أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2016
يوسف يخدم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«يُوسُفُ إِذْ كَانَ ابْنَ سَبْعَ عَشَرَةَ سَنَةً، كَانَ يَرْعَى مَعَ إِخْوَتِهِ الْغَنَمَ (وكان يخدم)

وَهُوَ غُلاَمٌ عِنْدَ بَنِي بِلْهَةَ وَبَنِي زِلْفَةَ امْرَأَتَيْ أَبِيهِ، وَأَتَى يُوسُفُ بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ. وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ ... فَصَنَعَ لَهُ قَمِيصاً مُلَوَّنًا» (تك٣٧: ٢، ٣)

من بين كل تواريخ شخصيات العهد القديم، لا نجد صورة غنية مُعبّرة قريبة الشبه بالمسيح – تبارك اسمه – أكثر من حياة يوسف. فالشخصيات الأخرى قد تحكي اختبارات شخصية مُفصَّلة قد تعكس فشلاً بشريًا ومنها نتعلَّم دروسًا نافعة. ولكن ما أن نستعرض قصة حياة يوسف حتى نلمس أن الروح القدس يوّجه أنظارنا إلى أمجاد المسيح.

خدمته

تبدأ القصة بيوسف، ذي السبعة عشر ربيعًا، يرعى الغنم ويخدم مع إخوته. فالذي سيتمجد، لا بد أن يخدم أولاً. فالطريق إلى الرفعة لا بد وأن يجتاز أولاً في سبيل الخدمة. وفي هذا الصدد فإن الرب نفسه هو المثال الكامل الذي عمل بما علَّم به، فلاق به أن يقول: «أَنَا بَيْنَكُمْ كَالَّذِي يَخْدُمُ» (لو٢٢: ٢٧). ولأنه «أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ ... وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضًا، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ» (في٢: ٧-٩). وهكذا نجد في هذه الجزئية من القصة أنها ظل لشخص أعظم من يوسف.

رعايته

ولكننا نجد ملامح أخرى قريبة الشبه بالمسيح في تاريخ يوسف. فقد كان قائدًا للغنم قبلما أصبح قائدًا للناس. كما كان موسى قانعًا بأن يكون راعيًا للغنم لمدة أربعين سنة في ما وراء البرية، قبل أن يُصبح قائدًا لشعب الله في البرية. وكما قيل عن داود في المكتوب: «اخْتَارَ دَاوُدَ عَبْدَهُ، وَأَخَذَهُ مِنْ حَظَائِرِ الْغَنَمِ. مِنْ خَلْفِ الْمُرْضِعَاتِ أَتَى بِهِ، لِيَرْعَى يَعْقُوبَ شَعْبَهُ، وَإِسْرَائِيلَ مِيرَاثَهُ» (مز٧٨: ٧٠، ٧١).

وهكذا نجد أن هؤلاء القديسين عكسوا صورة راعي الخراف العظيم، ليس فقط في الاضطلاع بالخدمة، ولكن في طابع ونوعية الخدمة.

انفصاله

فخدمة يوسف مع إخوته لا تعني أنه كان مشاركًا في شرهم. فكخادم طائع كان قريبًا منهم. ولكنه كإنسان مستقيم كان منفصلاً عنهم بالكلية. فخدمته استحضرته ليكون في شركة مع الآخرين. ولكن طابع شخصيته جعله مختلفًا عن الآخرين. فكشف حضوره شرهم. حتى أنه استطاع أن يأتي «بِنَمِيمَتِهِمِ الرَّدِيئَةِ إِلَى أَبِيهِمْ». وهكذا كان الحال مع المسيح المُخلِّص العظيم. فنعمته استحضرته قريبًا جدًا مِن أعوازنا، ولكن قداسته حفظته منفصلاً تمامًا عن خطيتنا. فأعوازنا الماسَّة ونعمته غير المتناهية كرسته خادمًا يجول مُشبعًا حاجات الجماهير المكروبة. بينما خطيتنا إزاء قداسته جعلته غريبًا وحيدًا في الأرض. فكالخادم الكامل كان قريبًا من الكل، ولكنه كالقدوس، كان منفصلاً عن الكل. فخدمة محبته قادته إلى أكثر من بيت معوز، ولكن قداسته حرمته من بيت يسند فيه رأسه.

تفوقه وأفضليته

لئن كانت شخصية يوسف قد وضعته في مكانة متميزة عن سائر إخوته، فإن محبة أبيه دعمت هذه المكانة، فأضحى في مكانة أرفع مِنْ جميعهم حيث نقرأ: «وَأَمَّا إِسْرَائِيلُ فَأَحَبَّ يُوسُفَ أَكْثَرَ مِنْ سَائِرِ بَنِيهِ». ثم شهد يعقوب لمنزلته المتميزة، فصنع له قميصًا ملونًا؛ شهادة علنية لسرور الآب بالابن. وحالاً تنتقل أفكارنا من يوسف إلى المسيح وإلى المكانة الفريدة التي جعلته موضوع محبة الآب، الذي سُرَّ بالشهادة لابنه الذي وجد فيه سروره. فالأصحاح الذي يُخبرنا أنه «هَكَذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَالَمَ»، هو نفسه يُخبرنا أن «اَلآبُ يُحِبُّ الاِبْنَ» (يو٣: ١٦، ٣٥). ويُلاحظ أنه بصدد الكلام عن محبة الله للعالم يُعطي الوحي مقياسًا لها – ولئن كانت غير محدودة – ولكنه لا يذكر قياسًا، ولا يمكن أن يكون ثمة قياس، لمحبة الآب للابن.

هاملتون سميث