أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2007
المخلص العظيم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(تيطس 2: 13)

مخلص إسرائيل والعالم:

”الله هو المخلص لشعبه“، هذه حقيقة معروفة وثابتة. لقد كان هو مصدر الخلاص لإسرائيل في القديم، فكان عليهم أن يتعلموا كيف يثقوا في خلاصه الإلهي. لقد سبق ورأينا أنه عند الخروج من أرض مصر كيف أتم الله لهم الخلاص، ”خلاص الرب“ (خر 14 : 13). إن محبة الله الرعوية والمخلِّصة، التي في أوقات كثيرة خلصت إسرائيل من أيدي أعدائهم، يمكن تتبعها من خلال تاريخ شعب الله نفسه. فإذا رجعنا إلى سفر إشعياء مثلاً لوجدنا أن الله يُدعى ”مخلص شعبه“ في عدة مواضع مثل إشعياء 43: 3، 11؛ 45: 15، 21؛ 49: 26؛ 60: 16؛ 63: 8.

 ولكن ”خلاص الرب“ هذا لا يقتصر على الخلاص من ضغوط الأعداء من البشر. إن الله هو أيضًا المخلص الذي يخلِّص شعبه من قوى معادية أعظم تهدد الإنسان بشراسة، هي الشيطان والخطية والموت. فالله يخلص شعبه من كل نجاساتهم (حز 36: 29). إنه يفتح لهم ينابيع الخلاص (إش 12: 3)، ويُلبسهم ثياب الخلاص (إش 61: 10). وواضح من هذه النصوص أن كلمة ”خلاص“ لها معنى روحي عميق إذ تعنى ما هو أعمق من مجرد خلاص مؤقت.

 إن العهد الجديد يتمشى تمامًا مع هذا الفكر. فنجد البشير متى يشرح لنا معنى اسم ”يسوع“ بالقول: «وتدعو اسمه يسوع لأنه يخلص شعبه من خطاياهم» (مت 1: 21). إن اسم ”يسوع“ يعني ”الرب خلاص“. فواضح أن البشير هنا يربط الاسم بخلاص الله لشعبه من خطاياهم. إن المسيح هو المخلص الموعود به، الذي ولد في مدينة داود (لو 2: 11). كان زكريا النبي قد تنبأ عن دخوله المدينة عندما قال: «هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور» (أي ومعه الخلاص) (زك 9: 9).

 إلا أن عمل الرب يتضمن ما هو أبعد من ذلك، فالرب ليس فقط مخلص شعبه إسرائيل ولكنه هو أيضًا مخلص العالم. هذا ما أدركه أهل السامرة عندما شهدوا قائلين للمرأة السامرية: «نعلم أن هذا هو بالحقيقة ... مخلص العالم» (يو 4: 42). فمع أن الخلاص هو من اليهود (يو 4: 22)، إلا أنه ليس قاصرًا على اليهود. فنظرًا لأن المسيح قد رُفض من خاصته، لذا نراه مقدِمًا خلاص الله لكل من اليهود والأمم. لم يعد هناك الآن أي فرق، «إذ الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله». ولكن توجد أيضًا نعمة مجانية للجميع بالفداء الذي بيسوع المسيح، الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه. إنه هو ”كرسي الرحمة“ أو ”عرش النعمة“ الحقيقي حيث يجد الخطاة ملجأً لهم (رو 3: 23 – 25). إن الخلاص لا يوجد إلا فيه وحده إذ «ليس بأحد غيره الخلاص، لأن ليس اسم آخر تحت السماء قد أعطي بين الناس به ينبغي أن نخلص» (أع 4: 12؛ 5: 31؛ 13: 23).

 إننا كمؤمنين ننظر إلى الأمام منتظرين مجيء المسيح الثاني كالمخلص لنا، بينما في الوقت نفسه ننظر إلى الخلف، متمتعين بمشاهد تواضعه في مجيئه الأول. لقد شرح الرسول بولس ذلك في رسالته إلى تيطس بالقول: «منتظرين الرجاء المبارك، وظهور مجد الله العظيم، ومخلصنا يسوع المسيح، الذي بذل نفسه لأجلنا لكي يفدينا من كل إثم، ويطهر لنفسه شعبًا خاصًا غيورًا في أعمال حسنة» (تي 2: 13 – 14). المسيح سيجيء ثانية، ولكن ما هذا بالنسبة لنا؟! إنه مخلصنا الذي بذل نفسه لأجلنا. وفي الصليب يتضح إلى أي مدى ذهب المسيح ليحقق ذلك، ليفدينا من كل خطايانا. إننا قد وجدنا فيه خلاصًا كاملاً، تطهيرًا لكل خطايانا، وخلاصًا من سلطان الخطية. إنه فيه «قد ظهرت نعمة الله المخلصة لجميع الناس» (تي 2: 11). إننا، إذا اعترفنا بخطايانا وآمنا به، نستطيع أن نشهد بحق أنه فادينا ومخلصنا.

 مخلص الجسد

 إن المسيح في الوقت الحاضر هو أيضًا مخلص خاصته، إذ إننا محروسون به ونحن في طريقنا إلى السماء. وهذا لا يعني أن عمله الفدائي ليس كاملاً وتامًا، لأن هذا العمل قد كمل إذ إن ذبيحته كافية تمامًا ولا تحتاج إلى تكرار. فهو مات مرة لأجلنا، فوجد فداءً أبديًا (عب 9: 12؛ 10: 10 – 18). معنى ذلك أن لنا في السماء معين عظيم لا ينسى أبدًا خاصته، بل يشفع لأجلهم ليلاً ونهارًا. من أجل ذلك يُسمى المسيح أيضًا ”مخلص الجسد“ أي الكنيسة (أف 5: 23). إنه يعتني بجميع الذين هم له، الذين قد أصبحوا أعضاء جسده. إن الكنيسة هي غرض محبته الخاصة، وهو يوفر لها كل ما تحتاج إليه. كما أننا بنظرة شمولية نستطيع أن نرى هذه المحبة الإلهية وهي تمارس تجاه جميع الناس، إذ إن الله «هو مخلص جميع الناس ولا سيما المؤمنين» (1تي 4: 10).

 ولكن المسيح، من جهة أخرى، هو مخلصنا أيضًا في المستقبل. إننا الآن «بقوة الله محروسون بإيمان، لخلاص مستعد أن يعلن في الزمان الأخير» (1بط 1: 5). فالمسيح سيظهر في المستقبل كمخلص للجسد أيضًا بالمعنى الحرفي للكلمة. صحيح أننا ننتمي الآن للخليقة الجديدة، إلا أننا مع ذلك نعيش في الخليقة القديمة، الخاضعة للفساد بسبب سقوط آدم. إن كل الخليقة تئن وتتمخض معًا تحت لعنة الفساد، حتى أولاد الله أيضًا يئنون في أنفسهم. إنهم يتوقعون التبني فداء الأجساد (رو 8: 23). لهذا السبب سيظهر المسيح كالمخلص والفادي: «فإن سيرتنا نحن هي في السماوات التي منها أيضًا ننتظر مخلصًا هو الرب يسوع المسيح، الذي سيغيِّر شكل جسد تواضعنا، ليكون على صورة جسد مجده، بحسب عمل استطاعته أن يخضع لنفسه كل شيء» (في 3: 20 – 21). بناء على ذلك فإننا بمجيء الرب سنختبر أيضًا قوة قيامته جسديًا (1كو 15: 51 – 55، 1تس 4: 15 – 18). إننا ندين بخلاص أرواحنا ونفوسنا وأجسادنا له. فما أعظم مخلصنا الكريم !!

هوجو باوتر