا حياة من الأموات؟» (رو١١: ١٥). فبعد بركتهم هم، ستكون مشغوليتهم بمجد الرب في كل الأرض، وبأن «الأرض تمتلئ من معرفة مجد الرب كما تغطي المياهالبحر» (حب٢: ١٤)، وهكذا تتم كلمات النبي زكريا: «بعد المجد، أرسلني (الرب) إلى الأمم الذين سلبوكم» (زك٢: ٨).


وتستطرد العروس قائلة: «هنالك أعطيك حبي». لقد بدأ سفر النشيد بالإشارة إلى حب المسيح «لأن حبك أطيب من الخمر» (١: ٢)، وها أخيرًا تتجاوب تلك الأمة مع محبة الرب لهم، وسوف يقولون هم أيضًا، كما نقولها نحن الآن: «نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولاً» (١يو٤: ١٩).


ثم تقول له الحبيبة بعد ذلك: «ليتك كأخ لي، الراضع ثدي أمي، فأجدك في الخارج وأقبلك ولا يخزونني، وأقودك وأدخل بك بيت أمي، وهي تعلمني، فأسقيك من الخمر الممزوجة من سلاف رماني» (٨: ١، ٢). فهمنا أن هذه الفترة تشير إلى فترة الخمسة والسبعين يومًا التالية لظهور المسيح، والتي لا يكون الزفاف قد تم فيهابعد، والعروس تتوق إلى ذلك الوقت السعيد، الذي من قديم يُنتظر. ونظرًا لأنهم لا يمتلكون الروح القدس الذي به يعرفون العلاقة الوثيقة والوطيدة بين العريس والعروس كما هو حادث معنا الآن، لذا فإنها تقول: “ليتك كأخ لي”. لقد قال العريس عنها قبل ذلك: «أختي العروس» (٤: ١٢)، ها هي تتوق إلى تلك العلاقة المزدوجة:الأخ والعريس. وهو ما سيفعله في نهاية تلك الفترة، عندما يقول لجميع الشعوب الذين سيتجمعون في دينونة الأحياء - وعلى مسامعهم هم - إنهم اخوته الأصاغر (مت٢٥: ٤٠، ٤٥). فكل من سيدخل الملكوت المعد منذ تأسيس العالم سيعرف عن يقين تلك العلاقة. وكما قال يوسف لاخوته «أنا يوسف أخوكم» (تك٤٥: ٤)،وكما عُرف الخبر في بيت فرعون، (صورة للعالم كله) أنه جاء إخوة يوسف (تك٤٥: ١٦)، هكذا سيفعل المسيح، يوسف الحقيقي، مع تلك البقية الأمينة.


وعبارة «هي تعلمني» بحسب ترجمة داربي الإنجليزية الدقيقة “وأنت تعلمني”. حقًا سيتم القول في ذلك الزمان: «كل بنيك تلاميذ الرب» (إش٥٤: ١٣). وتتم صلاتهم: «طُرُقَكَ يَا رَبُّ عَرِّفْنِي. سُبُلَكَ عَلِّمْنِي. دَرِّبْنِي فِي حَقِّكَ وَعَلِّمْنِي، لأَنَّكَ أَنْتَ إِلهُ خَلاَصِي. إِيَّاكَ انْتَظَرْتُ الْيَوْمَ كُلَّهُ» (مز٢٥: ٤،٥).


وعبارة “أسقيك من سلاف رماني” تذكرنا مرة أخرى بعيد المظال، عندما كانوا يجمعون من البيدر ومن المعصرة (تث١٦: ١٣). ستفيض المعاصر بالخمر والسلافة. ليس فقط هم سيشربون ويتلذذون ببركات الرب لهم، بل هو نفسه، الذي زرع بالدموع، سيأتي الوقت السعيد ويحصد بالابتهاج، وتتم كلمات ربنا المعبود التي قالهافي ليلة آلامه: «إني من الآن لا أشرب من نتاج الكرمة هذا، إلى ذلك اليوم حينما أشربه معكم جديدًا في ملكوت أبي» (مت٢٦: ٢٩).


وأني أعتقد أن فترة الخمسة والسبعين يومًا التي تفصل بين ظهور المسيح وبداية الملك الألفي، والتي تُختم بكلمات دانيآل: «طوبى لمن يبلغ الألف والثلاثمائة والخمسة والثلاثين يومًا» (دا١٢: ١٢)، سوف تنتهي بعيد المظال وتدشين الهيكل الألفي (قارن مع ٢أخبار ٧: ٨-١٠). ويقينًا سيكون هذا – بلا منازع - أعظم عيدمظال1 في كل تاريخ الشعب. ويتم على الوجه الأكمل قول الوحي في عيد المظال: “لا تكون إلا فرحا” (تث١٦: ١٣). لقد ولى الحزن إلى غير رجعة، فإن: «عند المساء يبيت البكاء وفي الصباح ترنم» (مز٣٠: ٥).


إن مُلك سليمان، والهيكل الذي بناه، وهو ما سبق أن رأينا صوره له في القسم الأول في تطبيقنا التاريخي لهذا السفر النفيس، عندما أدخلهم الرب إلى بيت الخمر، كان مجرد صورة مصغرة لتلك الأيام السعيدة، عندما يأتي من هو أعظم من سليمان، فتُدْخِله المحبوبة إلى بيت أمها، وهو يعلمها، فتسقيه من الخمر الممزوجة منسلاف رمانها!


وأخيرًا يختم هذا القسم بهذا القرار الجميل، تمامًا كما خُتِم القسم الأول والقسم الثاني (راجع نشيد٢: ٧؛ ٣: ٥).


وتكرار هذه العبارة بعينها ثلاث مرات في هذا السفر، لأن هناك ثلاث علامات بارزة في تاريخ ذلك الشعب للوصول إلى هدف الله المجيد من نحوهم. أولاً: تأسيس المملكة وتأسيس الهيكل على عهد داود وسليمان على التوالي؛ ثانيًا: مجيء المسيح بالجسد، مجيئه الأول بالنعمة إليهم، والذي انتهي بصلبه بين لصين؛وأخيرًا عندما يأتي إليهم كملك المجد ورئيس السلام، فيقبلونه، وذلك في مجيئه الثاني.


ومع هذا فهناك فرق بين العبارة التي وردت هذه المرة عن العبارتين اللتين ذكرتا قبل ذلك، يجدر الانتباه إليها. فالعريس في هذه المرة لم يشر إلى تلك المخلوقات الحساسة، “الظباء وأيائل الحقول”، في مناشدة بنات أورشليم بألا ييقظن الحب حتى يشاء. ولقد فهمنا قبلاً أن تلك الكائنات الحساسة إنما كانت لتُذَكِّر الشعب بأنشركتهم مع الحبيب حساسة للغاية، عُرْضة لأن تنقطع لأي مكدر مزعج، وهو ما حدث فعلاً سواء بالسبي البابلي، أو بتشتيتهم على يد تيطس الروماني سنة ٧٠ م. لكن الآن وقد وصل الله إلى غايته، فلن يمكن أن تنقطع شركة الرب مع شعبه لأي سبب على الإطلاق، كقول الرب: «روحي الذي عليك، وكلامي الذي وضعتهفي فمك، لا يزول من فمك، ولا من فم نسلك، ولا من فم نسل نسلك قال الرب من الآن وإلى الأبد» (إش٥٩: ٢١). فلا عجب ألا يرد ذكر الظباء ولا أيائل الحقول هنا.


حقًا ما أعجب نعمة الله! وما أروع دقة كلمته!


يوسف رياض