أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
تعجبنا كلنا رحلة الابن المُسرف التي قام بها من الكورة البعيدة، أرض مذلته وتعاسته، متجهًا إلى بيت أبيه (لو15)، لأنها صورة مؤثرة لرجوع الخاطئ التائب، تحت عمل وإرشاد الروح القدس، إلى الله. على أنه توجد في الإنجيل رحلة أخرى تختلف عن رحلة الابن المُسرف اختلافًا كُليًا، أو بالحري تتناسب معها تناسبًا تبادليًا مَحضًا. ونعني بها رحلة ذاك المجيد الذي أتى من السماء، من عند الآب، متجهًا إلى الكورة البعيدة. مفتشًا عن ضالته في عالم الخطاة. إنه ـ تبارك اسمه ـ هو الذي نراه قائمًا بتلك الرحلة الثانية، فنراه يذهب إلى السامرة النجسة، التي هي صورة لهذا العالم المرفوض، إذ إنها كانت كالأبرص، منفصلة انفصالاً كاملاً عن أرض البر والقداسة، ومُعتَبرة
 
 
عدد أبريل السنة 2008
من عبير المقادس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

شرعة المرأة المسبية

«إذا خرجت لمحاربة أعدائك ...... وسبيت منهم سبيًا، ورأيت في في السبيِ إمرأةً جميلة الصورة.. واتخذتها لك زوجةً، فحين تُدخِلها إلى بيتك، تحلق رأسها، وتقلّم أظفارها، وتنزع ثياب سبيها عنها.. وتبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان. ثم بعد ذلك .... تكون لك زوجةًَ» (تث21: 10-13)

في هذه الكلمات نرى الوصيّة للرجل اليهودي عن كيفية التصرف عندما ينتصرُ في الحربِ ويرى في السبيِ امرأةً جميلة الصورة ويريد الإرتباط بها. فلا بُد في هذه الحالة أن تعمل هذه المرأة أربعة أشياء:

1 - تحلق رأسها: وبحسب 1كورنثوس 11 : 15 نتعلم أن مجد المرأة في شعرها, وقبيح بالمرأة أن تحلق رأسها (1كو11: 6).  وفي هذا نرى التخلّي عن أمجاد الماضي.  وهذا ما قاله الرسول بولس: «ما كان لي رِبحًا، فهذا قد حسبته من أجل المسيح خسارةً» (في3: 7)؛ وأيضًا يقول عن موسى: «حاسبًا عار المسيح غنىً أعظم من خزائن مصر» (عب11: 26). وهناك صورة اُخرى نراها في حلق الرأس وهي: التخلّي عن أفكار الماضي، أي العادات والتقاليد الموروثة.  ولا بُد من التخلّي عن التعاليم الغريبة، وهي المشار إليها في قول الرسول: “تقليد الناس” ؛ و “أركان العالم” (كو2: 26).

2 - تقلّم أظفارها: الأظافر هي أشياء تخرج من الجسد، وتتكلم روحيًا عما قاله الرب له كل المجد: «من الداخل من قلوب الناس, تخرج الأفكار الشريرة: زنى فسق قتل سرقة .... كبرياء جهل» (مر7: 21).  وإذا تأملنا فيما يخرج من الإنسان نجده يندرج تحت عنوانين هما: النجاسة، ممثلة في الزنى والفسق؛ ثم الشراسة: ممثلة في القتل والسرقة. وهاتان الصفتان، النجاسة والشراسة, نراهما واضحتين في الأظافر. فالأظافر الطويلة تخبّئ تحتها قاذورات، صورة للنجاسة، والأظافر الطويلة تمثل الوحشية، كما نراها في الحالة التي وصل إليها نبوخذنصّر بعد أن فقد عقله، إذ يقول عنه الكتاب «حتى طال شعره مثل النسور، وأظفاره مثل الطيور“ (دا4: 33).  وتقليم الأظافر، يمثل التحرر من النجاسة، كقول الرسول: «فأميتوا أعضاءكم التي على الأرض: الزنى النجاسة الهوى ... » (كو3: 5).  ثم لكي نتحرر من الشراسة, يقول الرسول أيضًا «وأما الآن فاطرحوا عنكم أنتم أيضًا الكل الغضب السخط ... » (كو3: 8)؛ وأيضًا «ليُرفع من بينكم كل مرارة وسخط وغضب وصياح ... » (أف4: 31), وبذلك نتحلّى بروح الوداعة التي كانت لسيدنا الكريم.

وتقليم الأظافر لا نراه على المستوى الشخصي فحسب, بل أيضًا على المستوى الجماعي, إذ من ناحية النجاسة يوصي الرسول كنيسة كورنثوس قائلاً: «إن كان أحدٌ مدعوٌ أخًا زانيًا أو طمّاعًا ... أو سكّيرًا ... فاعزلوا الخبيثَ من بينكم» (1كو5: 11 - 13)؛ ومن ناحية الشراسة يحذر الرسول كنيسة غلاطية قائلاً: «فإذا كنتم تنهشون وتأكلون بعضكم بعضًا فانظروا لئلا تفنوا بعضكم بعضًا» (غل5: 15).

وهنا أريد بكل محبة أن أهمس في أذن كل أخ يحب الرب وقطيعه قائلاً له ماذا تفعل إذا انسبق أخوك وأخذ في زلة؟ هل تصلحه بروح الوداعة، أم تنهشه بأظافرك؟ كم من اجتماعات دُمّرت بسبب طول الأظافر!  لا زلت أرى أفودية وسنتيخي في بعض الاجتماعات، ولم تقلِّمن أظافرهن بعد، وأكاد أسمع توسلات الرسول إلى شريكه المخلص، أن يساعدهن على تقليم الأظافر (في3: 2).  ولا زلت أسمع أنين شيخ طاعن في السن يكتب إلى غايس الحبيب عن ديوتريفوس الذي كان ينهش في إخوته، ويطردهم من الكنيسة (3يو9).

3 - تنزع ثياب سبيها عنها: إذا كانت الأظافر تشير إلى السلوك الخفي، والذي لا يراه إلا القريبون منا فقط، فالثياب تشير إلى السلوك الظاهر، والذي يراه القريبون والبعيدون عنا.  والمعنى الروحي للثياب نراه في أول ذكر للثياب في الكتاب «فخاطا أوراق تين، وصنعا لأنفسهما مآزر» (تك3: 7).  هنا نرى الثياب لستر العري الذي نتج عن الخطية.  أي أننا في الثياب نرى محاولات الإنسان لستر خطاياه وعريه.  وهنا نلاحظ دقة التعبير في كلمة تنزع ثياب سبيها عنها, وذلك لأن الإنسان يحب جدًا ديانة الجسد والأعمال، وليس من السهل التخلّي عنها، لذلك استعمل الكتاب كلمة تنزع.

4 - تبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان: البكاء لمدة شهر مرتبط بموت إنسان عظيم وغالٍ وذي شأن، كما بكى بنو إسرائيل على هارون عند موته ثلاثين يومًا (عد20: 29)، وعلى موسى ثلاثين يومًا (تث34: 8).  وهنا نرى هذه المرأة تبكي أباها وأمها شهرًا من الزمان، أي أنها تضع العلاقات الأسرية – وهي أعز وأقوى عاطفة عند الإنسان -  في حكم الموت، وكأنها تتمم كلمات المزمور القائل: «انسي شعبك وبيت أبيك» (مز45: 10).

في حلق الرأس نرى القضاء على أمجاد وأفكار آدم الأول؛ وفي تقليم الأظافر نرى القضاء على سلوك آدم الأول؛ وفي نزع الثياب نرى القضاء على ديانة آدم الأول؛ وفي البكاء لمدة شهر نرى القضاء على عواطف آدم الأول.  وهذه كلها تلخصها عبارة جاءت في رومية 6: 6 «عالمين هذا أن إنساننا العتيق قد صلب معه ليُبطَل جسد الخطية»

أخيرًاَ هنا سؤال يطرح نفسه، وهو كيف لرجل يهودي أن يرتبط بأممية، رغم أن الشريعة تحذِّر من مثل هذا الارتباط؟ ولكن هذا السؤال ليس له إجابة إلا في النعمة التي تجعل الأممية ترتبط باليهودي، والأسيرة تصير زوجةً وربة بيتٍ.

ولكن نرى صورة أخرى أروع وهي ارتباط المسيح بالكنيسة التي رآها في عينيه “لؤلؤة واحدة كثيرة الثمن” (مت13: 46)، وبعد أن انتصر في موقعة الجلجثة، «صعد إلى العلاء وسبى سبيًا» (أف4: 8). ولكن نفاجأ في أفسس 5 بأن هذا السبي لا يتكلم عنه كسبي، بل كالعروس قائلاً: «أحب المسيح أيضًا الكنيسة، وأسلم نفسه لأجلها ... لأننا أعضاء جسمه من لحمه ومن عظامه!»  ما أروع سيدنا وحبيبنا الذي له كل المجد!