أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2018
اسم الله في سفر ملاخي
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

أود أن أتكلَّم عن اسم الله، وعن طاعتنا له، ورغبتنا في تمجيده في هذا العالم. لقد قال الرب يسوع: «أَعْطُوا إِذًا مَا لِقَيْصَرَ لِقَيْصَرَ، وَمَا لِلَّهِ لِلَّهِ» (لو ٢٠: ٢٥). ولقد اهتم الناس بإيفاء حقوق قَيْصَر على خير وجه، فمعظم تاريخ العالم معنيّ بسداد مَا لِقَيْصَرَ. وهناك القليلون نسبيًا الذين اعتنوا بأن يُعطوا مَا لِلَّهِ لِلَّهِ. وحسنٌ جدًا على كل وجه أن نتحدث عن الأمور التي تخصنا في هذا العالم، ولكن لكي نجني فائدة عملية لنفوسنا، علينا تقديم حساب عن أنفسنا، باحثين: أين نحن الآن؟ ولنسأل أنفسنا: هل نحن نُعطي مَا لِلَّهِ لِلَّهِ؟ وأرغب أن أستخدم سفر ملاخي من العهد القديم، لأضع هذه الأمور أمامنا.

لو كان لأمة ما أن تُنتج ثمرًا يُشبع قلب الله، فهي الأمَّة الإسرائيلية. ولكن هاكم شهادة النبي في هذا الخصوص: إن الله جعل منهم كرمًا، وسيَّج حوله، وفعل كل ما يمكن أن يفعله لكرم. ولكن عوض أن يُثمروا عنبًا حلوًا، أنتجوا حصرمًا وعنبًا رديئًا (إش ٥: ١-٧). ولكن قبل أن ندين إسرائيل، دعونا نُقدِّم حسابًا عن أنفسنا، فكل واحد منا حصل على بركات رائعة إذ أتى إلى المسيح، وصار مسكنًا للروح القدس، وفُتِحَ أمامه الحق الكتابي الثمين. والآن دعونا نمتحن أنفسنا: هل أنتجنا ثمرًا متكاثرًا لله؟ ألا ينطبق علينا ما قيل عن إسرائيل في سفر ملاخي ١: ٨ إننا قد قربنا “الأَعْمَى وَالأَعْرَجَ وَالسَّقِيمَ” لله؟ هل نحن منشغلون بالبحث عن المسرات عوض أن نُنَصِّب الله على عرش القلب، ونُعطيه الأولوية؟ علينا أن نُجيب كلنا عن هذه الأسئلة! إخوتي الأحباء: إننا ندفن رؤوسنا في الرمال! وينبغي أن نسأل أنفسنا: هل استودعنا حياتنا بالتمام لله؟ هل نحن نُعطي مَا لِلَّهِ لِلَّهِ؟

في هذا السفر الثمين وعد الله الإسرائيليين أنهم إن صنعوا برًا، فسيفتح لهم كُوى السَّمَاوَاتِ، ويَفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً (ملا ٣: ١٠). جميعنا مُحبطون بعمق، لأنه بالرغم من انتشار الكرازة بالإنجيل، وتنوع الخدمات، إلا أنه ما أقل الاستجابة والرجوع إلى الله. ومن المؤكد أنه لا توجد أسباب تمنع من جانب الله، فمن ثم ينبغي أن نفحص أنفسنا: هل نحن في الوضع الصحيح، في محضر الله؟ هل نفيه ما له؟

أريد أن أتكلَّم عن اسم الله، لأني أشعر أنه إذا أجبنا وتجاوبنا مع التعليم المُتضَمَن في الإشارات الخاصة باسمه المبارك، فستُثمِر حياتنا لمسرة قلبه. بعض شخصيات العهد القديم حملت أسماء رنانة، ولكن حياتهم خلت من أي توافق مع الاسم الذي حملوه. كان أحد هؤلاء: “أَلِيمَالِكُ” - الذي يعني “إلهي ملك” – والذي ترك أرض الموعد والبركة، وذهب إلى أرض موآب، لأن ظروف الحياة أمست صعبة. لقد كانت موآب أرض اليسر والوفرة، ولكنها كانت أيضًا أرض الأوثان. لم يسلك “أَلِيمَالِكُ” فعلاً بحسب اسمه الذي حمله. ونستطيع أن نرى أمثلة كثيرة لذلك عبر كل العهد القديم. ولكن ما أريد أن أشدد عليه أن الله هو دائمًا بحسب اسمه؛ لا انحراف قيد أنملة بين الله وبين اسمه. فكل اسم يحمله، يتصرف بموجبه. وكم كان ذلك حقيقيًا - بصورة مباركة – في الرب يسوع المسيح نفسه. كل اسم يحمله، وكل وظيفة يشغلها، فهو حق فيها بكمال مُطلق. هذا الاسم العجيب الذي ارتبطنا به؛ اسم يسوع المسيح، هو الاسم الذي ينبغي علينا أن نعيش حقًا وفقًا له. علينا أن نعيش لمسرة قلب الله، ولأجل اسمه الإلهي ومجده وكرامته.

في متى ٢٨: ١٩ نجد أن الذين آمنوا بالله، بواسطة الكرازة بالإنجيل، كان يجب أن يعتمدوا إلى اسم “الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ”. اسم واحد لثلاثة أقانيم، وكل مجد واستحقاق هذا الاسم كان ينسحب على كل مَن يعتمد. هذا هو مقامنا، إخوتي الأعزاء. اسم “الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ” دُعيَ علينا. وعلينا أن نعيش بموجب هذا الاسم، ووفقًا لهذه الأقانيم الثلاثة، حتى نُمثّله في هذا العالم، فيلمس العالم فينا تعبيرًا عن مجد هذا الاسم وكرامته.

«لأَنَّهُ مِنْ مَشْرِقِ الشَّمْسِ إِلَى مَغْرِبِهَا اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، وَفِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ، لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (ملا ١: ١١). الإتمام الحرفي لهذا الكلام سيكون في العالم العتيد، عندما يُبارك الرب الأمم. ولكن يُمكننا تطبيق هذه النبوة على مركزنا الآن، حيث أن التبشير بالمسيحية اليوم – في الأعم – هو بين الأمم. فالأمة اليهودية قد نُحيَّت جانبًا، حين رفضت مسياها. كان عليهم أن يُدركوا، من خلال حياته وكلماته وأفعاله، أن المسيا بينهم. ولكنهم عموا عنه، وفقدوا البركة الرائعة. لقد ناح عليهم المُخلِّص عندما صاح من فوق جبل الزيتون، وهو ينظر إلى المدينة أورشليم، قائلاً: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلاَمِكِ! وَلَكِنِ الآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلاَ يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ افْتِقَادِكِ» (لو ١٩: ٤١-٤٤). لقد فقد اليهود فرصة البركة، ولكن العجيب أنه إذا كان اليهود افتقدوا البركة، فإننا - معشر الأمم – قد اُستُحضِرنا إلى هذه البركة الرائعة، وصار لنا الامتياز أن نتمتع بالقرب والوصال مع هذا الإله الرائع. وشكرًا لله لأننا نُدعى بهذا الاسم، في كل عظمته وتميزه.

«لَكِنْ لَنَا إِلَهٌ وَاحِدٌ: الآبُ الَّذِي مِنْهُ جَمِيعُ الأَشْيَاءِ، وَنَحْنُ لَهُ» (١كو ٨: ٦). هذا الإله هو كل شيء بالنسبة لنا. هو الإله الذي باركنا، وهو الذي أحضرنا إلى علاقة معه بواسطة ابنه الحبيب. هذا الاسم الذي يُجري كل الأمور لتؤول لمجده، ولبركة نفوسنا، البركة الأبدية. وشكرًا لله لأن اسمه عظيم بيننا. نحن نُقدّره باعتباره الأعظم فوق الكل. وفي الحقيقة لا توجد مقارنة بين الله، وبين أي إله آخر، لأنه لا يوجد إلا إله واحد؛ هو الله إلهنا. هو عظيم، وكل ما يتصل به عظيم. وكل تطلعات ورجاء الكنيسة عظيمة، بسبب البركات العُظمى التي نلناها بالارتباط به. فإذا كان هذا الاسم يُجدَّف عليه بين الأمم، فالآن – شكرًا لله – هو يُعظَّم ويُقدَّر ويُمَجَّد. وهناك استجابة رائعة مع هذا الإله (على الأقل جزئيًا).

«فِي كُلِّ مَكَانٍ يُقَرَّبُ لاِسْمِي بَخُورٌ وَتَقْدِمَةٌ طَاهِرَةٌ» (ملا ١: ١١)، وقرَّب بنو إسرائيل نارًا غريبة أمام الرب لم يأمر بها (لا ١٠: ١)، «وَأَوْقَدُوا لِآلِهَةٍ أُخْرَى» (٢مل ٢٢: ١). وقال الرسول بولس: «لأَنَّ اسْمَ اللهِ يُجَدَّفُ عَلَيْهِ بِسَبَبِكُمْ بَيْنَ الأُمَمِ، كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ»، وذلك بسبب سلوك اليهود وسيرتهم (رو ٢: ٢٤؛ حز ٣٦: ٢٠). وإن كان ذلك كذلك – وهو كذلك فعلاً – فشكرًا لله لأنه الآن في يوم النعمة هذا، وعلى أساس الفداء الذي بيسوع المسيح، يمكن تقديم بخور نقي؛ سجود صافٍ، وطاعة خالصة، تصعد إلى الله لمسرة وفرح قلبه. وكم نحن محظوظون إذ صار لنا امتياز العيش في هذا الجو. هناك الملايين اليوم يتخبطون في ظلمة، يعبدون الأوثان، ويتبعون الخرافات. ملايين لم تنفتح بعد أعينهم ليروا عظمة المسيح، ومجد الله. أما نحن، فمن مطلق سلطانه، اختارنا وباركنا. ومن امتيازنا أن نعبد هذا الإله الحقيقي. يا للروعة!

قال الرب يسوع إبان وجوده على الأرض: «تَأْتِي سَاعَةٌ، وَهِيَ الآنَ، حِينَ السَّاجِدُونَ الْحَقِيقِيُّونَ يَسْجُدُونَ لِلآبِ بِالرُّوحِ وَالْحَقِّ، لأَنَّ الآبَ طَالِبٌ مِثْلَ هَؤُلاَءِ السَّاجِدِينَ لَهُ» (يو ٤: ٢٣). لقد صار لنا الامتياز أن نعبد الإله الوحيد الحقيقي؛ الله الحيّ، الذي أعلن لنا ذاته في المسيح يسوع، ابنه الوحيد. وهو بخور نقي يصعد إلى هذا الإله من قلوب أولئك الذين يحبونه.

يقول الكتاب: «لأَنَّ اسْمِي عَظِيمٌ بَيْنَ الأُمَمِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ» (ملا ١: ١١). حقيقي إن اسمه عظيم بيننا. فسرورنا أن نرنم له ترانيم تُسبحه، مثل: “كم أنت عظيم!”، والتي تُعلِن عظمة وجلال الله. وقلب كل مسيحي يتجاوب مع مثل هذه الترنيمة. كم عظيم هو الله! وكم هو عجيب إعلانه عن ذاته في شخص المسيح! وكم هو رائع أن نكون نحن ضمن أولئك الذين قبلوه، والآن يُعبّرون عن امتنانهم بالتسبيح والشكر!

إخوتي الأعزاء: عمق الإحساس والحقيقة اللتان تميزان هذا التجاوب، ستكونان محكومتين – بصورة كبيرة – بالاستجابة العملية وسلوكنا في حياتنا. فإذا خالطنا ما يهين الله، أو عشنا لأنفسنا، فستتبلد أحاسيسنا ومشاعرنا تجاه الله، ولن نرتقي إلى سمو أجواء السجود الذي يليق بالله. إن رغبة الله من جهة اسمه أن يتعظم بيننا. هو يريد استجابة خالصة من قلوبنا. هذا هو الهدف الذي يسعى إليه، والموضوع الذي يضعه نصب عينيه. إنه – تبارك اسمه – ينتظر من كل واحد منا أن يكون في تناغم معه.

(يتبع)

«لأَنَّ 

اسْمِي عَظِيمٌ 
بَيْنَ الأُمَمِ، 
قَالَ 
رَبُّ الْجُنُودِ» 
(ملا ١: ١١)

فرانك ولاس