أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد ديسمبر السنة 2007
سبعة توجهات في رسالة فيلبي
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
ذكرنا في العدد السابق أن الرسول بولس كانت له سبعة توجهات إيجابية وردت في الرسالة إلى القديسين في فيلبي. التوجه الأول هو نحو المسيح ونواصل التأمل في باقي التوجهات: 2. نحو الروح القدس: يُذكر الروح القدس في هذه الرسالة مرتين (في1: 19؛ 2: 1). ورغم أن الامتلاء بالروح القدس لا يُذكر صراحة، إلا أن بولس تحدث عن «مُؤازرة روح يسوع المسيح" (في1: 19)، كما أن بعضًا من مظاهر عمل الروح القدس ظاهرة بوضوح، فلا يستطيع أحد أن يقول: «لي الحياة هي المسيح» (في1: 21)، إلا إذا كان فعلاً ممتلئًا بالروح القدس. فالمؤمن الجسدي العائش تحت سلطان الجسد، لا يستطيع أن ينطق بمثل هذه الأقوال. إن الروح القدس الساكن فينا هو سبب الحياة الروحية، أما المُميز لهذه الحياة فهو استعلان حياة المسيح فيها مُعاشة عمليًا. وبالإضافة إلى كلمة ”فرح“ ومرادفاتها ومشتقاتها، والتي وردت نحو ثماني عشرة مرة، كما ذكرنا، فإن كلمتي ”المحبة“ و ”السلام“ تتكرران أيضًا. وهذه الثلاثة: المحبة، الفرح، السلام، هي إظهارات وثمر الروح القدس (غل5: 12)، ويختبرها فقط المؤمن الممتلىء بالروح القدس. والرسول يربط هذه الإظهارات الروحية بالشركة في الروح القدس «إن كانت شركة ما في الروح» (في2: 1). فالمؤمنون رُبطوا معًا بالمحبة الواحدة وبنفس واحدة، مُفتكرين شيئًا واحدًا (في2: 2) 3- نحو الآخرين: «لا شيئًا بتحزبٍ أو بعُجبٍ، بل بتواضعٍ، حاسبين بعضكم البعض أفضل من أنفسهم. لاتنظروا كل واحدٍ إلى ما هو لنفسه، بل كل واحدٍ إلى ما هو لآخرين أيضًا» (في2: 3، 4). “الآخرين” ؛ هذه هي الكلمة المفتاحية لهذه الأعداد. وباقي الأعداد التالية حدثتنا عن الاهتمام الذي هيمن على حياة ربنا المعبود عندما كان في الجسد على الأرض «لأن ابن الإنسان أيضًا لم يأتِ ليُخَدم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين» (مر10: 45). فلا ينبغي أن تظهر بين شعب الله تصرفات تحكمها الأنانية أو الخصام أو العُجب أو التسلط أو الغرور أو البحث عن الذات، تلك الروح التي تسود وتميِّز الإنسان الطبيعي، وهي روح هذا العالم. إن الطريق الصحيح الذي يجب أن يميِّز تابعي المسيح الذين يعيشون به وله، هو أن نحسب الآخرين ”أفضل من أنفسهم“ في اتضاع الفكر، باحثين لا عما يهمنا نحن، بل عن ما يهم الآخرين أيضًا. لا أحد يستطيع أن يسلك هكذا إلا المولودون من الله، السالكون في قوة الروح القدس. فلكي تُظهِر روح المسيح، روح الاتضاع الحقيقي، ينبغي أن تنسى ذاتك وأن تنكرها، فهذه هي الكيفية التي بها نعلن ”فكر المسيح“. 4- نحو الإنجيل: تتكرر كلمة ”إنجيل“ ست مرات في الأصحاح الأول. فيكتب الرسول أولاً عن شركة الإنجيل (في1: 5)، فالمؤمنون اشتركوا متحدين معًا ومع الرسول في المحاماة عن الإنجيل وتثبيته (في1: 7). كما نظر الرسول إلى ظروفه الخاصة باعتبارها فرصة إلهية ممنوحة ”آلت أكثر إلي تقدّم الإنجيل“ (في1: 12). ولم يكن بولس يعبأ بمسألة المحاماة عنه، بل - كما أشار هو- إلى المحاماة عن الإنجيل، عالمًا أنه «موضوع لحماية الإنجيل» (في1: 17). ومرتين في عدد 27 يحرض الرسول المؤمنين أن «عيشوا كما يحقُّ لإنجيل المسيح» وأن يثبتوا في روحٍ واحدٍ «مُجاهدين معًا بنفسٍ واحدةٍ لإيمان الإنجيل». لقد أراد بولس أن يذهب إلى روما كمبشر، ولكنه، بدلاً من ذلك ذهب إليها كسجين. إلا أن ذلك لم يمنعه عن الكرازة بالإنجيل! بل لقد أذاع الإنجيل إلى بيت قيصر نفسه (في4: 22). والرسول حرّض إخوة فيلبي- ونحن معهم – لأن نتمسك بكلمة الحياة (في2: 16). 5- نحو الظروف: «ثم أريد أن تعلموا أيها الإخوة أن أُمُوري قد آلت أكثر إلى تقدم الإنجيل، حتى أن وُثقي صارت ظاهرةً في المسيح في كل دار الولاية وفي باقى الأماكن أجمع» (في1: 12, 13). في الأصحاح الأول أعلن الرسول كيف أن ظروفه الصعبة لم تسلبه فرحه لأنه لم يكن يعيش ليتمتع بمباهج الحياة بل ليخدم المسيح. إنه لم يكن ينظر إلى الظروف في حد ذاتها، بل من زاوية علاقتها بالمسيح. لذلك فلم يتحدث عن نفسه باعتباره أسير روما، بل باعتباره ”أسير يسوع المسيح“ (أف3: 1)، واعتبر كذلك تلك القيود التي تكبل يديه هي ”وُثُقِه في المسيح“ (في1: 13). لم يتذمر الرسول على قيوده، ولكنه بالأحرى طلب من الله أن يستخدمها لتقدم الإنجيل بثلاث طرق: أولاً: أن هذه القيود منحت الرسول فرصة ثمينة للاتصال بغير المؤمنين. كان مُقيدًا بسلسلة فى حضور جندي روماني يتغير كل ست ساعات، ومن ثم استطاع أن يشهد لأربعة رجال غير مؤمنين يوميًا (على الأقل). ثانيًا: أن هذه القيود أتاحت للرسول الفرصة ليشهد لأولي الأمر في بلاط قيصر، الذين كان عليهم دراسة التعاليم المسيحية، ليقرروا ما إذا كان بولس مذنبًا أم لا. وثالثًا: أن هذه القيود شجعت المؤمنين «وأكثر الإخوة، وهم واثقون في الرب بوُثُقي، يجترئون أكثر على التكلُّم بالكلمة بلا خوفٍ» (في1: 14). 6- نحو الألم: «لأنه قد وُهب لكم لأجل المسيح لا أن تؤمنوا به فقط، بل أيضًا أن تتألموا لأجله» (في1: 29). عطيتان مباركتان ذُكرتا في هذه الآية: الأولى أن نؤمن بالمسيح، والثانية أن نتألم من أجل اسمه. وبالطبع ليس ثمة مشكلة على الإطلاق فيما يتعلق بالعطية الأولى، ولكن كم بيننا من يؤمن أن الآلام لأجل المسيح هي أيضًا عطية مباركة؟ إننا إذا عرفنا لماذا يسمح الله بالألم في حياة المؤمن لأصبح بوسعنا أن نفهم حقيقة أن الألم عطية إلهية مباركة. فعندما نواجه الظروف المضادة بروح الخضوع والحمد والشكر، فإن الله سيستخدم ذلك لتكون شهادة تمجّده، وتمجّد أولاده، وتؤدي إلى نموهم الروحي وتقدمهم، وتغيرهم أكثر فأكثر إلى شبه المسيح، وتجعلهم أكثر اشتراكًا في آلام المسيح، وتُلقيهم أكثر على شخصه، وتجعلهم يختبرون كفاية النعمة الإلهية. فإذا كان الألم يُنتج كل هذه الثمار المباركة، فهو بكل تأكيد عطية إلهية مباركة. 7- نحو الماضي والمستقبل: «ولكني أفعل شيئًا واحدًا: إذ أنا أنسى ما هو وراء، وامتد إلى ما هو قُدّام. أسعى نحو الغرض، لأجل جعالة دعوة الله العليا في المسيح يسوع» (في3: 13، 14). «أنسى ما هو وراء» لا تعني نسيان الخطايا والأخطاء الماضية، بل إنها ببساطة أن نكسر قوة الماضي بالعيشة لأجل المستقبل. نحن لا يمكننا تغيير الماضي، ولكن بإمكاننا أن ندعه يغيرنا إن كانت لنا النظرة الصحيحة، وتعلمنا الدرس منه. غير المؤمن قد يحكمه الماضي، ولكن المسيحي الحقيقي يركض في السباق وعيناه دائمًا مثبتتان على ماهو قدام، إلى المستقبل! ”ما هو وراء“ يُطرَح جانبًا، و ”ما هو قُدّام“ يأخذ مكانه اللائق به. بعض المؤمنين مُكبلُّون بأخطاء الماضي، فى حين أن البعض الآخر يزهو بنجاحات سابقة، وكلا الموقفين خطأ بالتأكيد. قال الرب يسوع: «ليس أحدٌ يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله» (لو9: 62). لقد شبَّه الرسول بولس الحياة المسيحية بالسباق الذي له هدف محدد. والمسيح في المجد هو الغرض الذي يضعه المؤمن في قلبه وهو يسعى إليه «ولنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا، ناظرين إلى رئيس الإيمان ومكمله يسوع» (عب12: 1، 2). وهكذا ينبغي أن تكون عين الإيمان مثبتة باستمرار على المسيح. أن ننظر إليه باستمرار، وبثقة، في خضوع، وفي توقع وانتظار لمجيئه القريب. لقد بدأنا بإشارة مختصرة إلى ثلاث كلمات تعد بمثابة ثلاثه مفاتيح لهذه الرسالة: المسيح ، والفرح ، والفكر. وإن كانت لنا هذه التوجهات الإيجابية السبعة، فإن أذهاننا ستتجدد، وفرحنا سيتزايد، وحياتنا ستُظهِر المسيح أكثر فأكثر للعالم المحيط بنا... فدعونا نبدأ من اليوم.
موريس بسالي