أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
الشكينة (سحابة المجد) ناشد حنا تفاصيل خيمة الاجتماع نجدها في سفر الخروج، وكان لا بد لها أن تكون في هذا السفر لأنه سفر الفداء. وعلى أساس الفداء يمكن الاقتراب إلى الله للعبادة. وبعد أن صار الشعب مفديًا بالدم، ومُحررًا من عبودية فرعون، ومنفصلاً لله في البرية، أمكن لله أن يقول لموسى: «فَيَصْنَعُونَ لِي مَقْدِسًا لأَسْكُنَ فِي وَسَطِهِمْ» (خر ٢٥: ٨). وخيمة الاجتماع ليست مؤسسة تاريخية مُخصصة لعبادة الله، ولكن لها أهمية خاصة تتضح مما يأتي: (١) الخيمة بكل تفصيلاتها كانت رمزًا لشخص الرب يسوع المسيح؛ الله الظاهر في الجسد. (٢) لم تكن الخيمة مجرد أشياء لها دلالاتها الحرفية فقط، بل يُخبرنا العهد الجديد صراحة بأنها كانت لها دلالات روحية «شِبْهَ السَّمَاوِيَّاتِ وَظِلَّهَا»، «أَمْثِلَةَ الأَشْيَاءِ الَّتِي فِي السَّمَاوَاتِ» (عب ٨: ٥؛ ٩: ٢٣). (٣) هناك علاقة وثيقة بين الحجاب وجسد المسيح؛ فعندما «صَرَخَ يَسُوعُ أَيْضًا بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ ... إِذَا حِجَابُ الْهَيْكَلِ قَدِ انْشَقَّ إِلَى اثْنَيْنِ، مِنْ فَوْقُ إِلَى أَسْفَلُ» (مت ٢٧: ٥٠، ٥١). (٤) يُعلن فيها الله ذاته لشعبه، ويكشف لهم عن صفاته وأمجاده، وذلك في رموز وظلال بديعة يتضح جمالها عندما يسطع عليها نور العهد الجديد. (٥) أفرد الوحي الإلهي ستة عشر أصحاحًا في سفر الخروج لتفصيلاتها، ونجد طقوسها وممارساتها في سفر اللاويين كله، وجزء من سفر العدد. وفي رسالة العبرانيين تفسيرات روحية لمشتملاتها. بينما نجد أن الوحي قد اكتفى بأقل من أصحاحين في بداءة سفر التكوين لتخبيرنا عن عمل الخليقة العظيم. فهل بعد هذا من دلالة على الأهمية التي لخيمة الاجتماع في نظر الله؟ وليس أغلى على قلب المؤمن من التأمل في أمجاد السيد، وكمال شخصه وعمله مثلما نراها في تفصيلات ذلك المسكن العجيب “خيمة الاجتماع”، الذي كان يحل فيه مجد الرب “الشكينة”. وهذا الكتاب يكشف لنا جوانب رائعة من الأمور المختصة به، وقد استخدم الرب في كتابته مُعلم ضليع؛ خادم الرب طيب الذكر/ ناشد حنا. وهو في 312 صفحة وسعره 30 جنيهًا الكتاب متوفر في مكتبة الإخوة نشجعك على اقتنائه وقراءته.
 
 
عدد مايو السنة 2021
نحميا رجل الصلاة ورجل العمل
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

لست أملك نسخة من موسوعة جنيس للأرقام القياسية، وبالتالي لست أعلم الرقم القياسي لأصغر صلاة رفعت إلى السماء. وعلى الأرجح لا يوجد سجل لهذا النوع من التسابق، ولكن إن وُجد فمن يا ترى سيفوز بالرقم القياسي؟ لقد سبق وقرأت عن مبشر مشهور كان يستهل خدمته الأسبوعية في الاجتماع بالصلاة: “يا رب ... إننا جميعًا هنا”. لكني أعتقد أن نحميا يتفوق على ذاك المبشر بصلاته التي سنرجع إليها بعد لحظات.

كان نحميا واحدًا مِن الأمة اليهودية، ومِن الذين وجدوا أنفسهم مسبيين في بابل، إلا أنه ترقى إلى منصب هام في بلاط الملك أرتحشستا، فكان ساقيًا للملك.

وحوالي السنة ٥٥٠ ق. م. رجع عدد كبير من اليهود المسبيين، بمرسوم ملكي من الملك كورش، إلى أورشليم بقيادة زربابل، لإعادة بناء الهيكل. وبعد ٩٠ سنة سُمح لنحميا أن يعود، بصحبة جماعة صغيرة، لإعادة بناء سور أورشليم، وكان عمره وقتئذ ٨٠ سنة. وقبل ذلك بحوالي ١٣ عامًا كان قد صعد عزرا الكاتب لينضم إلى زربابل. إن الوحي لا يُعطينا تاريخ وأوقات هذه الأحداث بالضبط، لكنى أعتقد أنه بالرجوع إلى التاريخ الوضعي سيتضح مدى صحة الأرقام التي ذكرتها.

ومن المفيد أن نذكر أن عودة نحميا تُميز بداية الـ ٧٠ أسبوعًا التي نقرأ عنها في دانيال ٩: ٢٥. لقد سمح أرتحشستا بإعادة بناء سور أورشليم: بينما سمح كورش بمهمة بناء الهيكل. وسفر نحميا تاريخيًا هو تقريبًا آخر أسفار العهد القديم، باستثناء سفر ملاخي الذي كُتب بعد ذلك ببضع سنوات. إذًا فنحن نجد وصفًا لحالة الأمة الإسرائيلية قُبيل مجيء الرب يسوع المسيح. وبالمثل نحن نعيش في الأيام الأخيرة التي تسبق المجيء الثاني لربنا المبارك، فبلا شك أن لنا دروسًا لنتعلَّمها مِن التأمل في هذا السفر، وبالذات من حياة الشخصية الأكثر بروزًا فيه.

لنلاحظ بعض المشابهات الجزئية بين نحميا رجل الله الأمين، وبين كونه واحدًا من الأمة التي - بالرغم من كونها شعب الله - إلا أنها كانت مسبية بسبب خطاياها، فنطق الرب عليهم بالحكم: «لُوعَمِّي ... لَسْتُمْ شَعْبِي وَأَنَا لاَ أَكُونُ لَكُمْ» (هو ١: ٩). لقد أسلمهم الله إلى أعدائهم، إذ كانوا غير مستحقين للرب بالمرة. ولكن ماذا عنا نحن؟! إننا أعضاء في كنيسة الله، ولكن هل نحن بالفعل تلاميذ مُخلصين لربنا يسوع المسيح؟ ألا نرى الكنيسة، التي مات المسيح لأجلها، وقد أضحت أشلاء بسبب الهجر الجماعي للحق، وطغيان الفتور، ليتحقق وصف كنيسة لاودكية (رؤ ٣).

لماذا بدأ نحميا في العمل؟

الآن دعونا نفحص الظروف التي دفعت نحميا ليباشر عمله العظيم لله. لقد كان في قصر شوشن عندما رجع “حَنَانِي” - وَاحِدٌ مِنْ إِخْوَتِه - من أورشليم مؤخرًا، وأخبره أن اليهود الذين عادوا من السبي إلى أورشليم «هُمْ فِي شَرّ عَظِيمٍ وَعَارٍ. وَسُورُ أُورُشَلِيمَ مُنْهَدِمٌ، وَأَبْوَابُهَا مَحْرُوقَةٌ بِالنَّارِ»، مما أحزنه جدًا، فاتجه إلى الله في أول صلاة نقرأها في هذا السفر، طالبًا بلجاجة أن يسمع الرب إله السماء صلاته، واعترف بخطايا شعبه. لكن من الجدير بالذكر أنه يقول في هذا الاعتراف «أَخْطَأْنَا ... لَقَدْ أَفْسَدْنَا أَمَامَكَ، وَلَمْ نَحْفَظِ الْوَصَايَا وَالْفَرَائِضَ وَالأَحْكَامَ الَّتِي أَمَرْتَ بِهَا مُوسَى عَبْدَكَ» (نح ١: ٦، ٧). لقد قدم اعترافًا، يتضمن جميع الشعب، لكنه أتحد نفسه بهم في الاعتراف بالخطأ. ثم نقرأ عنه أنه واصل مهامه كساقي الملك.

وفي أحد الأيام، أثناء ممارسته لعمله، لاحظ الملك أن نحميا مُكْمَدٌ، فسأله عن السبب، فأخبره نحميا عن حالة الأمور في مدينته أورشليم. وفي الحال استشعر الملك أن عليه ضرورة فعل شيء حيال ذلك، فسأله عن طلبه. هنا صلى نحميا الصلاة المختصرة التي سبق وأشرنا إليها، فقد سجل الوحي عنه: «فَصَلَّيْتُ إِلَى إِلهِ السَّمَاءِ، وَقُلْتُ لِلْمَلِكِ» (نح ٢: ٤، ٥).

من الواضح أن الله قد سبق وسمع صلاته الأولى، وحرك الملك ليُعطيه فرصة ليفعل شيئًا تجاه هذا الأمر، لكن بالرغم مِن حقيقة أن الحاجة كانت إلى جواب لحظي، إلا أن نحميا علم أنه بحاجة إلى إرشاد الله، لذلك أطلق صلاة عاجلة إلى السماء، قبل أن يُجاوب الملك. إن اتساع طلبه كما هو مدون في أصحاح ٢ يُثبت أنه كان رجل إيمان، فهو لم يسأل فقط أن يُعطَى تصريحًا ليعود إلى أورشليم ليبني المدينة، لكنه طلب رسائل إلى ولاة عبر النهر ليُجيزوه في المناطق التي يجب أن يعبر منها، ورسالة إلى آساف حارس فردوس الملك لكي يُعطَى أخشابًا ليتمم العمل فنقرأ: «فَأَعْطَانِي الْمَلِكُ حَسَبَ يَدِ إِلهِي الصَّالِحَةِ عَلَيَّ» (نح ٢: ٨).

وبذلك وفي هذه الأعداد القليلة من كلمة الله، يُقدم لنا الوحي المقدس هذا الرجل الأمين لله، الذي تحقق – بالصلاة - من دائرة خدمته، ولم يُهدّر وقتًا ليشرع فيما يجب القيام به، بل كان على اتصال دائم بالسماء ليعرف خط تحركه التالي، لذلك نقرأ في عدد ٩ أن نحميا وصل إلى عبر النهر، وفي عدد ١١ أنه جاء إلى أورشليم. لكن روح الله لم يشر إلى الترتيبات التي لا بد وأن يكون قد اتخذها لرحلته، وبلا شك أنه علينا أن نتعلَّم من هذا أنه عندما نأخذ إرسالية من الرب، علينا أن نبدأ فيها فورًا، ودون تأجيل، مع الحرص على الاحتفاظ بالاتصال بالسَيِّد الرب بالصلاة. ثم بدأ نحميا في عدد ١٢ يفحص السور بلا تباهي، وبلا أية محاولات للفت الأنظار إليه، إذ ذهب ليلاً بصحبة رجال قليلين، وسرعان ما اكتشف أن الحالة مُتردية ومُحبِطة، لكن بالرغم من ذلك نقرأ أن القرار النهائي لنحميا ومن معه كان «لِنَقُمْ وَلْنَبْنِ» (نح ٢: ١٨).

خط سير العملٍ

وفى الأصحاح الثالث نجده يشرع في العمل، وإني مُتيقن أن هناك الكثير مِن التحريضات التي نجدها في هذا الأصحاح، لخادم الرب اليوم. دعونا نتذكر ما كان يعمله نحميا. لقد كان يُرمّم سور مدينة الله أورشليم، وبهذا العمل كان يُؤمِّن الساكنين بالداخل، إذ كثر الأعداء خارجها، وهم يطلبون أن يؤذوا شعب الله، وشهادة الله. ونحن أيضًا نعيش في أيام صعبة، يُهاجِم فيها الشيطان أولاد الله، مُحاولاً إطفاء الشهادة التي عليهم أن يُتمِّمُوها للرب. فقط لنتفكر في الهجوم على الكتاب المقدس، والتشكيك في الوحي الإلهي، حتى من أولئك الذين - بسبب مناصبهم الدينية - كان عليهم الدفاع عن الحق الإلهي. تطلع إلى الكنيسة - جسد المسيح الواحد وبيت الله - وقد انقسم مئات المرات، بل والانقسامات تتوالى وتتزايد من أسبوع إلى أسبوع. ولنتفكر في هجوم الشيطان على ترتيب الزواج الذي أسسه الله، بل حتى في هذا الأمر نجد الشيطان وقد نجح في ذلك وسط جماعة المسيحيين.

ترميم أسوار أورشليم:

ما هي خطة عمل نحميا في ترميم السور؟ دعونا نتأمل بعضًا من الأفعال المُعينة التي فعلها مَن رمَّموا السور. فمثلاً نقرأ في نحميا ٣: ١، ٣ أن هناك مَن أقاموا المصاريع، وهناك مَن لم يُقيموا المصاريع فحسب، بل أيضًا الأقفال والعوارض. ومِن ضمن التقوعيين كان هناك عظماء «لَمْ يُدْخِلُوا أَعْنَاقَهُمْ فِي عَمَلِ سَيِّدِهِمْ» (نح ٣: ٥). ثم نقرأ أن ”يَدَايَا بْنُ حَرُومَافَ“ رمَّم الجزء من السور الذي كان مقابل بيته (ع ١٠)، وبالتباين مع ”يَدَايَا“ رمم ”مَشُلاَّمُ بْنُ بَرَخْيَا“ مقابل مخدعه (ع ٣٠). يبدو أن مسكنه كان صغيرًا، وليس بيتًا كبيرًا، وبالتالي كانت دائرة مسؤوليته أصغر، إلا أنه وُجد أمينًا فيها. كما أن بنات “شَلُّومُ بْنُ هَلُّوحِيشَ رَئِيسُ نِصْفِ دَائِرَةِ أُورُشَلِيمَ” ساعدنه في العمل الذي قام به (ع١٢). وهناك الكثير من التفاصيل التي أُفردت في هذا الأصحاح، وهي بلا شك جديرة بدراسة أكثر تفصيل، لكن مِن الملاحظات القليلة التي أوردناها يُمكننا أن نرى تطابقها مع حقيقتنا الروحية، وحالة أسرنا وبيوتنا، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، أو حتى كمُذكّر لنا بأن للنساء دورًا مسؤولاً في الكنيسة المحلية. وكما سبق وذكرنا أن الغرض من السور هو الانفصال عن الشر، بالطاعة الكاملة لكلمة الله، وهذا ما شجعه نحميا، وهكذا يجب أن تكون مسؤوليتنا نحن اليوم.

مقاومة عمل الرب

يُمكنك التأكد مِن أنك إذا انشغلت بعمل حقيقي للرب، فإنك سرعان ما ستواجه المقاومة. ولم يدم الوقت طويلاً حتى وقع نحميا تحت طائلة الهجوم. إن أول سلاح استخدمه العدو ضده هو السخرية والتهكم «مَاذَا يَعْمَلُ الْيَهُودُ الضُّعَفَاءُ؟ هَلْ يَتْرُكُونَهُمْ؟ هَلْ يَذْبَحُونَ؟ هَلْ يُكْمِلُونَ فِي يَوْمٍ؟ هَلْ يُحْيُونَ الْحِجَارَةَ مِنْ كُوَمِ التُّرَابِ وَهِيَ مُحْرَقَةٌ» (نح ٤: ٢).

لكن كان نحميا يمتلك سلاحًا أكثر فتكًا مِن السخرية والتهكم؛ لقد رجع في الحال إلى الله بالصلاة، بينما العمل يسير على قدم وساقٍ. فالتفت الشيطان إلى سلاحه الثاني، وهو العداوة الحقيقية السافرة، وتآمر العدو على محاربة أورشليم وتعطيل العمل «وَتَآمَرُوا جَمِيعُهُمْ مَعًا أَنْ يَأْتُوا وَيُحَارِبُوا أُورُشَلِيمَ وَيَعْمَلُوا بِهَا ضَرَرًا» (نح ٤: ٨)، ولكننا نقرأ أيضًا أن نحميا صلى لإلهه، وكرجل الأفعال أقام مراقبة للعدو «فَصَلَّيْنَا إِلَى إِلهِنَا وَأَقَمْنَا حُرَّاسًا ضِدَّهُمْ نَهَارًا وَلَيْلاً بِسَبَبِهِمْ» (ع ٩)، وهذا أيضًا مُطابق لما كان على الكنيسة الأولى أن تواجهه. فالثلاثة أصحاحات الأولى من سفر أعمال الرسل هي أصحاحات تُسجَّل البركة التي تلت تكوين الكنيسة، لكننا نقرأ في الأصحاح الرابع عن المقاومة التي واجهتهم، وكيف استجلب التلاميذ الأوائل المعونات الإلهية لهم بالصلاة.

إن الأعداد الأخيرة مِن هذا الأصحاح تتحدث عن استجابة الله (نح ٤). وأما نحميا فلم يكن عليه أن يواجه الهجوم الخارجي فقط، بل أيضًا مِن الإخوة في الداخل. ففي أصحاح ٤ أُحبِط يهوذا، وبدأ في التذمر «وَقَالَ يَهُوذَا: قَدْ ضَعُفَتْ قُوَّةُ الْحَمَّالِينَ، وَالتُّرَابُ كَثِيرٌ، وَنَحْنُ لاَ نَقْدِرُ أَنْ نَبْنِيَ السُّورَ» (نح ٤: ١٠). وفي أصحاح ٥ أثقل اليهود الأغنياء كاهل إخوتهم الأقل غنى منهم، بإقراضهم ثم مطالبتهم بالربا (نح ٥: ٦)، الأمر الذى أحزن نحميا، لكنه كان قائدًا حقيقيًا ورجل عمل. ففي الحالة الأولى رتب رجال العمل والجهاد، وسلَّحهم “بالرِّمَاح وَالأَتْرَاسَ وَالْقِسِيَّ وَالدُّرُوعَ”، والتفت كل الشعب إلى السور؛ كل إلى عمله فشجعهم قائلاً: «اذْكُرُوا السَّيِّدَ الْعَظِيمَ الْمَرْهُوبَ» (نح ٤: ١٤)، «إِلهُنَا يُحَارِبُ عَنَّا» (نح ٤: ٢٠). وهكذا يُحرضنا الرسول بولس: «عَزُّوا بَعْضُكُمْ بَعْضًا وَابْنُوا أَحَدُكُمُ الآخَرَ» (١تس ٥: ١١). وأما في الحالة الأخيرة فقد أظهر نحميا اهتمامًا حقيقيًا بضيق إخوته، لأنهم كانوا جميعًا أبناء إبراهيم، وبالإضافة إلى ذلك كان هناك عدم طاعة سافرة من جانب أولئك اليهود الأغنياء تجاه إخوتهم الأفقر، لأن تصرفاتهم كانت انتهاكًا واضحًا للناموس، وما هو مسجل فيه في تثنية ١٥: ٧، ٨؛ ٢٣: ١٩.

لقد وبخ نحميا المُبتزين بجدية، وجعلهم يردوا ما أخذوه بدون وجه حق من إخوتهم الفقراء. وإحقاقًا للحق لا بد أن نقول إن اليهود الأغنياء أبدوا استعدادًا للموافقة. ولنا في العهد الجديد مقطعًا مناسبًا يحوي موضوعًا مشابهًا لكن بمبادئ مسيحية، وهو يعقوب ٢: ١- ٣. إننا نجد نحميا في كل من أصحاحي ٤، ٥ وحيدًا جدًا في خدمته لله، حتى أنه يقول في أصحاح ٥: ٧ «فَشَاوَرْتُ قَلْبِي فِيَّ»، إذ يبدو أنه حتى مُشيريه كانوا مِن ضمن المُبتزين لإخوتهم، فانفرد نحميا بالله، وبلا شك أن هذا وضع مبارك، عندما نجد أنفسنا في ظروف مماثلة لتلك.

وكرجل العمل والجهاد قدم لنا مثالاً راقيًا لأنه بعد أن عُيّن واليًا رفض أن يقبل امتيازات هذا المنصب، وعال نفسه، وليس نفسه فقط بل أيضًا ١٥٠ رجلاً من اليهود والسعاة، إلى جانب مَن أتى إليهم مِن الأمم الذين حولهم (نح ٥: ١٤-١٩). وكذلك حرَّض بولس أهل كورنثوس قائلاً: «كُونُوا مُتَمَثِّلِينَ بِي كَمَا أَنَا أَيْضًا بِالْمَسِيحِ» (١كو ١١: ١). وأما إشعياء الذي كتب قبل كل من نحميا وبولس فقال: «اِغْتَسِلُوا. تَنَقَّوْا. اعْزِلُوا شَرَّ أَفْعَالِكُمْ مِنْ أَمَامِ عَيْنَيَّ. كُفُّوا عَنْ فِعْلِ الشَّرِّ. تَعَلَّمُوا فَعْلَ الْخَيْرِ. اطْلُبُوا الْحَقَّ. انْصِفُوا الْمَظْلُومَ. اقْضُوا لِلْيَتِيمِ. حَامُوا عَنِ الأَرْمَلَةِ» (إش ١: ١٦، ١٧).

ست محاولات لإعاقة العمل

إننا نقرأ عن ست محاولات للعدو ليعطل عمل الله: (١) نجد في أصحاح ٢: ١٩ السخرية والهزء والاحتقار. (٢) وفى أصحاح ٤: ٢ مزيدًا من السخرية. (٣) في أصحاح ٤: ٨ التآمر. (٤) وفي أصحاح ٤: ١٠ إحباط من الإخوة. (٥) وفي أصحاح ٦: ٢، ٤ أربع محاولات بالحيلة ليتوقف العمل. (٦) وفي أصحاح ٦: ٥، ٦ اتهام زور. فكان رد نحميا: «إِنِّي أَنَا عَامِلٌ عَمَلاً عَظِيمًا فَلاَ أَقْدِرُ أَنْ أَنْزِلَ. لِمَاذَا يَبْطُلُ الْعَمَلُ بَيْنَمَا أَتْرُكُهُ وَأَنْزِلُ إِلَيْكُمَا؟» (نح ٦: ٣). لقد كان لديه تقدير للمهمة التي بيديه، لأن مجد الله كان متضمنًا بها. هذا هو رجل الصلاة والعمل. يا له من مثال لنا جميعًا! ثم نقرأ في أصحاح ٦: ١٥، ١٦ أن السور كمل في ٥٢ يومًا، وعلاوة على ذلك كان على العدو أن يعترف أن هذا عمل الله. هل الله الآن أقل قدرة عما كان عليه في أيام نحميا؟

يقظة نحميا

في الأصحاح السابع نجد المزيد من الأدلة على كون نحميا مثالاً لرجل العمل والجهاد. ففي العدد الأول يقول نحميا: «بُنِيَ السُّورُ، وَأَقَمْتُ الْمَصَارِيعَ، وَتَرَتَّبَ الْبَوَّابُونَ وَالْمُغَنُّونَ وَاللاَّوِيُّونَ». ومثل هذه المقاطع تبين لنا اليقظة التي أظهرها نحميا في تتميم عمل الله الذي أوكله إليه، ليس فقط في الأمور الزمنية، بل أيضًا في الأمور الروحية. لقد كان البوابون مسؤولين عن الداخلين إلى الهيكل، وكان المغنون هم مَن قادوا خدمة الترنيم في الهيكل، كما هو مدون في ١أخبار ٦: ٣١، ٣٢. بينما كانت مهمة اللاويين هي المساعدة في الأعمال المختلفة في الهيكل، لكنه علم أيضًا أن الإدارة السليمة ضرورية للمدينة، لذلك عيَّن “حَنَانِيَ” أخيه ليكون عليها، وهو رجل ذو مؤهلات ممتازة «لأَنَّهُ كَانَ رَجُلاً أَمِينًا يَخَافُ اللهَ أَكْثَرَ مِنْ كَثِيرِينَ» (نح ٧: ٢). وفى عدد ٥ يُسجل نحميا «فَأَلْهَمَنِي إِلهِي أَنْ أَجْمَعَ الْعُظَمَاءَ وَالْوُلاَةَ وَالشَّعْبَ لأَجْلِ الانْتِسَابِ». إن الطريقة التي كان يُخاطب بها نحميا الله لهي دليل على القرب من يهوه. لقد فُحصت كل الأنساب حسب الأصول، وكُتِّب سفر دقيق عن أولئك الكهنة واللاويين واَلنَّثِينِيمُ وبنو عبيد سليمان الراجعين من بابل. واَلنَّثِينِيمُ - والاسم يعني ”عطَية الله” - يبدو أنهم كانوا خدامًا تابعين في الهيكل، وربما كانوا سليلي الجبعونيين الذين قال لهم يشوع: «لاَ يَنْقَطِعُ مِنْكُمُ الْعَبِيدُ وَمُحْتَطِبُو الْحَطَبِ وَمُسْتَقُو الْمَاءِ لِبَيْتِ إِلهِي» (يش ٩: ٢٣). وأما المعلومات عن بني عبيد سليمان فهي أندر، لكن الأعداد الواردة في ١ملوك ٩: ١٩-٢١ يمكن أن تلقى عليهم بعض النور. أما الأموريون والحثيون وغيرهم فقد جعل عليهم سليمان تسخير عبيد إلى هذا اليوم، وكذلك كل أسماء الشعب الراجعين من بابل سُجلت. إني أعتقد أن الدرس الرئيسي الذي يُمكننا نحن المسيحيون أن نتعلَّمه من هذا الأصحاح موجود في الأعداد ٦٣-٦٥ فنحن نتعلم من هنا أن الكهنة الذين لم يستطيعوا أن يُبينوا أنسابهم قد رُذلوا من الكهنوت، لأن الهيكل هو بيت الله، ومزمور ٩٣: ٥ يقول «بِبَيْتِكَ تَلِيقُ الْقَدَاسَةُ يَا رَبُّ إِلَى طُولِ الأَيَّامِ». فكل مَن خدموا الرب ككهنة، كان لا بد أن تكون سجلاتهم خالية مِن الخطأ، وهكذا يجب اليوم أيضًا. فالكنيسة اليوم مكونة من التلاميذ الحقيقيين لربنا يسوع المسيح، الذين طُهروا من خطاياهم بدمه الكريم، وهم مَن جُعلوا كهنة (١بط ٢: ٥)، لكن كم عددهم، من يتواجدون اليوم، من أسبوع إلى أسبوع، في أماكن عبادتهم، مُقدمين ذبائح حمدهم، ظاهريًا فقط، وهم لا يعرفون شيئًا عن الذبيحة الكفارية الكاملة الكافية، لابن الله!

الاستماع إلى كلمة الله

من الأصحاح الثامن إلى نهاية السفر يتضاءل ظهور نحميا، ليتقدم عزرا الكاتب إلى المقدمة. وبما أننا مشغولون أساسًا بالأول، فسأذكر مجرد الأمور المهمة التي وردت في هذا الجزء. إن الحدث الأول، وربما الأهم، هو تجمع الشعب للاستماع إلى كلمة الرب التي قرأها عزرا، وعندما فُتح السفر «وَقَفَ كُلُّ الشَّعْبِ. وَبَارَكَ عَزْرَا الرَّبَّ الإِلهَ الْعَظِيمَ. وَأَجَابَ جَمِيعُ الشَّعْبِ: آمِينَ، آمِينَ! رَافِعِينَ أَيْدِيَهُمْ، وَخَرُّوا وَسَجَدُوا لِلرَّبِّ عَلَى وُجُوهِهِمْ إِلَى الأَرْضِ» (نح ٨: ٦). ثم قيل لنا أيضًا أن السفر قُرأ ببيان، وأن الشعب استطاع فهم القراءة. هنا نجد مبادئ واضحة للنهضة اليوم، وهي ذات صلة وثيقة بتلك التي كانت في أيام نحميا وعزرا. لقد أعادوا الاحتفال بعيد المظال، فكان وقت لكل من الفرح، وأيضًا للصوم والتوبة والاعتراف، ثم قطعوا ميثاقًا مع يهوه واعدين إياه بالولاء له. وبالرغم من أن الذين ختموا هذا العهد هم الكهنة واللاويين وبعض من أصحاب المناصب العليا (نح١٠: ١-٢٧)، إلا أنه ذكر أيضًا بالتحديد أن «بَاقِي الشَّعْبِ وَالْكَهَنَةِ وَاللاَّوِيِّينَ وَالْبَوَّابِينَ وَالْمُغَنِّينَ وَالنَّثِينِيمَ، وَكُلِّ الَّذِينَ انْفَصَلُوا مِنْ شُعُوبِ الأَرَاضِي إِلَى شَرِيعَةِ اللهِ، وَنِسَائِهِمْ وَبَنِيهِمْ وَبَنَاتِهِمْ، كُلِّ أَصْحَابِ الْمَعْرِفَةِ وَالْفَهْمِ، لَصِقُوا بِإِخْوَتِهِمْ وَعُظَمَائِهِمْ وَدَخَلُوا فِي قَسَمٍ وَحِلْفٍ أَنْ يَسِيرُوا فِي شَرِيعَةِ اللهِ الَّتِي أُعْطِيَتْ عَنْ يَدِ مُوسَى عَبْدِ اللهِ، وَأَنْ يَحْفَظُوا وَيَعْمَلُوا جَمِيعَ وَصَايَا الرَّبِّ سَيِّدِنَا، وَأَحْكَامِهِ وَفَرَائِضِهِ» (نح ١٠: ٢٨). وقدم الشعب تعهدًا هامًا متضمن أيضًا في هذا الميثاق، وبلا شك أنه مهم للغاية، وينطبق علينا اليوم، وهو وعد بأن ينفصلوا عن كل ما هو نجس، وعن كل ما هو مناهض لشريعة إلههم. إن ما يثير انتباهي في كل هذا هو العودة إلى المبادئ الأولى، وهذا عزيزي المؤمن هو ما نحتاج إليه اليوم بشدة.

عودة نحميا

يبدو أن نحميا قد عاد في ذلك الوقت إلى شوشن، ثم رجع ثانية إلى أورشليم بعد مدة غير معروفة، وما وجده بعد عودته لا بد أنه أحزنه عميقًا. أولاً أن “أَلْيَاشِيبُ الْكَاهِنُ الْمُقَامُ عَلَى مِخْدَعِ بَيْتِ اِلله”، قد سمح لطُوبِيَّا الْعَبْدُ الْعَمُّونِيُّ - وهو أحد أنسبائه - أن يسكن في مخدع في ديار بيت الله (نح ١٣: ٤-٨)، بالرغم مما أعلنه الله صراحة «لاَ يَدْخُلْ عَمُّونِيٌّ وَلاَ مُوآبِيٌّ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ. حَتَّى الْجِيلِ الْعَاشِرِ لاَ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ فِي جَمَاعَةِ الرَّبِّ إِلَى الأَبَدِ» (تث ٢٣: ٣، ٤).

ثم اكتشف نحميا أن اللاويين والمغنيين لم تعطَ لهم أنصبتهم، فاضطروا للعمل كل واحد في حقله (نح ١٣: ١٠)، وبلا شك أن الشعب كان عليه دعمهم. لقد دنسوا السبت، وصاهروا الشعوب من حولهم، فإذا بهم وقد تحولوا عن المبادئ الأولى. أما نحميا فأثبت مرة أخرى أنه رجل العمل بتوبيخه الشديد للمُخطئين واستعادة النظام الإلهي (نح ١٣: ١١).

دروس تهمنا

وماذا علينا نحن كمسيحيين أن نتعلمه من حياة ذلك الرجل؟ دعوني أقترح هذه النقاط: (١) لا بد أن نتذكر أننا نعيش في تدبير مختلف. كان نحميا يهوديًا، يخدم وسط شعبه، أما نحن فإننا مسيحيون، جزء من كنيسة الله، نخدم ربنا بين شعبه، وأيضًا نكرز بالإنجيل للنفوس الضالة مِن كل الأمم، وبالرغم من كل الاختلافات، علينا أن نتذكر أن مبادئ الله لا تتغير. (٢) في نحميا نجد مثالاً لخادم أمين لله، تجاوب سريعًا مع دعوته له، وأبقى على تفعيل التواصل بسيده مِن خلال الصلاة. (٣) كنتيجة لذلك كان باستمرار مُقادًا ومُدعمًا بإلهه. (٤) يجب أن يُؤسس كل شيء على كلمة الله.

آرثر جودوين