أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2019
هدم الأسوار فى حياتك
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«بِالإِيمَانِ سَقَطَتْ أَسْوَارُ أَرِيحَا بَعْدَمَا طِيفَ حَوْلَهَا سَبْعَةَ أَيَّام» (عب ١١: ٣٠)

تقريبًا سمع الجميع قصة يشوع وسقوط أسوار أريحا، فهي ليست خيالية ولا أسطورية، لكنها حدثت بالفعل بعد خروج شعب الله من مصر بحوالي أربعين سنة، حيث شنوا حربًا مصيرية مع أريحا، لكي يؤسسوا رأس جسر فى موطنهم الجديد. وكانت مدينة أريحا بأسوارها العالية تُمثل عائقًا كبيرًا لبنى إسرائيل، لأنها كانت تعترض طريقهم إلى أرض الموعد، فكان لا بد أن تُزال! ولأنهم رفعوا عيونهم نحو الله بالإيمان، أزال لهم أريحا من الطريق، واستطاع موكب دخول أرض الموعد أن يتقدم.

يخبرنا يشوع ٦ بالقصة المُشوّقة لهذه المعركة الفريدة، لكن اقرأ من أصحاح ١-٦ لترى كل الخطوات الهامة المؤدية إلى تلك الذروة عندما سقطت أسوار أريحا. إن هذه الأحداث التاريخية هامة لأنها التسجيل الإلهي عن كيفية استلام بني إسرائيل الأرض التي وعدهم الله بها منذ القدم (تك ١٥: ١٨)، ومن هذه الأمة، وفي تلك الأرض، كان سيأتي مُخلِّص البشرية كلها!

دروس روحية هامة

إلى جانب التاريخ المُدون في سفر يشوع، هناك دروس روحية ذات قيمة أيضًا؛ فهناك الجانب العملي والتكريسي ليشوع، بالإضافة إلى الجانب التاريخي. فسجِل المعارك التي خاضها شعب إسرائيل يحتوي على مبادئ للحرب المسيحية، ونحن نعلم من المكتوب أن المؤمنين المسيحيين طرفًا في صراعات روحية مع الشيطان عدو نفوسنا (أف ٦: ١١-١٧)، فهو يريد أن يحرم المؤمنين من التمتع بالبركات الروحية المتاحة لهم في المسيح. وبالرغم من أن هناك بالفعل المحبة والفرح والسلام والراحة والحرية والرجاء والأمان والشركة الحميمة التي تُمارس في أجواء السماويات، التي هي بمثابة “أرض الموعد” للحياة المسيحية، إلا أن الشيطان يضع “أسوار أريحا” التي له، ليُبعدنا عن تلك الأرض؛ يقيم أسوار الشك والإحباط واليأس، لتكون عوائق كبيرة في طريقنا. فخطية معينة أو مانع في حياة المؤمن يمكن أن يصبح أريحا، فتبدو العوائق عالية جدًا، ونظن أنها لا تُقهر ولا يمكن تخطيها. ويضحك الشيطان، ونحن عالقون نتصاغر خائفين، أو راضين بالحياة فى “برية” التجارب والاختبارات المسيحية. هل لديك أي أسوار لأريحا في حياتك؟

كان الإسرائيليون هم شعب الله الأرضي، فأعطاهم ميراثًا أرضيًا، ووعدهم ببركات أرضية (يش ١: ٣)، وكل ما كان عليهم فعله هو امتلاك الأرض (يش ١: ١١)، فتاهوا في البرية أربعين سنة لسبب أنينهم وتذمرهم وعدم طاعتهم وعدم إيمانهم (عد ٣٢: ١٣؛ ١كو ١٠: ٥-١١؛ عب ٣: ١٥-١٩)، والآن أراد الله أن يتحركوا ويمتلكوا الأرض التي “تفيض لبنًا وعسلاً” (خر ٣: ٨)، ووعدهم الرب بالنصر على أريحا وعلى كل الأرض، كما وعدهم بوجوده الدائم معهم (يش ١: ٥؛ ٦: ٥)، فلم يكن هناك داعٍ للخوف ولا الرعب (١: ٩).

يا لها من صورة للحياة المسيحية! إننا شعب الله، وهو قد أعطانا ميراثًا سماويًا وبركات روحية، ومن هذه الصورة نرى أن هناك أسبابًا لفشلنا في التمتع “بلبن وعسل” الحياة المسيحية. فالتذمر والأنين وعدم الإيمان ينتج في ظروف مماثلة للتي في البرية. والإخفاق في امتلاك “أرض الموعد” الخاصة بنا سيقودنا إلى ذات المصير. فليس علينا الانتظار إلى أن نصل إلى السماء لنتمتع بميراثنا السماوي، بل الله يريدنا أن نعبر “الأردن” الخاص بنا، ونمتلك البركات التي لنا في المسيح الآن. وهذا ما تقصده أفسس ١: ٣ عندما يقول الرسول: «مُبَارَكٌ اللهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بَارَكَنَا بِكُلِّ بَرَكَةٍ رُوحِيَّةٍ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ». وفي أفسس ١: ٤-١٤ نجد قائمة ببعض البركات التى لنا. هل أنت متمتع بها؟

إن بركات “أرض الموعد” هي لنا، لكن علينا أولاً أن نمتلكها ونُخصّصها لنا قبل أن ندعوها ملكنا (يش ١: ٣). فالمؤمن الخائف من الموت لم يمتلك بالفعل أمنه في المسيح (عب ١٣: ٥). والمؤمن المهموم بالغد لم يخصص لنفسه “راحة النفس” المتاحة في المسيح (مت ١١: ٢٩). والمؤمن المتذمر دائمًا لم يختبر حقًا فرح وسلام الملكوت (رو ١٤: ١٧). والمؤمن الغير متوافق مع إخوته وأخواته في الرب لم يسر بعد في أرض المحبة الغامرة المتاحة لكل مسيحي. اقرأ يوحنا ١٥: ٩ وتفكر في كم المحبة الكائنة بين الآب والابن! هذا هو القدر المعطى لنا!

لكن ماذا عن أسوار أريحا لدينا؟ إنها هناك لأن الشيطان يعلم أن مؤمن محبط، هو مؤمن غير مؤثر. كما يعلم أيضًا أن المؤمن المتمتع ببركات المسيح، هو مؤمن ينشر ملكوت الله، لذلك فإن الشيطان سيفعل كل ما في وسعه ليُبقينا مهزومين، ومستعدين للاستسلام. لكن الله وعدنا بالنصر (رو ٨: ٣٧)، تمامًا كما وعد يشوع. وقد وعدنا أيضًا بحضوره الشخصي المستمر (عب ١٣: ٥)، تمامًا كما وعد يشوع، فلا داعي للخوف (٢تي ١: ٧). ليس هناك أسوار لأريحا أعلى أو أغلظ من قدرة الله. فأي أسوار أريحا تلك التى تُعيقك عن الدخول وامتلاك أرض البركة التى أعدها الله لك؟ إن أسوار الشك والخوف والتجربة والخطية الخفية أو العادات السيئة ليست منيعة!

إن النصرة على أريحا كانت مضمونة لكنها لم تكن أوتوماتيكية، بل كان على شعب الله اتباع وصايا الله التي أعطاهم إياها، حتى يضمنوا النصر، وكذلك علينا نحن أيضًا اتباع وصايا الرب حتى نرى أسوار أريحا التي لنا تسقط (يش ٦: ٢٠). في الخطوات التصعيدية لسقوط أريحا نجد بعض المبادئ الروحية التي تأتي بنصر أكيد عند اتباعها؛ دعونا نتأمل في اثنين منها.

مبدآن هامان:

المبدأ الأول هو أن نعرف ونطبق كلمة الله (يش ١: ٧-٨). والمقصود “بالناموس” هنا، هو أول خمسة أسفار من الكتاب المقدس الذي كان عند الشعب في ذلك الوقت. وعلينا أن نفعل أكثر من مجرد قراءة جزء منه كل أسبوع. علينا أن ندرس كلمة الله حتى تُميّز سلوكنا (١: ٨)، وعلينا أن نُطيعها دون مساومة حتى نفلح (يش ١: ٧، ٨). وهذا هو سر نجاح المؤمن.

ومبدأ آخر للنصر يظهر في تلك الأصحاحات الأولى من سفر يشوع هو أن نتبع التابوت (يش ٣: ٥-٧). ربما يبدو هذا المبدأ بعيد المنال إلى أن نعرف أن الله يرسم لنا صورة بها يوضح المبدأ الذي يريدنا أن نتعلمه. لم يكن التابوت المذكور في يشوع ٣، ٤ كبيرًا كفلك نوح، بل كان صندوقًا مقدسًا كبيرًا حمله الكهنة عندما كان الإسرائيليون سائرون من مصر إلى أرض الموعد، وحُفظ في أقدس مكان في خيمة الاجتماع، وكان يُمثل مكان التقاء الله بالإنسان. وكان ينبغي أن يُقدَّم دم ذبائح العهد القديم، مرة في السنة، على التابوت، أمام الرب. وفتح هذا التابوت الطريق أمام الشعب من خلال نهر الأردن إلى أرض الموعد (يش ٣: ١٣-١٧). وهذا التابوت أيضًا حُمل وسط الإسرائيليين عندما طافوا حول أريحا (٦: ٨، ٩). وفي الصورة التوضيحية الرمزية التي رسمها لنا الله، يُشير التابوت إلى الرب يسوع، الذي يُمثل مكان التقاء الله بالإنسان (يو ١٤: ٦؛ ١تي ٢: ٥)، فهو الذي قدَّم دمه مرة واحدة، وإلى الأبد، أمام الله، لتسوية مشكلة الخطية (عب ٩: ١١-١٥). إنه هو مَن فتح الطريق إلى “أرض البركة”، وهو مَن ينبغي أن يكون مركز إيماننا، ونحن نطوف حول أسوار أريحا. ولكي تسقط الأسوار يجب أن تتمركز مسيرة إيماننا حول المسيح!

هناك الكثير من المبادئ الروحية الأخرى للنصر في سفر يشوع، لكن هذان المبدأن أساسيان ليُدخلانا إلى “الأرض” حيث يمكننا أن نبدأ في التمتع بميراثنا في المسيح. فإن أفسحنا للمسيح المكان الذي له في حياتنا، وغُمرنا بكلمته إلى أن تميزت حياتنا بها، فلن يوجد مكان لنوع عوائق أسوار أريحا، بل ستختفي هذه المُعوّقات، بالرغم من احتمال استغراق سقوطها بعض الوقت، لكن اذكر أن الأسوار لم تسقط إلى أن طاف الإسرائيليون حول المدينة بالإيمان سبعة أيام! إن طبقت هذه المبادئ بالفعل حتمًا ستسقط أسوار أريحا الخاصة بك!


ديفيد ريد