أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2010
الجانب الجهادى والحربى - سبعة صور للاجتماع الى اسم الرب في سفر النشيد
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
                                                                                                   الجانب الجهادي والحربي
«هُوَذَا تَخْتُ سُلَيْمَانَ حَوْلَهُ سِتُّونَ جَبَّاراً مِنْ جَبَابِرَةِ إِسْرَائِيلَ.  كُلُّهُمْ قَابِضُونَ سُيُوفاً وَمُتَعَلِّمُونَ الْحَرْبَ.  كُلُّ رَجُلٍ سَيْفُهُ عَلَى فَخْذِهِ مِنْ هَوْلِ اللَّيْلِ....  اُخْرُجْنَ يَا بَنَاتِ صِهْيَوْنَ وَانْظُرْنَ الْمَلِكَ سُلَيْمَانَ بِالتَّاجِ الَّذِي تَوَّجَتْهُ بِهِ أُمُّهُ فِي يَوْمِ عُرْسِهِ وَفِي يَوْمِ فَرَحِ قَلْبِهِ» (نش3: 7-11).
المتحدث في القسم الثاني من نشيد 3، أي في الأعداد من 6-11، غير واضح بالتحديد.  والحديث ليس “ديالوجًا”، أي أحاديث متبادلة بين المحبوب وحبيبته، بل هو حديث من جانب واحد، يتكلم عن كل من العريس سليمان، وعروسه شولميث.  والأرجح أن الكلام هنا هو للروح القدس.  
وهو قسم جميل، مشغول بالمسيح في رمز: فنقرأ فيه عن “تخت سليمان” (ع7)، وعن “مركبة سليمان” (ع9)، و“تاج سليمان” (ع11).
والعروس تُرى هنا وهي في برية، حيث شظف العيش.  ولكن ما أحلى البرية وهي بقربه!  فنحن نراها على التخت الذي أعده لها.  وبالمثل، ما أجمل البرية ونحن مجتمعون حوله!  كم ردَّدنا على مدى حياتنا ترنيماتنا الجميلة:
إن كان ذا سرورنا أمامك هنا...
وأيضًا: في حضورك القلب يفرح ..
وأيضًا: ما أحلى ساعات بها يجمعنا الروح معًا..
.....
وتُذَكِّرنا هذه البرية بخيمة الاجتماع التي أُقيمت قديمًا في البرية، وكان الشعب يحلّ حولها.  وكان قصد الرب منها أن يُعَلِّم شعبه في مثال: المسيح وأمجاده.  وواحد من أهم الصور هناك هو عمودا الدخان (انظر الآية 6).  العمود الأول هو عمود الدخان المتصاعد من المذبح النحاسي، صورة لعمل المسيح الكفاري؛ والعمود الثاني هو عمود الدخان المتصاعد من المذبح الذهبي، صورة لعمل المسيح الشفاعي.  وبناء على هذا كان الشعب يجد ملء القبول عند الله.  وهكذا معنا، ولا سيما ونحن في اجتماعاتنا حول الرب.  لقد أمر الرب بالبركة، ليس بسبب أيّة أفضلية في ذواتنا، بل إن لسان حالنا «انظر يا الله والتفت إلى وجه مسيحك» (مز84: 9).  
وتبدأ الفقرة موضوع دراستنا بالحديث عن تخت سليمان.  وجميل أن العروس هنا تُرى، لا كما رأيناها في مطلع الأصحاح، مستلقية على فراشها، تطلب من تحبه نفسها فلا تجده؛ بل على تخت سليمان أي مركبته.  ومركبة سليمان هذه، لم تكن طبعًا تدور بمحرك احتراق داخلي يعمل بالوقود، كالمركبات المنتشرة في أيامنا، ولا هي مركبة تدور على عجلات تجرها الجياد أو الثيران، بل إنها - بحسب الكلمة العبرية هنا - تُحمل على الأكتاف؛ وتذكرنا بالتابوت الذي كان يُحمل على أكتاف الكهنة.  وهذه الكلمة المستخدمة عن “تخت” سليمان تختلف عن كلمة “الفراش” الواردة في أصحاح 1: 16.  ويمكن القول إن الفراش في الأصحاح الأول يُمَثِّل الشركة الفردية الشخصية السرية، وأما التخت فهو يمثل الشركة الجهارية العلنية.  إن التخت هو مكان راحة لسليمان وعروسه.  إذًا فهي راحة وشركة، وذلك وسط مخاوف الليل ومخاطره.  أليس هذا هو محضر الرب بالنسبة لنا الآن؟  إنه يرتاح في هذا المكان «هذه هي راحتى...  ههنا أسكن لأني اشتهيتها» (مز132: 14)، كما أنه موضع الراحة لنفوسنا (مر6: 31).
في الآية السابقة (ع6) كانت المشغولية بهذه الطالعة من البرية كأعمدة من دخان.  وأما في الآيات موضوع دراستنا فالمشغولية ليست بها، بل به هو.  هذا يعمق المعنى الذي أشرنا إليه الآن.  فعندما نكون حوله، تكون كل المشغولية به وحده، لأنه “هوذا أعظم من سليمان ههنا” (مت12: 42).  إن الكنيسة الأمينة للمسيح، عندما تجتمع من حوله، لا تود أن تنال مجدًا من أحد، ولا أن ينشغل الناس بالمواهب والإمكانيات التي لها، بل أن يتحول كل المجد للرب الحاضر في الوسط «لكي يكون هو متقدمًا في كل شيء» (كو1: 18).  لما تحدث الرسول بولس عن كنيسة الله الحي، في شهادتها باعتبارها “عمود الحق وقاعدته”، لم يتكلم عن بركات الكنيسة بل عن أمجاد المسيح، فقال: «بالإجماع عظيم هو سر التقوى الله ظهر في الجسد، تبرر في الروح، تراءى لملائكة، كُرز به بين الأمم، أُومن به في العالم، رُفع في المجد» (1تي3: 16).  هذا هو موضوع شهادة الكنيسة.  
ولكن هناك بالإضافة إلى هذا فكر هام، لم يرد في الصور التي تأملنا فيها سابقًا عن الاجتماع إلى اسم الرب.  فالمشغولية هنا ليست بالبركات التي نحصل عليها، ولا بفرح الرب بوجودنا في محضره، بل هناك فكر تنفرد به هذه الأعداد، هو الجانب الجهادي والحربي.  نحن نعلم عن يقين أن الرب، باعتباره راعي الخراف العظيم (يو10: 27-30)، هو يحمينا، ولكنَّ هناك طرفًا آخر للحق، وهو أننا نحن الآن الذين ندافع عن مجده وعن حقه.  وهذا هو أحد أنشطة القديسين وهم مجتمعون إلى اسم المسيح.
في ليل غيابه كثيرًا ما تتحرك الضباع والذئاب، الأسود والكلاب، والأفاعي أيضًا.  هؤلاء يمثلون المعلمين الكذبة، الفعلة الماكرين.  لكن الرب عنده أبطاله.  إن راعي الخراف العظيم يحمي خرافه، ولكن الأبطال بين شعب الله، يدافعون بدورهم عن حقه، وبسيف الكلمة يعرفون أن يردوا العدو على نحره.
تَفَكَّر في ركب الأمناء والجبابرة على مدى تاريخ الكنيسة.  ما أروع الرسول بولس وهو يدافع عن حق الإنجيل في رسالة غلاطية!  ثم وهو يدافع عن أمجاد المسيح في رسالة كولوسي!  وعلى مدى تاريخ الكنيسة كان هناك الأبطال.  لقد كان أثناسيوس أحد هؤلاء الجبابرة الأبطال، فدافع عن الإيمان القويم ولاهوت الابن.  وكان لوثر ورفاقه من رجال الإصلاح جبابرة ، دافعوا عن حقيقة التبرير بالإيمان.  وكان داربي ورفاقه أبطالاً دافعوا عن أمجاد المسيح المتنوعة، وعن حق الكنيسة.  وشكرًا للرب فما زال للرب الآلاف من القديسين قابضون سيوفًا ومتعلمون الحرب، يجاهدون لإيمان الإنجيل (في1: 27)، ويجتهدون لأجل الإيمان المسلم مرة للقديسين (يه3).
وحسن أن نقرأ هنا عن الجبابرة.  لقد كان جدعون جبار بأس، رغم أنه في ذاته كان ضعيفًا، وذلك لأنه من البداية كان يخبط حنطة ليهربها إلى إخوته لكي يطعمهم بها.  والذي بدأ بخبط الحنطة، سرعان ما صار رجل السيف (قض7: 20).  وفي حلم أحد المديانيين كان جدعون رغيف خبز شعير، وفي تفسير الحلم أصبح هذا الرغيف هو “سيف جدعون بن يوآش رجل إسرائيل” (قض7: 13، 14).  وهو يذكرنا أيضًا بالمسيح له المجد، ففي لوقا 2 نجده يخبط الحنطة ويوصلها حتى إلى الشيوخ، ولكنه في لوقا 4 استخدمها مع العدو باعتبارها السيف.  وهكذا معنا فإذ يجمعنا الرب حوله، ويشبعنا بكلمته، يمكننا إذ ذاك أن نستخدمها في حروبنا الروحية.  
وعدد الجبابرة “ستون”.  ونتذكر أنه في البرية أيضًا كان حول تابوت العهد وباقي أدوات خيمة الاجتماع أعمدة تحمل أستار الدار الخارجية، وكان عدد تلك الأعمدة ستين عمودًا أيضًا!  فكما أحاط بالتابوت والخيمة أعمدة ثابتة راسخة فوق رمال برية سيناء، هكذا اليوم يحيط حول شخص المسيح ستون جبارًا.  
والرقم ستون يساوي 6 ×10.  الرقم 6 هو رقم الشر، والرقم 10 هو رقم المسؤولية.  وعليه فإن الرقم 60 يشير إلى مسؤولية الأمناء “في اليوم الشرير” (أف6: 13).
«كلهم قابضون سيوفًا».  هل كل المؤمنين اليوم يمتلكون السيوف؟  الإجابة: نعم، إنه القطعة السادسة في أفسس 6 «سيف الروح الذي هو كلمة الله» (أف6: 17).  لكن إن كان جميلاً أننا نحمل الكتاب المقدس، فالأجمل أن نعرف كيف نستخدمه.  فالجبابرة هنا «قابضون سيوفًا، ومتعلمون الحرب».  فما الفائدة من إمساك السيف إن كنا لا نعرف كيف نستعمله (قارن مزمور 144: 1)؟  ترى هل عندما نجتمع إلى اسمه نعرف أن نستخدم الكتاب المقدس لكي ندافع عن أمجاد المسيح، والحق الخاص به وبكنيسته؟  لقد وقعت قرعتنا في “اليوم الشرير”، فهل نصغي إلى نصيحة الرسول بولس إلى ابنه تيموثاوس: «اجتهد أن تقيم نفسك لله مزكى، عاملاً لا يخزى، مفصلاً كلمة الحق بالاستقامة» (2تي2: 15)؟  وهل نتمم طلبة الرسول بطرس الذي قال: «مستعدين دائمًا لمجاوبة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذي فيكم، بوداعة وخوف» (1بط3: 15)؟  وهل نتمثل بسيدنا في حربه مع إبليس إذ قال له: “مكتوب”، ولما أراد الشيطان أن يحارب الرب من المكتوب عينه، رد عليه الرب في الحال: “ومكتوب أيضًا” (مت4: 4، 7).
ما أعظم أن يكون هناك جبابرة للدفاع عن أمجاد المسيح!  إن الرب اليوم في أثناء غيابه يبحث عن الجبابرة من بيننا.  
في أيام نحميا كان الرجال باليد الواحدة يعملون العمل، وبالأخرى يمسكون السلاح، إذ كانوا محاطين بالأعداء من كل جانب (نح4: 17)، وهكذا نحن روحيًا اليوم، فالعالم كله وُضع في الشرير (1يو5: 19)، والشيطان عدونا كأسد زائر يجول ملتمسًا من يبتلعه هو (1بط5: 8).  فليت تتم فينا كلمات المرنم: «تَنْوِيهَاتُ اللهِ فِي أَفْوَاهِهِمْ، وَسَيْفٌ ذُو حَدَّيْنِ فِي يَدِهِمْ» (مز149: 6)!
ودعنا نعلم أنه ليس الرسل ولا الأساقفة ولا الخدام هم الذين يجتهدون لأجل الإيمان المسلم مرة للقديسين، بل القديسون أنفسهم.  وليست الكنيسة ككنيسة هي المسؤولة عن الدفاع عن حق المسيح، بل القديسون كأفراد.  ويؤسفنا أن المرأة – كما نتعلم من المثل الوارد في متى 13: 33- هي التي أدخلت الخمير في أكيال الدقيق، وهذا معناه أن الكنيسة الإسمية هي التي أدخلت العديد من التعاليم الغريبة الخاصة بشخص المسيح له المجد.  ولكن كان للرب دائمًا قديسون دافعوا عن حق المسيح.  لهذا فإننا نقرأ هنا، بالإضافة إلى العروس، عن الجبابرة الستين.  والرب في رؤيا 2؛ 3، بعد أن يذكر حالة كل كنيسة، فإنه يتحدث عن “من يغلب”.  والغالبون في رؤيا 2؛ 3 هم الجبابرة في نشيد 3.  والدرس لنا أن الحق الذي أؤتنما عليه حق جماعي، ولكن الأمانة فيه أمانه فردية.  
ويختم الفصل بدعوة بنات أورشليم لكي يخرجن، لينظرن الملك سليمان بالتاج الذي توجته به أمه يوم عرسه ويوم فرح قلبه.  ومن المهم أن ندرك أن هذا ليس تاج الملكوت، فهو لن يستلم المُلك إلا من الله الآب نفسه (مز2: 7، 8)، لكنه تاج خضوع شعبه له وترحيبهم به.  ويا له من تاج يعتز المسيح به أيما اعتزاز!  ولكن إن كانت أمته اليوم لا تقبله ولا تحترمه، فهل لنا نحن أن نقدره ونحترمه ونخضع بالقلب له، ولا سيما عندما يجمعنا الروح القدس هنا للسجود والعبادة لشخصه، فنكرمه في عالم لم يقدم له سوى المزود في البداية والصليب في النهاية، وعلى طول الطريق بينهما لم يكن له أين يسند رأسه؟  
يوسف رياض
يوسف رياض