أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2013
جمال المسيح
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
 " وأنت أبرع جمالأ من بنى البشر " ( مز 45 :1 )

لسفر المزامير مذاق خاص لقلوب القديسين بما يحويه من ينابيع المشاعر، وصدق الاختبار، وقوة التأثير، وغنى النبوة، وموسيقى اللفظ.  كما أنه يُعدّ أطول الأسفار في الكتاب (150 أصحاح)، وأعرضها (من موسى لما بعد السبي).  وهو قلب الكتاب المقدس، لأنه في المنتصف، ولأنه أيضًا غني بالمشاعر والأحاسيس، من فرح وكرب، نصر وكسر، ألم وأمل.  كما أنه يُعدّ أغنى أسفار العهد القديم اقتباسًا في العهد الجديد.

على أن السفر يُتوَّج أيضًا بالتفرد بأنه أكثر جزء يحتوي على ما كان يجيش بصدر المسيح شخصيًا من مشاعر وأنات لم ينطق بها نصًا في حياته بالجسد.  وكل قارئ للنبوة في السفر يرى ذلك جليًا، وكل باحث عن المسيح فيه يلمس ذلك؛ إنها خواطره المقدّسة مُدوَّنة في شعر النبوة.

ولا شك أن هذا مزمور 45 هو إحدى درر السفر.  أولاً يكفي جدًا أن يُستعلن فيه جمال المسيا، وهو الأمر الذي فيه كل الكفاية لأن يُطيح بكل الأنات، ويُفجّر كل ينابيع البركات؟  فالمزامير التي تسبق هذا المزمور تمتلئ بالأنات المُعلَنة والصارخة والمُكرَّرة؛ «يَا إِلَهِي، نَفْسِي مُنْحَنِيَةٌ فِيَّ» (مز42: 6)، ويتكرر الأنين في مزمور 43: 5 «لِمَاذَا أَنْتِ مُنْحَنِيَةٌ يَا نَفْسِي؟ وَلِمَاذَا تَئِنِّينَ فِيَّ؟»، ويتأكد في مزمور 44: 25 «لأَنَّ أَنْفُسَنَا مُنْحَنِيَةٌ إِلَى التُّرَابِ.  لَصِقَتْ فِي الأَرْضِ بُطُونُنَا».

وهذا السرد من سرب الانحناء والألم يتحتم عليه - احترامًا وتقديرًا لاستعلان المسيا بجماله - أن يتنحى جانبًا، لتتحوَّل الأنات إلى وافر من فيض التغني بالأمان والحماية في مزمور 46 «اَللهُ لَنَا مَلْجَأٌ وَقُوَّةٌ. عَوْناً فِي الضِّيقَاتِ وُجِدَ شَدِيدًا» (مز46: 1).

وكم هو مُشجِّع لنا جدًا في عصر الأزمات والاضطرابات أن نعرف أن كلمة “وُجِدَ شَدِيدًا” تُقرأ في الأصل بمعنى “أن جلاله رافع درجة التأهب القصوى والاستعداد التام للتدخل وقت اللزوم لحماية خاصته”.

نعم ... حتى ولو “انْقَلَبَتِ الْجِبَالُ إِلَى قَلْبِ الْبِحَارِ”، فعلا صوتها “تَعِجُّ وَتَجِيشُ مِيَاهُهَا”، وتزلزلت أركانها “تَتَزَعْزَعُ الْجِبَالُ بِطُمُوِّهَا”، فالرب كفيل جدًا باستعلانه أن يجود بالحماية، ومعها - على سبيل الكرم - الأفراح “نَهْرٌ سَوَاقِيهِ تُفَرِّحُ” (مز46: 2-4).  هذا هو التأثير القوي والفوري عندما يُستعلن بجماله في المشهد!
أَو ليس هو الأصل في صورة الشجرة المطروحة في ماء “مَارَّة” المرير، «فَصَارَ الْمَاءُ عَذْبًا» (خر15: 25).
أو هو الدقيق في قِدْرِ الموت «فَكَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ رَدِيءٌ فِي الْقِدْرِ» (2مل4: 41).
إذ يُستعلن المسيح بجماله، فعلى كل ألوان الضيق والأنين، والأزمات والاضطرابات، أن تتنحى لتُفسح المجال لغنى الجود، وروعة الجمال، وأنهار الفرح.


منسى يوسف