أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2020
دروس ثلاثية من الحبسة الكورونية
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

إن الأزمة الحالية حَبَستنا، وعلى المكوث في البيوت ألزمتنا. وما أشبه الليلة بالبارحة، يوم أن قام بنهدد ملك أرام وصعد فحاصر السامرة، فصار الجوع رهيبًا، جعل الناس يأكلون لحم الحمار، فيا للنجاسة!  بل «أيادي النساء الحنائن طبخت أولادهن»، فيا للوحشية!  وبدلا من أن يصرخوا للرب، صرخوا للملك، الذي بدوره أراد أن يقتل أليشع رجل الله، فيا للعمى! 

لكن ماذا كان يفعل الأتقياء في تلك الأيام العصيبة، سوى طلب الرب، وانتظار إنعام السماء؟ وقد استجاب الرب فعلًا إذ أسمع الأراميين صوت مركبات، وصوت خيل، وصوت جيش عظيم، فقاموا وهربوا، وتركوا المحلة كما هي، وكان خارج المدينة أربعة رجال برص، اشتد عليهم الجوع أيضًا فقالوا: «إن جَلَسْنَا هُنَا نَمُوتُ.  فَالآنَ هَلُمَّ نَسْقُطْ إِلَى مَحَلَّةِ الأَرَامِيِّينَ، فَإِنِ اسْتَحْيُونَا حَيِينَا وَإِنْ قَتَلُونَا مُتْنَا.  فَقَامُوا فِي الْعِشَاءِ.. فَلَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَحَد»، فدخلوا، وأكلوا، وشربوا، وحملوا فضة وذهبًا وثيابًا وطمروها. وهكذا فعلوا مع خيمة أخرى. ثُمَّ قَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَناً.  هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ!  فَإِنِ انْتَظَرْنَا إِلَى ضُوءِ الصَّبَاحِ يُصَادِفُنَا شَرٌّ.  فَهَلُمَّ الآنَ نَدْخُلْ وَنُخْبِرْ بَيْتَ الْمَلِكِ» (٢مل ٧: ٩).

وهنا لنا ثلاثة دروس هامة هي:

أولًا: العناية الإلهية

كان من نتيجة الحصار الجوع الشديد، فقد عانت الأمهات وانزعجت لصراخ أطفالهن وحاجتهم إلى الطعام، فعلَّموهم درس الصبر والانتظار، حتى جاء الفرج، وصوت نادى: «اسْمَعُوا كَلاَمَ الرَّبِّ.  هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: فِي مِثْلِ هَذَا الْوَقْتِ غَداً تَكُونُ كَيْلَةُ الدَّقِيقِ بِشَاقِلٍ وَكَيْلَتَا الشَّعِيرِ بِشَاقِلٍ فِي بَابِ السَّامِرَةِ» (٢مل ١:٧).  إنها عناية الرب الفائقة، فمن ذا الذي زرع القمح؟ ومن حصد؟ من جمع؟ ومن طحن؟ أليس هو الرب الذي ما زال يعتني بنا؟!

 أمسك كل طفل في ملجأ “ليليان تراشر بأسيوط – مصر” كوبه منتظرًا الحليب، وكانت البلاد وقتها تمر بظروف قاسية، ولا يوجد بالملجأ نقطة حليب واحدة. كانت ليليان تقول لهم: صلوا، انتظروا الرب. حتى جاء الفرج بطريقة مدهشة، لقد تسرب الحليب من سيارة تحمل وعاءً أسطوانيًا كبيرًا ممتلئًا بالحليب، تابعًا لإحدى الشركات، كانت تمر صدفة أمام الملجأ، ولما أخبر السائق مديره، بما حدث، ومكان حدوث العطل، قال له: أدخل الملجأ وقدمه لهم.

 لقد تعلم شعب الرب في الحصار درسًا ذهبيًا وغاليًا وهو: «اِنْتِظَاراً انْتَظَرْتُ الرَّبَّ فَمَالَ إِلَيَّ وَسَمِعَ صُرَاخِي» (مز ١:٤٠)، «الأَشْبَالُ احْتَاجَتْ وَجَاعَتْ وَأَمَّا طَالِبُو الرَّبِّ فَلاَ يُعْوِزُهُمْ شَيْءٌ مِنَ الْخَيْرِ» (مز ١٠:٣٤)، «الرَّبُّ عَارِفٌ أَيَّامَ الْكَمَلَةِ.  لاَ يُخْزَوْنَ فِي زَمَنِ السُّوءِ وَفِي أَيَّامِ الْجُوعِ يَشْبَعُونَ» (مز ٣٧: ١٨، ١٩). فليتنا لا نشك أبدًا في محبة الله وعنايته وصلاحه!

ثانيًا: التشكيلات الفخارية

في الحبس والضيق نراجع حساباتنا. لقد حبس يوسف أخوته المذنبين ثلاثة أيام (تك ٤٢: ١٧)، بعدها قالوا: “إننا مذنبون” (تك ٤٢: ٢١). وقد سمح الرب لنا بحبس إجباري لكي يعيد تشكيلنا من جديد، ففي بيت الفخاري نراه يعيد تشكيل الطين ليتشكل حسب الصورة التي في فكره. وبالحق نشهد أننا ابتعدنا كثيرًا عن فكر الرب وقصده، لذلك استحضرنا أمامه، لا ليعاتبنا، ولا ليعاقبنا، بل بحب شديد يقوِّمنا ويعالجنا، فليتنا نعطيه الفرصة لينفرد بنا، فيصنع الرب من كل واحد منا وعاءً آخر حسب قصده.

ثالثًا: أعظم وصية

 من نتائج حصار السامرة الجوع والموت، أما الرجال البرص الأربعة فكانوا يأكلون ويشربون ويطمرون لذلك قال بعضهم لبعض: «لَسْنَا عَامِلِينَ حَسَناً. هَذَا الْيَوْمُ هُوَ يَوْمُ بِشَارَةٍ وَنَحْنُ سَاكِتُونَ». وليتنا نحن أيضًا لا نكتفي بأن نشبع بالسجود ودرس الكتاب والصلاة فقط، بل يكون لنا وقت للكرازة ومشاركة الآخرين بخيرات الإنجيل؛ فلدينا المسيح خبز الله الحي، والناس من حولنا في جوع، هم في خوف، يحتاجون للأمان وبين أيدينا انجيل السلام. للأسف نحن ساكتون، ونسينا الوصية العظمى: «اذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا» (مر ١٦: ١٥)، «لاَ تَخَفْ بَلْ تَكَلَّمْ وَلاَ تَسْكُتْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ» (أع ١٠:١٨).  يقول بولس: «لأَنَّهُ إِنْ كُنْتُ أُبَشِّرُ فَلَيْسَ لِي فَخْرٌ، إِذِ الضَّرُورَةُ مَوْضُوعَةٌ عَلَيَّ، فَوَيْلٌ لِي إِنْ كُنْتُ لاَ أُبَشِّرُ» (١كو١٦:٩).  لقد كان المؤمنون الأوائل يكرزون بصفة مستمرة (أع ٥: ٤٢؛ ٨: ٤).  قال أحد الصينيين لهدسون تايلور أول مرسل للصين: منذ متى تعرفون المسيح في بلادكم؟ فأجابه تايلور من مئات السنين، فأجابه الصيني: لقد تأخرتم علينا جدًا، لقد مات أبي بدون المسيح.  

وحسن قيل: إن لم نكرز نمُت، فإن لم نكرز تفرغ الكنائس (أع ٢: ٤٧). هناك نمو منقول أي انتقال شخص من كنيسة إلى أخري، ونمو بيولوجي أي ولادة الأولاد في أسر المؤمنين، لكن النمو الحقيقي هو الوصول إلى الذين لم يسمعوا رسالة الإنجيل.  لقد أعطانا الرب خدمة المصالحة (٢كو٥: ١٨-٢٠) كسفراء عن المسيح.  وليتنا نعمل حسنًا، ونخبر أخوتنا وأنسبائنا ليذهبوا معنا حتى لا نسأل يومًا كما سأل المرنم:

كيف أدخل السماء وأرى وجه أبي

كيف أصعد إليه وأخي ليس معي؟

هل سيحلو لي مقامي وأخي ملقى هناك

خارجًا يبكي وحيدًا في الجحيم والهلاك؟!

صفوت تادرس