أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
هنري أيرنسايد يحجم الكثيرون عن دراسة أسفار الأنبياء الصغار (من هوشع إلى ملاخي)؛ فالبعض يتخوف من ذلك اعتقادًا بصعوبة فهمها واستخراج فوائد منها، والبعض الآخر يجهل الدرر والنفائس التي تحويها هذه الأسفار بين دفتيها. والواقع أن هذه الأسفار وإن صغر حجمها – وهذا سر تسميتها – عظمت قيمتها. ففيها نجد مستودعًا لأفكار الله، ومعرضًا لطرقه ومعاملاته المختلفة؛ فنراه داعيًا تارة، محذرًا تارة أخرى، معلنًا عن محبته لشعبه، موضحًا متطلباته في هذا الشعب الذي ارتبط به، فاتحًا بالنعمة باب رد شعبه إليه من أجل اسمه. ولذلك فكل من يحب الاطلاع على أفكار الله كما أعلنها هو – تبارك اسمه – ومن يهمه أمور الله وطرقه ومعاملاته؛ عليه ألا يهمل دراسة هذه الأسفار الثمينة، شأنها شأن كل كلمة الله. وكاتب هذه التأملات؛ هنري أيرنسايد، كاتب متعلم في ملكوت الله، وهبه الله بصيرة مفتوحة على الحق، كما منحه أسلوبًا سلسًا، فتميز بقدرته على تبسيط الصعوبات التي قد تواجه الدارس. وهو، في هذه التأملات، يقدِّم دراسة تأملية في أسفار الأنبياء الصغار، ملقيًا الضوء على محتواها، مستخرجًا الكثير من الدروس العملية لنا نحن الذين كُتِبَت كل هذه لتعليمنا وإنذارنا. والكتاب يُعَد إضافة لمكتبتنا العربية كنا في حاجة شديدة إليها. لذلك نستودع الكتاب وقرّاءه بين يدي الرب، ليكون سبب بركة وفهم أعمق للمكتوب. والكتاب صدر في ثلاثة أجزاء متوفرة في مكتبة الإخوة الجزء الأول: هوشع – يوئيل – عاموس – عوبديا ١٥٥ صفحة الجزء الثاني: يونان – ميخا – ناحوم – حبقوق – صفنيا ١١٤ صفحة الجزء الثالث: حجي – زكريا – ملاخي ١٣٤ صفحة نشجعك على اقتنائه وقراءته.
 
 
عدد مايو السنة 2023
علاقتنا الإيمانية مع الرب يسوع
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

نُؤْمِنُ بِمَنْ أَقَامَ يَسُوعَ رَبَّنَا مِنَ الأَمْوَاتِ. الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا. فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بِالإِيمَانِ لَنَا سَلاَمٌ مَعَ اللهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ» (رو ٤: ٢٤، ٢٥؛ ٥: ١)

سَلاَمٌ مَعَ اللهِ:

هنا لدينا الأساس الراسخ والمتين لسلام الخاطئ، والأرض المُقدَّسة التي عليها يُمكن لله أن يُبشّر بالسلام؛ إن الرب يسوع «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا» (رو ٤: ٢٥). وفي هذه الآية، علينا أن نُلاحظ بعناية، وننتبه بصفة خاصة إلى أربعة أمور هامة:

مَن الذي أُسْلِمَ؟

مَن الذي أسْلَمَهُ؟

ولماذا أُسْلِمَ؟

مَن أقامه؟

وهذه الأمور أساسية في تمتعنا بالسلام مع الله:

أولاً: مَن الذي أُسْلِمَ؟

إنه ربنا يسوع المسيح القدوس، ”الْكَلِمَةُ“ الذي ”صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا“، ”اَلابْنُ الْوَحِيدُ الَّذِي هُوَ فِي حِضْنِ الآبِ“؛ الابن الأزلي وغرض مسرة قلب الله الأبدي، هو ”حَمَلُ اللهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ“. إنه المُبارك الذي هو في حِضْنِ الآبِ في الأزل، قبل الخليقة، هو الذي تجسد في رِحِم العذراء مريم، ووُلِدَ في مذود بيت لحم، واعتمد في نهر الأردن، وجُرِبَ في البرية، وتجلى على الجبل، وانحنى ليُصلي في جثسيماني، هو الذي سُمِّرَ على الخشبة، ومات ودُفن في قبر، وأُقيم من بين الأموات. وهو بذاته الذي يجلس على عرش العظمة في السماوات.

إنه هو المٌخلِّص الذي أخذ خطايانا على نفسه، عندما كان مُمثلنا على الصليب، وأخذ مكاننا، وتلقى من يد العدل الإلهي كل ما نستحقه. هو الذي حمَلَ كل آثامنا وكل خطايانا وكل تعدياتنا وكل تجاوزاتنا. إنه الذي لم يعرف خطية، ولم يكن له علاقة إطلاقًا بها. هو نفسه الذي مات مكاننا. ذاك المجيد الذي كل حياته الإنسانية كانت رائحة زكية صاعدة إلى عرش الله، هو نفسه سُلِمَ للموت حاملاً كل خطايانا!

ثانيًا: مَن الذي أسْلَمَهُ؟

هذا تساؤل هام: مَن الذي أًسْلَمَ الرب يسوع ليموت على الصليب؟ نجد الإجابة في كلمات إشعياء النبي: «أَمَّا الرَّبُّ فَسُرَّ بِأَنْ يَسْحَقَهُ بِالْحَزَنِ» (إش ٥٣: ١٠)، وهو ما أُعلِن في العهد الجديد: «لأَنَّهُ (أي الله) جَعَلَ (المسيح) الَّذِي لَمْ يَعْرِفْ خَطِيَّةً، خَطِيَّةً لأَجْلِنَا» (٢كو ٥: ٢١).

إن الله هو الذي أسْلَمَهُ! «وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا» (إش ٥٣: ٦). إنه ليس صحيحًا أن نقول إننا نحن الذين وضعنا خطايانا وآثامنا على الرب يسوع، فالأمر أكبر من ذلك بكثير. لو أنه مجرد وضع خطايانا على الرب يسوع، فلن يكون لنا سلام مع الله أبدًا، لأننا لا نعرف مدى خطيتنا، ومقدار خطايانا، وعمق ذنبنا، والمقدار الحقيقي لالتزامنا بوصايا الله. فلكي يكون لي سلام مع الله، يجب أن أعرف أن الله قد اكتفى ورضي؛ فالله هو الطرف الذي أُسيء إليه، وهو الذي حزن وانكسر قلبه بسبب خطايانا وتعدياتنا، ولذلك يجب أن يكون الله راضيًا أولاً. ويقينًا هو الآن راضٍ ومكتفٍ، لأنه هو بنفسه الذي وجد الفدية ليضع عليها خطايانا، وهي بحسب تقديره لها، وُضِعَت على رأس حامل خطايانا القدوس.

كل ذلك كان ضروريًا، ليس لمجرد تلبية احتياجاتنا وعلاج حالتنا، لكن لإرضاء مطاليب الله أولاً، وليكون الله بارًا وهو يُبرّر الخاطئ. وطواعية واختيارًا، قدَّم الرب يسوع نفسه لهذا الموت الكفاري، ولذلك فالله الآن في كمال الرضا. ومن هنا يستطيع الله أن يُبشر بالسلام بواسطة الرب يسوع المسيح ربّ الكل.

لقد حُكِمَ على الرب يسوع المسيح البار، الذي أخذ مكاننا على الصليب. لقد حجب الله وجهه عن شخصه المُبارك، وأغلق أذنه عن صراخه، وتركه في هذه اللحظات؟ لماذا؟! لأنه «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا» (رو ٤: ٢٥). إن الله هو الذي أسْلَمَهُ، لكي يقبلنا نحن! لقد تعامل الله مع المسيح كما كان ينبغي أن يُعاملنا بحسب استحقاقنا. لقد أخذ الرب يسوع مكاننا في الموت والدينونة، لكي نأخذ نحن مكانه في حياة البر والمجد الأبدي.

ثالثًا: ولماذا أُسْلِمَ؟

دعونا نسأل: لماذا أَسْلَمَ الله هذا المُخلِّص القدوس الغالي؟ لقد «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا» (رو ٤: ٢٥). من أجل كم مِن خطايانا؟ لقد أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ كل خَطَايَانَا. فبكل تأكيد ويقين، إنه – تبارك اسمه – عندما عُلِّقَ على الصليب، وُضِعَت عليه كل خطايا المؤمن، ونُسِبَت له؛ كل الخطايا، حتى خطايا المستقبل هو تحملها على الصليب، وبالنسبة له، لم يكن يُوجَد في هذه المسألة تمييز بين خطايا الماضي والحاضر والمستقبل، فكل الأبدية بالنسبة له ما هي إلا لحظة واحدة.

لقد وُضِعَت آثامنا عليه، فأبعدها عنا إلى الأبد، وأبعدها عن بصر الله تمامًا. وبدلاً من خطايانا، أصبح لا شيء علينا. والخطايا التي لطختنا ، اختفت تمامًا، ولقد أُقِيمَ المسيح لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا.

رابعًا: مَن أقامه؟

إن الله الذي أسْلَمَه، هو بذاته الذي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ. ولكن لماذا أَقَامَهُ؟ لأنه أكمَلَ كل شيء قد أُسْلَمَ لأجله. فالمسيح قد مجَّد الله في إبعاده عنا خطايانا، والله قد مجَّد المسيح عندما أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، وقد كلَّله بالمجد والكرامة. ويا لروعة هذه الحقيقة!

لقد تـُرِكَ المسيح على الصليب بسبِ خطايانا التي وُضِعَت عليه، ولكنه الآن مُكلَّل ومُمجَّد على العرش، لأن خطايانا أُبعِدَت. لقد «أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا، وَأُقِيمَ لأَجْلِ تَبْرِيرِنَا». حقًا، هنا الأرض الصلبة القوية الأبدية التي جلبت السلام للخاطئ في محضر الله.

وكلمة واحدة نهائية عن السؤال: كيف يحصل الخاطئ على السلام لنفسه؟ الإجابة ببساطة: الله هو الذي صنع هذا السلام بنفسه، وليس على الخاطئ أي عمل يعمله؛ فلا يوجد عمل آخر بجانب ما عمله المسيح. فالإنسان مسكين وضال ومخلوق مُذنب وبلا قيمة، وعليه فقط أن يقبل كلمة الله في قلبه، وليس فقط في رأسه. إن الرسالة المباركة التي يُرسلها الله إليك، إنما لتستريح في المسيح، لتكون راضيًا بكل ما أرضى الله. فالله راضٍ عن عمل المسيح، بدون أن يُطالبنا بشيء آخر نعمله.

أخي العزيز: هل أنت مكتفٍ بكمال عمل المسيح، أم تنتظر أن تعمل شيئًا من نفسك، سواء أعمال، أو مشاعر، أو طقوس، أو فرائض، أو اختبارات. لو كان الأمر كذلك، فلن تستطيع الحصول على السلام. إن اكتفاءك بعمل المسيح هو وحده الذي يَجلب لك سلامًا مع الله.

ماكينتوش