أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2007
تأملات في عظمة ربنا يسوع المسيح الملك العظيم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(لوقا 1: 32)
ابن العلي

عندما بَشَّـر الملاك جبرائيل العذراء مريم بميلاد المخلص، استخدم عبارة «هذا يكون عظيمًا». ومن المفيد لنا دائمًا أن نضع في اعتبارنا عظمة المسيح، لأنه شخص فريد بالتأكيد.  كانت مريم امرأة مُنعَمٌ عليها، لأنها كانت هي الإناء الذي اختاره الله لمولد المسيا، إلا أن ابنها كان أعظم منها، لأنه حُبِلَ به فيها من الروح القدس (مت 1: 20)، ولذلك فقد قيل لها: «القدوس المولود منكِ يُدعى ابن الله» (لو 1: 35).

كان المسيح أيضاً أعظم من سابقه يوحنا المعمدان، الذي قيل عنه في هذا الأصحاح، أنه ”يكون عظيماً أمام الرب“ (لو 1: 15).  وكان يوحنا بالحقيقة نبيًا عظيمًا.  لقد شهد عنه الرب يسوع نفسه، «أنه – إلى أن جاء الرب يسوع متجسدًا – لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان» (مت 11:11؛ لو 7: 28).  علماً بأنه من الطبيعي أن عظمة السابق لا تُقَارن بمجد مَنْ أرسله.  وقد اعترف يوحنا بذلك صراحةً قائلاً لتلاميذه بأنه لم يزد عن أن يكون مجرد صديق العريس، وأنه يفرح لسماع صوته، وينبغي أن المسيح يزيد أما هو فينقص، لأن المسيح أتى من فوق، وهو فوق الجميع (يو 3: 28 – 31).

والآن ما هي الأمور التي تشكل عظمة سيدنا؟  ما الذي يجعله متفردًا هكذا؟  إننا بالطبع نستطيع أن نرى مجد الرب من عدة أوجه، ولكن الملاك يشير بالأخص إلى عظمته كالابن والملك «هذا يكون عظيمًا، وابن العلي يُدعى، ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لملكه نهاية» (لو 1: 32 و33).  لا يمكن مقارنة أحد به لأنه ابن العلي.  إن مجد المسيح كابن العلي يتمثل – قبل كل شيء – في سلطانه على كل الأشياء، فالله العلي هو خالق السماء والأرض، وهو المتسلط الأعلى (تك 14: 18-20؛ تث 32: 8؛ دا 4: 2 و3 و17 و34).  والمسيح، باعتباره ابن العلي، سيرث السلطان على كل شيء.  إن بُنوَّته تتمثل في سلطانه ومُلكه كما هو واضح في النصف الثاني من بشارة الملاك جبرائيل.

إن لقب ”ابن العلي“ أو ”ابن الله العلي“ لم يُذكَر إلا في الأناجيل فقط، أما في الرسائل فنجد ألقابًا أكثر أُلفة ومودة مثل ”ابنه الوحيد“ (1يو 4: 9) و ”ابن الآب“ (2يو 3) أو ”ابن محبته“ (كو 1: 13) وهذا يتناسب أكثر مع طبيعة الإعلان الكامل في العهد الجديد، حيث أُعلِنَ الله كالآب عن طريق ابنه المحبوب «الله لم يره أحد قط.  الابن الوحيد الذي هو في حضن الآب هو خَبَّر» (يو 1: 18). 

وباستثناء الآية موضوع تأملنا (لو 1: 32)، لم تُذكَر عبارة ”ابن العلي“ إلا في قصة شفاء الرجل الذي كان فيه شياطين في لوقا 8: 28؛ مرقس 5: 7 عندما اعترف الشيطان بسلطان المسيح الأعلى وصرخ وقال بصوت عظيم «مالي ولكَ يا يسوع ابن الله العلي؟  أطلب منك أن لا تعذبني!»  لأن المسيح كان قد أمَرَ الروح النجس أن يخرج منه.  فالمسيح حتى في أيام تواضعه هنا على الأرض، كان له السلطان على الشياطين. ويعلمنا الكتاب أنهم اعترفوا بهذا السلطان (انظر أيضًا أع 16: 16 – 18).
ولم يستخدم هذا اللقب بصيغة الجمع ”بني العلي“ إلا مرة واحدة فقط كوعد للتلاميذ كما ورد في لوقا 6: 35 «بل أحبوا أعداءكم، وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئًا، فيكون أجركم عظيمًا وتكونوا بني العلي، فإنه منعمٌ على غير الشاكرين والأشرار».  وبالتأكيد هنا ينصَّب على عناية الله العلي بخلائقه، حتى ولو كانوا منصرفين عنه.  ونحن باعتبارنا أولاد الله يجب علينا أن نتبعه وأن نُظهر طبيعته.

يجب أن لا نتذرع بالقول أن بُنوَّة المسيح هي بُنوَّة حتمًا فريدة، فمع أن المؤمنين هم الأبناء الكثيرين الذين سيأتي بهم إلى المجد، إلا أنه هو الابن، رئيس خلاصهم (عب 5: 9).  إننا كخلائقه تشاركنا في اللحم والدم، أما هو فقد اشترك فيهما (عب 2: 14).  لم تكن هذه هي حالته الطبيعية، لأنه كان في صورة الله (في 2: 6)، ولكن الكلمة الأزلي ”صار جسدًا وحلَّ بيننا“ (يو 1: 14).  لقد اشترك الخالق نفسه مع خليقته، وهذه هي معجزة التجسد، كما وصفها إنجيل لوقا بأسلوب مؤثر وبديع جدًا.  لقد وجد الله إرادته الصالحة ومسرته في الناس (لو 2: 14).  إن أوضح دليل على محبة ونعمة الله تجاه الإنسان، هو حقيقة أن ابن الله نفسه أصبح إنسانًا.  لقد حل وسار بيننا، وفي النهاية أخذ دينونتنا، التي كنا نستحقها بعدل.  لقد سار المسيح من المذود إلى الصليب، وهناك نراه مُعلقًا كابن الإنسان، حتى أن كل مَنْ يؤمن به لا يهلك، بل تكون له الحياة الأبدية.

تضمنت بشارة الملاك لمريم بميلاد يسوع سرَّ التجسد إذ قال لها: «الروح القدس يحل عليك، وقوة العلي تظللك، فلذلك أيضًا القدوس المولود منك يُدعى ابن الله» (لو 1: 35).  إن المسيح هو الله وهو إنسان في شخص واحد. لقد وُلِدَ من الله بطريقة فريدة، ولذلك فهو ابن الله، حتى وهو في ناسوته.  لقد وُلِدَ بقوة من الأعالي، ولذلك فقد سُميَّ بحق ابن العلي.  كم هو عظيم!  يا للعجب، لقد اقترب منا الله العلي!  كيف اتضع جدًا حتى نزل إلينا في ابنه يسوع المسيح ربنا!

ولا يكون لملكه نهاية
إن بُنوَّة المسيح هنا، كما قد رأينا من قبل، مرتبطة ارتباطًا خاصًا بمُلكه.  فهو له السيادة العليا باعتباره ابن العلي.  إننا في هذا الفصل نجد إشارة إلى فترة مُلكه العتيد بالقول: «ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه، ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد، ولا يكون لمُلكه نهاية» (لو 1: 32-33).  هذا ليس عرش الآب الذي يجلس عليه المسيح الآن عن يمين الله في السماء، ولكنه العرش الذي سيقيمه على الأرض بعد مجيئه الثاني (انظر رؤ 3: 21).  إنه عرش مجده كالمسيا وكابن الإنسان (مت 25: 31).  وستكون مدينة الملك العظيم، وهي أورشليم، مَركَز هذا المُلك، الذي سيمتد حتى يصل إلى أقاصي الأرض.  وسيُمجَد كابن داود العظيم، الذي هو أبوه بحسب الجسد (رو 1: 3)، وسيُعتَرَف به كرئيس السلام الحقيقي، الذي هو أعظم من سليمان بما لا يُقاس (مت 12: 42)، لأن ابن داود قد أثبت أنه هو نفسه ابن العلي أيضاً!

يُذَكرنا البعد النبوي لهذا العدد (لو 1: 32) بنبوات العهد القديم، وخاصة الواردة في سفري إشعياء وميخا.  لقد أشار هذان النبيان إلى لاهوت المسيّا الذي سيجلس على كرسي داود «لأنه يولد لنا ولد، ونعطى ابنًا، وتكون الرياسة على كتفه، ويُدعى اسمه عجيبًا مشيرًا إلهًا قديرًا أبًا أبديًا رئيس السلام» (إش 9: 6)؛ «أما أنتِ يا بيت لحم أفراته، وأنتِ صغيرة، أن تكوني بين ألوف يهوذا، فمنكِ يخرج لي الذي يكون متسلطًا على إسرائيل، ومخارجه منذ القديم، منذ أيام الأزل» (مي 5: 2).

واستطرد النبيان في الحديث عن عظمة حُكمُه الذي سيتميز بالعدل والسلام: «لنمو رياسته وللسلام لا نهاية على كرسي داود وعلى مملكته» (إش 9: 7) و «لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض، ويكون هذا سلامًا» (مي 5: 4).  ولذلك فإن هذين الجزئين يتحدثان في المقام الأول عن عظمة شخصه، ثم ثانيًا عن عَظَمة مُلكِه على الأرض.  إن المسيّا ليس هو إنسانًا فقط، الإنسان يسوع المسيح، بل هو أيضًا الله المبارك إلى الأبد، إنه الابن الأزلي، ”أنا هو“ العجيب.  لذلك لاق به أن يأخذ مُلكًا كونيًا، شاملاً وأبديًا، وهو ما يتناسب مع كرامته ومقامه!

ويبدو أن الكلمات «هذا يكون عظيمًا» الواردة في لوقا 1: 32 مُقتَبسَة حرفيًا من ميخا 5: 4 «لأنه الآن يتعظم إلى أقاصي الأرض».  إنه أعظم من داود ومن سليمان اللذين جاء من نسلهما بحسب الجسد.  إنه المَلِك الحقيقي والكاهن الحقيقي ”غُصن البرِّ الذي ينبت لداود“ (إر 23: 5، 15؛ زك 3: 8؛ 6: 12-13).  لقد فاق في عظمته كل الملوك الآخرين، حتى أن عظماء الأرض سيقدمون له الهدايا، وسيسجدون أمامه (انظر مزمور 72).

وإنه من الخطأ أن نُضفي الروحانية على هذه النظرة الأرضية، ونخلط بين تدبير النعمة الحالي ومُلك المسيح الألفي.  يجب أن يتضح في أذهاننا أن تعبيرات مثل ”كرسي داود“ (لو 1: 32) و”بيت يعقوب“ (لو 1: 33) هي كلمات لها مدلول مادي وحرفي بالنسبة لشعب الله الأرضي.  وعند تفسيرنا للكتاب يجب أن نربط بين هاتين الكلمتين وبين رجوع الشعب الأرضي في المستقبل، وإلا ستفقد هذه التعبيرات قوتها، ووعود الله بالبركة لشعبه الأرضي لن تُؤخَذ بجدية.  إن عرش داود هو العرش الذي سيُقام في أورشليم وهو ليس عرش الله في السماء، وبيت يعقوب هو ذرية البطريرك يعقوب الحرفية وليست الكنيسة ذات المنشأ والمآل السماوي وليس الأرضي، إذ أنها تتكون من جميع الذين وُلِدوا من فوق.

إن كنا نحب ظهور المسيح، فإننا سنبتهج أيضًا بهذه النظرة الأرضية لعظمته ومجده.  فإن ذلك الذي رُفِضَ من هذا العالم مرة، سيملك بالقوة، وسيتبع مجيئه سبت راحة لإسرائيل ولكل الشعوب أيضًا.  وفي الواقع الخليقة كلها ستُعتَق من عبودية الفساد إلى حرية مجد أولاد الله.  وستكون سيادة الرب واضحة لجميع الناس، وسيكون مُلكه تتميمًا لمُلك داود وسليمان النبوي، لأنهما بحسب ما جاء في أخبار الأيام الأولى 29: 23 جلسا ”على كرسي الرب“ في أورشليم.  إن الرب – الذي هو ”ملك عظيم“ (ملا 1: 14) سيملك في شخص ابنه، وسيكون بالحقيقة عظيمًا!

وبينما نتأمل هكذا في عظمة مُلك المسيح، لا نستطيع أن نُغفل ما قيل عن مردخاي في آخر سفر أستير، حيث نقرأ عن «عظمة مردخاي الذي عَظَّمَه الملك»، وأيضًا أنه كان «عظيمًا بين اليهود» (إس 10: 2، 3).  وكما أن مردخاي مَلَكَ في ذلك الوقت على كل العالم بالنيابة عن الملك أحشويروش، هكذا ينبغي أن يملُك الابن بنفسه بالنيابة عن الله الآب، حتى يضع كل أعدائه مَوطئًا لقدميه.  إن آخر عدو سيُبطَل هو الموت، وبعدها ستبدأ الحالة الأبدية، وسيُخضَع كل شيء لله، كي يكون الله الكل في الكل (1 كو 15: 24-28).

وأخيرًا يجب أن نسأل أنفسنا إلى أي مدى يتعظم المسيح في قلوبنا وحياتنا اليوم؟  حقًا سيكون عظيمًا، لا ريب في ذلك، فهو سيأخذ الكرامة التي يستحقها، لأن الآب سيُمَجِد ابنه أمام كل الخليقة.  ولكن يبقى السؤال الذي يجب علينا مواجهته، هل نحن نُمَجِّد المسيح الآن ونُعَظِّمَهُ في حياتنا؟  لقد جاهد الرسول بولس دائمًا ليُعَظِّم المسيح، وكانت رغبته المتأججة أنه «كما في كل حين، كذلك الآن، يتعظم المسيح في جسدي، سواء كان بحياة أم بموت» (في 1: 20)، ينبغي أن يتصوَّر المسيح فينا (غل 4: 19)، يجب أن يَرَى الناس حياته وصفاته فينا، وهذا هو التطبيق العملي لما جاء في لوقا 1: 32 بالنسبة لنا كمسيحيين.  هل سلطان هذا الملك العظيم، الذي سيملأ العالم قريبًا بالبرِّ، هو حقيقة حيَّة في حياتنا اليوم؟  هل نتمتع بسلامه؟  إن رئيس السلام الذي سيعلن سلامه على الأرض عن قريب، قادر أن يملأ قلوبنا وحياتنا بسلامه العجيب بقوة روحه القدوس الذي يعمل فينا.

هوجو باوتر