أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2014
المسيح هو الباب
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
«أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ» (يو10: 9)

المناسبة التي أعطى فيها الرب هذا الحق الرائع هي فتح عيني المولود أعمى المذكورة في الأصحاح السابق (يو9)، حيث نقرأ عن الفريسيين أنهم أخرجوا هذا الإنسان خارج المجمع بسبب اعترافه بالمسيح له المجد. وقد كان الاعتراف القلبي الصادق بربنا يسوع المسيح، ولا يزال، في نظر الإنسان المُتكبر الساقط جريمة لا تُغتفر. وقول الرسول: «جَمِيعُ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَعِيشُوا بِالتَّقْوَى فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ يُضْطَهَدُونَ» (2تي3: 12) حق ومُشَاهد الآن كما كان في أيام الرسول الأمين.

وقد تنازل الرب وقابل هذا الإنسان الذي أخرجوه خارجًا، وأظهر له ذاته، ثم حوَّل الرب الحديث إلى العمى الروحي، حتى إن بعض الفريسيين اُستُثيروا بعمق لما سمعوا، فسألوا الرب قائلين: «أَلَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضاً عُمْيَانٌ؟»، وذلك لأن الرب يسوع قال: «لِدَيْنُونَةٍ أَتَيْتُ أَنَا إِلَى هَذَا الْعَالَمِ، حَتَّى يُبْصِرَ الَّذِينَ لاَ يُبْصِرُونَ، وَيَعْمَى الَّذِينَ يُبْصِرُونَ» (يو9: 39، 40). وفي هذا القول شهادة مهمة وحقيقة عملية، فالإنسان الذي يقر ويعترف بأنه أعمى، يقدر الله أن يجعله يُبصر، ولكن إن قال إنه بصير ومستنير، وفي استطاعته أن يُدرك دائمًا أمور الله، ويُميز الأمور المتخالفة، مثل هذا الإنسان لا بد وأن يتعلَّم – إن عاجلاً أو آجلاً – أنه في الواقع كان ولا يزال أعمى «الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ ... وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيًّا» (1كو2: 14).

وقد أثارت شهادة ربنا وأقواله الصريحة هؤلاء الفريسيين، لدرجة أنهم قالوا: «أَ لَعَلَّنَا نَحْنُ أَيْضًا عُمْيَانٌ؟». وبلا شك كانوا يعتقدون أنهم أعلى هيئة مُفكرة في جيلهم، ولا يُضارعهم أحد في معرفة الكتب المقدسة، فكيف يمكن إذًا أن يكونوا عميانًا؟! ولكن ماذا كانت إجابة ربنا، له كل المجد؟ «قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: لَوْ كُنْتُمْ عُمْيَانًا لَمَا كَانَتْ لَكُمْ خَطِيَّةٌ. وَلَكِنِ الآنَ تَقُولُونَ إِنَّنَا نُبْصِرُ، فَخَطِيَّتُكُمْ بَاقِيَةٌ» (يو9: 41). وبعبارة أخرى لو كانوا يشعرون أنهم في ظلام دامس، ويعترفون أنهم من الوجهة الروحية عميان أمام الله، لكانوا عرفوا نعمة الله القادرة أن تغفر لهم خطاياهم. ولكن بقولهم: «إِنَّنَا نُبْصِرُ» قد برهنوا على اكتفائهم الذاتي ورضاهم على حالتهم التي هم فيها، وعدم شعورهم بحاجتهم الشديدة. ومما لا نزاع فيه أن المرضى فقط هم الذين يحتاجون إلى طبيب، ولا يشتاق إنسان ما إلى فتح عينيه إلا بعد أن يشعر بأنه أعمى، وكذلك لا يطلب الإنسان غفران خطاياه إلا بعد أن يشعر أنه مذنب أثيم «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُولَدُ مِنْ فَوْقُ لاَ يَقْدِرُ أَنْ يَرَى مَلَكُوتَ اللهِ» (يو3: 3).

وقد استمر الرب في الأصحاح العاشر يُخاطب الفريسيين الذين بلغ بهم روح الادعاء شوطًا بعيدًا، فلم يزعموا فقط أنهم يُبصرون، بل أيضًا اتخذوا لأنفسهم مركز الراعي الذي له وحده حق قيادة ورعاية شعب الله. والسؤال المهم هو: كيف وصل هؤلاء إلى موقع الرعاة؟! هل كانوا أهلاً لهذا المركز الخطير؟! هل لهم مؤهلات إلهية أو بشرية؟! هل دعاهم الله؟! هل دخلوا من الباب إلى حظيرة الخراف؟ وبديهي أن الذي لا يدخل من الباب بل يتسلق ويطلع إلى الحظيرة بوسيلة ما، فذاك يكون سارقًا ولصًا. ويا له من حق خطير وفاحص! إن الراعي الحقيقي يدخل من الباب، والبواب يفتح له، والخراف تسمع صوته لأنها خرافه الخاصة المعروفة عنده بأسمائها، وبنفسه يُخرجها ويقودها. نعم، يُخرجها من دائرة الارتباطات السابقة، وطرق الضلال الأولى، بل يُخرجها من وسط كل ما يُهين اسم الله، من طريق العصيان الذي لا يُرضي الله، إلى طريق الإيمان والمحبة.

وقد أعلن ربنا المبارك، الراعي الصالح والحقيقي، عن نفسه أنه هو الباب، والطريق الوحيد للوصول إلى الله، والباب الوحيد لكل مَن يبتغي الحصول على الخلاص. لقد قال، وهو أصدق قائل: «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ». ومن هذا نرى أن الرب يسوع لم يهتم فقط بإقناع هؤلاء الفريسيين وإظهار عمى قلوبهم وريائهم، ولكنه فتح الباب على مصراعيه لكل راغب في الدخول إلى رعيته المباركة.

وما من شخص يسمع قول الرب يسوع هذا ويجوز له أن يمضي حزينًا كئيبًا قائلاً: ليس لي خلاص ولا أمل في الخلاص، وذلك لأن الرب يسوع صرّح قائلاً: «إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ (أيًا كان) فَيَخْلُصُ».

هل هناك ما هو أبسط من هذا؟! لا يحتاج الإنسان لعناء كثير ومجهود كبير ليدخل من الباب، إن هي إلا خطوة واحدة يخطوها الإنسان فيدخل، وما هي بالطريق الطويلة الوعرة، بل مجرد باب فقط يلجه الإنسان فيدخل دائرة الخلاص مع الخراف.

أيها القارئ العزيز: إن كنت إلى الآن خارج الباب، فإنك تحتاج إلى شيء واحد فقط به تدخل إلى حضرة الله. قال ربنا يسوع: «بِي»؛ ليس بالمشاعر ولا بالاختبارات ولا بالنوايا الحسنة ولا بالأعمال الصالحة، فهذه جميعها لا تُجدي نفعًا، لأن الخلاص بالمسيح الذي صُلب من أجل الخطاة، ولكنه الآن عن يمين الله «إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ». ويا لها من بركة عظيمة إذ يؤكد الرب بفمه الكريم قائلاً لكل مَن دخل به إلى حضرة الله: “لقد خلصت”. وهل يوجد أوضح أو أسهل من هذا؟

زارت مرة إحدى السيدات امرأة مريضة فقيرة، وأخبرتها عن يسوع الباب الوحيد الذي يؤدي إلى حضرة الله، وأنه الطريق والحق والحياة، وأن كل مَن يدخل به يخلُص. وعندما سمعت هذه المسكينة هذا القول الجميل، سألت: “هل يجوز لي أن أدخل بنفس هذه الطريقة؟” فأجابتها الأخت: نعم. وعندئذٍ قالت: “ولماذا لا أدخل الآن؟” وأدارت وجهها، ورفعت عينيها إلى السماء، وببساطة وثقت بقول الرب، ودخلت بيسوع المسيح، فامتلأت فرحًا وسلامًا.

ولاحظ أيضًا بساطة وعظم قيمة كلمات ربنا: «إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ». وبإزاء هذا التعميم العجيب ليس ثمة فائدة أن تقول إنك خاطئ جدًا وأول الخطاة، أو أنك متقدم في السن جدًا، أو حديث السن للغاية، أو أي شيء آخر تكونه. أنت «أَحَدٌ»، والله لا يُحابي بالوجوه، ولا يُعطي اعتبارًا للأشخاص، فالجميع أخطأوا، وكل إنسان تحت قصاص من الله، ومَن يؤمن لا يدان. والآن يقول الرب بحق: «إن دخل أحدٌ بالمسيح فيخلُص»، ولكن بعد قليل جدًا سيتم القول: «إِنْ كَانَ أَحَدٌ لاَ يُحِبُّ الرَّبَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ فَلْيَكُنْ أَنَاثِيمَا! مَارَانْ أَثَا»، أي ليكن ملعونًا عند مجيء الرب (1كو16: 22). الآن «لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو3: 16)، ولكن بعد قليل «كُلُّ مَنْ لَمْ يُوجَدْ مَكْتُوبًا فِي سِفْرِ الْحَيَاةِ طُرِحَ فِي بُحَيْرَةِ النَّارِ» (رؤ20: 15).

فهل عرفت أيها القارئ العزيز مقدار قيمة قبول ونوال هذا الخلاص العظيم؟ هل دخلت من الباب؟ هل اختبرت عظم لذة الشعور بالوجود في حضرة الله التي وَصَلت إليها بموت ربنا يسوع المسيح وقيامته وصعوده؟ فالمؤمن الحقيقي هو شخص قَبِلَ المسيح مُخلّصًا له، ودخل من الباب. فقد يعرف إنسان عن المسيح أنه الباب، ولكنه لا يدخل به، فما المنفعة؟ وما أعظم الفرق بين المعرفة والإيمان! فالإيمان يثق بالمسيح وبكل كلمة خرجت من فمه الطاهر، ويقود الإنسان إلى الدخول من الباب «إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ»، هذه شهادة الرب يسوع. وهل يوجد مكان للشك أو الخوف بعد أن تعرف أنك دخلت بالمسيح من الباب؟ كلا، لأنه يود أن يُخلِّص ويرحب بكل مَن يأتي إليه، وكل مَن يستريح على كلمته يتمتع بالسلام الكامل، ويجد راحة لنفسه في حضرته المقدسة.

إن الموقف الذي يتخذه المسيح الآن نحو العالم هو موقف المُخلِّص، ولكن بعد برهة وجيزة سيتخذ موقف الديان لكل الأرض، فكيف ينجو إذًا أي إنسان يُهمل خلاصًا هذا مقداره؟ هو سيدين الأحياء والأموات، ولكنه الآن يدعو جميع الخطاة ليدخلوا ويخلصوا، ولا يزال فاتحًا ذراعيه ليضم إلى صدره كل مَن يأتي إليه، ويمتعه بثمار محبته الغنية ورحمته الواسعة، وبقدرته العجيبة يختطف كثيرين من النار، وبمحبته الفائقة الإدراك والمعرفة ينادي قائلاً: «تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ، وَأَنَا أُرِيحُكُمْ» (مت11: 28). فكل ما يطلبه منك أن تأتي إليه بقلبك وتُسلم نفسك له ليُخلِّصك إلى التمام، وتدخل على أساس الفداء الذي أكمله على الصليب. فانظر “ألا تستعفي من المُتكلّم”، بل ليتك تستريح على عمله الكامل، فهل يجوز لك أن تلهو بغرور الخطية وتنعماتها الوقتية الباطلة، وبذلك تُغلق بيدك – بعدم إيمانك – باب النجاة الوحيد من الغضب الآتي؟

وشكرًا لله لأن الباب لا يزال مفتوحًا، والمسيح لا يزال يُخلّص إلى التمام جميع الذين يتقدمون به إلى الله. ولكن قريبًا سيُغلق الباب، وكثيرون عندئذٍ سيقرعون، ولكن سيكون الباب قد أغلق في وجوههم إلى الأبد. وكثيرون عندئذٍ سيهتمون بشأن مستقبلهم الأبدي، ولكن للأسف سيكون هذا بعد فوات الأوان. إنهم في سعيهم المحموم من أجل نفايات العالم تجاهلوا البركات الأبدية، وحسبوها غير ذات أهمية، وعندما شعروا بأنفسهم على حافة الظلمة الخارجية واليأس المؤدي إلى البكاء وصرير الأسنان، انتبهوا إلى الخطر المحدق بهم، ولكن بدون جدوى. وبعد أن ضاعت منهم إلى الأبد فرصة الإنقاذ والخلاص، سوف يقرعون ويصرخون ويولولون قائلين: «يَا رَبُّ، يَا رَبُّ! افْتَحْ لَنَا»، فيُجيبهم من الداخل: «لاَ أَعْرِفُكُمْ مِنْ أَيْنَ أَنْتُمْ!» (لو13: 25)، ويقضي عليهم بالطرح في قتام الظلام الأبدي. ففكر أيها القارئ العزيز مرة أخرى في كلمات الرب يسوع الحلوة: «أَنَا هُوَ الْبَابُ. إِنْ دَخَلَ بِي أَحَدٌ فَيَخْلُصُ».
هـنري هـ. سنل