أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2018
قصة الآلم في سفر أيوب
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«قَدْ سَمِعْتُمْ بِصَبْرِ أَيُّوبَ وَرَأَيْتُمْ عَاقِبَةَ الرَّبِّ. لأَنَّ الرَّبَّ كَثِيرُ الرَّحْمَةِ وَرَؤُوفٌ» (يع٥: ١١)

قصة الألم قديمة قدم الزمان، لا سيما من الذين عرفوا الرب وأحكامه. ولا يُذكر الألم إلا ويذهب الفكر إلى أقدم سفر في الكتاب، ألا وهو سفر أيوب. وحسنًا قال أحد الأفاضل: ”إن ما يُصيب المؤمن من بلايا وآلام، لا يخرج عن كونه واحدًا من ثلاثة، أو تكون الثلاثة مجتمعة معًا، كما هو الحال مع صاحبنا المُبتلى. وبلغة العصر: ثلاثة في واحد. أولها تزكية للإيمان، وثانيها تأديب على عصيان، وثالثها حسدٌ مِن الشيطان“. ولقد حقق الله الحكيم قصده الثلاثي في هذا السفر؛ فقد دُحر الشيطان وخزى من بدايته، وأتى التأديب قصده وغايته، وتزكى الإيمان في نهايته.

وكما جاء في بداية السفر عن أيوب أنه «لَيْسَ مِثْلُهُ فِي الأَرْضِ. رَجُلٌ كَامِلٌ وَمُسْتَقِيمٌ، يَتَّقِي اللهَ وَيَحِيدُ عَنِ الشَّرِّ» (أي١: ٨)، جاء في نهاية السفر: «لأَنَّكُمْ لَمْ تَقُولُوا فِيَّ الصَّوَابَ كَعَبْدِي أَيُّوبَ» (أي٤٢: ٧). والذي لم يجد طوال السفر مَن يفهمه أو يرثي له أو يُصلي لأجله، نراه في آخر السفر يُصلي لأجل أصحابه. حقًا ما أجمل «عَاقِبَةَ الرَّبِّ»؛ إنه – له كل المجد - «الإِلَهُ الْحَكِيمُ وَحْدَهُ، لَهُ الْكَرَامَةُ وَالْمَجْدُ إِلَى دَهْرِ الدُّهُورِ. آمِينَ» (١تي١: ١٧).

حكاية تُروى مع الزمان ... أبطالها أربعةُ خلاّن

كبيرهم مَنْ رفل في نعمةٍ ... مع نسله يعيش باطمئنان

مِنْ خدم وحشم تخدمه ... مع كثرة الأملاك والقطعان

في كل هذا يخشى ربه ... وامتدت اليدان بالإحسان

في غفلة مِن زمنٍ ... دارت رحى الزمان

جاءت عليه شكاية ... مِن حسد الشيطان

يمثل في الأعالي ... يطلب باستئذان

يمسُّ كل ماله ... مِن سائر القطعان

ثم يمد اليد للبنات والصبيان ... 
وسمح الله له مِن بعد الاستئذان

وحمد صاحبنا للطمة الشيطان ... 
وقال قولة مؤمنٍ تُروى مع الزمان

الرب أعطى وأخذ ... فالشكر للمنان

***

لكنَّ ذاك المُشتكي ... قد زاد في الإمعان

يُريد مسَّ جسدٍ ... ذاب مِن الأحزان

وسمح الله له ... مِن بعد الاستئذان

وجلس صاحبنا ... يجتر للأحزان

وسمع أصحابه ... في سائر البلدان

***

”أَليفَازُ“ يدعو إليه الصحابا

أيا ”بِلْدَدُ“ أَسرع ... و”صُوفَرُ“ هيا

وجاء الصحاب ... وشدوا الركاب

فلما دنوا منه لم يعرفوه ... 
علا الصوت منهم وصار انتحابا

مِن البؤس واليأس لم يعرفوه ... 
بكوا وبكوا ثم شقوا الثيابا

مِن الحزن والغم ذابت قلوب ... 
ونحو السماء أهالوا الترابا

تمر الساعات بثقل الجبال ... 
وما أحدٌ يستطيع الجوابا

***

أخيرًا ...

تكلَّم أيوب بل سَبَّ يَوْمَهُ ... 
وليته ما نطق أو أجابا

وجاء أَليفَازُ يُبدي كلامًا ... 
وما قال حقًا ولا قد أصابا

ومِن بعده جاء بِلْدَدُ يحكي ... 
يُزيد المرار يُزيد العذابا

أرى الله لا يرفض الكاملين ... 
ديار الخطاة تصير خرابًا

وجاء صُوفَرُ يُدلي بدلوه ... 
يُسيء الكلام ويُبدي المعابا

عيون الخطاة ستتلف يومًا ... 
وثروتهم ستصير يبابًا

ويصرخ أيوب يا قوم كفُّوا ... 
كفاكم كلامًا كفاكم عذابًا

سحقتم نفسي بمرّ الكلام ... 
سحقتوني سحقًا فصرتُ ترابا

أقاربي قد خذلوني جميعًا ... 
وكل رجالي ولُّوا انقلابا

مضى الكل عني وراحوا بعيدًا ... ونعمتي زالت وصارت سرابًا

ورائحتي تزكم للأنوف ... 
وامرأتي لا تطيق اقترابا

طلبت المعونة عبدي طلبت ... 
وإياه أرجو فيأبى الجوابا

ترأفوا أنتم أيا أصدقائي ... 
وكفُّوا الكلام كفاكم عذابا

***

وكف الشيوخ وخيم صمتٌ ... 
وجاء أَلِيهُو يفيض شبابًا

لماذا تُخاصِم أيوبُ ربًا؟ ... 
لكل أموره تبغي جوابًا؟

كفاك كلامًا كثيرًا عليه ... 
له الأمر سَلِّمْ ستلقى الجوابا

***

وهنا تكلَّمت السماء

أجابه الرب خلال العاصفة ... 
مَنْ ذا الذي يحتج دون معرفه؟

مَن أسس الأرض وقاس قياسها ... 
يوم ترَنَّمت الملائكُ هاتفه؟

أين كنت حينما أصدرت أمري ... أخرجتُ تلك المياه من أراضٍ ناشفه؟

وأقمت للبحار مِن حدود راسخه ... 
تقف الأمواج دونها مِن بعيدٍ خائفه؟

يوم زينتُ السماء بالدراري ... 
والنجوم الكاشفة؟

***

عند ذا أيوب قال ... 
ليس عندي مِن جواب

إنما أنا حقير ... ما أنا إلا تراب

إنما نطقتُ لغوًا ... لم يكن فيه صواب

سابقًا سمعتُ عنك ... إنما الآن أراك

عفوك اللَّهم عفوًا ... اغمرني برضاك!

***

ثم عاد الرب يسأل ... 
هل لديك مِن جواب؟

هل تأملت النَّعامة ... هل راقبت العُقَاب؟

هل لديك مِن طعام ... 
تُعطي أفراخ الغراب؟

هل رأيت البحر يُولد ... 
في قِمَاط مِن سحاب؟

هل أمرت الطلّ يُمطر ... 
في خلاء أو خراب؟

هل خزنت الثلج يومًا ... 
أو حجزت بحجاب؟

هل حمار الوحش تركب ... 
بزمام وركاب؟

أو بثور الوحش تحرث ... 
أو تُمهد الهضاب؟

هل ”بَهيمُوث“ تقوت ... 
بطعام أو شراب؟

أو ”لَوِياثَان“ تصيد ... بإلال أو حراب؟

***

عند ذا أيوب قال ... 
ليس عندي مِن جواب

إنما أنا حقير ... ما أنا إلا تراب

إنما نطقتُ لغوًا ... ليس فيه مِن صواب

سابقًا سمعتُ عنكَ ... إنما الآن أراك

عفوك اللًّهم عفوًا ... اغمرني برضاك!

***

عند ذا السماء قالت ... هيا هيا يا صحاب

هيا ”أَليفَازُ“ هيا ... ما نطقتم مِن صواب

هيا يا ”صُوفَرُ“ هيا ... 
ليس ذا وقت العتاب

هيا يا ”بِلْدَدُ“ أسرع ... 
هيا هيا يا صحاب

اطلبوا صفح أخيكم ... هو عاد للصواب

اطلبوا لكمُ يُصلي ... فدعاه مُستجاب

سأردُ اليوم سبيَّه ... أُجزلُ له الثواب

وأردُّ له ضعفًا ... كل ما ضاع وغاب

باسمه يُكتَب سفرٌ ... 
عندي في أغلى كتاب

فخري وهبه