أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد ديسمبر السنة 2007
الخلاص في لحظة - إنجيل الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«ماذا ينبغي أن أفعل لكي أخلص؟» كثيرًا ما سُئل هذا السؤال منذ أن نطق حافظ السجن في فيلبي بهذه الكلمات لأول مرة. وما أشد الحاجة إلى أن يكون ذلك الجواب الإلهي أمامنا، لا سيما ونحن نرى الكثيرين يتمسكون بشدة بالبر الذاتي وبالفرائض الإنسانية كوسيلة للخلاص.

 ما أحلى وأبسط جواب الروح القدس المُعطى على لسان بولس الرسول «آمن بالرب يسوع المسيح فتخلص» ولكن ما أصعب إقناع الخاطئ بأن هذا هو كل ما يطلبه الله منه، مع أننا لو تصفحنا كلمة الله بالكامل لا نجد إنسانًا واحدًا قد خلَّص نفسه.

 مثال ذلك: على رمال البرية نجد جمهورًا من الإسرائيليين مطروحًا يُكابد غصص الموت الناتج عن لدغات الحيات المُحرقة جزاء شره (عدد21) وما الذي يستطيع أن يخلِّص هؤلاء الإسرائيليين؟ إن كانت صلواتهم أو أعمال برهم تستطيع ذلك فها هو وقت عملها، ولكنهم أخطأوا إلى الله وقد تدخل - تبارك اسمه - في الأمر وبفم خادمه موسى أعلن خلاصه.

 نظرة واحدة إلى الحية النحاسية كانت كافية لشفاء اللدغة وخلاص الإسرائيلي من الموت، كان الخلاص خارجًا عن دائرة الإنسان، كان الخلاص خلاص الله، ولم يكن الإنسان مستحقًا له، ولما لم يستطع الحصول عليه بأعمال يعملها، كان عليه فقط أن يصدق الله ويؤمن بخلاصه.

 كل ما كان يستطيع الإسرائيلي المحتضر أن يعمله هو أن يرفع عينيه إلى الحية المرفوعة، وكان هذا هو كل ما يطلبه الله منه لأنه قال لموسى: «اصنع لك حية مُحرقة وضعها على راية فكل مَن لُدغ ونظر إليها يحيا».

 وهذه هي الحال على الدوام. ما على الإنسان إلا أن يأتي بالإيمان إلى الله الذي أساء إليه، وهو تبارك اسمه تفيض من قلبه نعمة لا تنتهي، مستعدة على الدوام أن تنسكب في قلب كل مَن يعترف بخطاياه، ويتحول عن المصادر البشرية ويثق في الله وحده.

 والآن نقول لك أيها القارئ إن لم تكن قد تمتعت بالخلاص بعد: ألا تعلم بأنك تقاسي لدغة حية أكثر ضررًا من تلك الحيات التي جلبها الإسرائيليون الخطاة لأنفسهم؟ على أي الأشياء أنت معتمد في خلاصك من الخطية ومن نتائجها المُرعبة التي تسعى إليها الآن بخطوات واسعة؟ مَن يستطيع أن ينقذك من تلك الهوة العميقة التي أنت تتمايل على حافتها الآن؟ هوة الدينونة الأبدية؟

 هل طقوسك أو فرائضك أو امتناعك عن تعاطي المُسكرات أو تهذيبك أو حفظك للأعياد والأيام المقدسة أو أعمالك أو صلواتك؟ هل يستطيع شيء من هذا كله أن يعمل على خلاصك؟ كلا. لو تكررت طقوسك وأعمالك الصالحة في العام ملايين المرات لا تستطيع أن تكفر عن خطية واحدة. وأنا أؤكد لك بأن الله لا يقبلك ولا يقبلها. أنت هالك خاطئ مسكين ولا يستطيع سوى الله أن يخلصك. والله يخلصك بطريقة واحدة فقط.

 يجب أن تأتي إليه كما أتى الابن الضال إلى أبيه (لو15) ـ كما أنت ـ في عُريك وتعاستك وعدم استحقاقك، بلا شيء حسن فيك وبلا ما يقربك من الله سوى احتياجك، مُظهرًا توبتك بقولك كما من ضمير شاعر بالخطية «أخطأت»، مؤمنًا بأن الله يستطيع ويريد أن يسامحك من أجل عمل ابنه.

 اسمع قول الرب يسوع عندما كان يعلن بشارة خلاص الله «وكما رفع موسى الحية في البرية، هكذا ينبغي أن يُرفع ابن الإنسان، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية. لأنه هكذا أحب الله العالم، حتى بذل ابنه الوحيد، لكي لا يهلك كل مَن يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية» (يو3: 15، 16).

 نظر الخاطئ قديمًا إلى الحية فعاش، وهكذا الآن ينظر الخاطئ المُثقّل بالخطية التي تهدده بغضب الله، ينظر بالإيمان إلى ذلك المنظر الرهيب في الجلجثة حيث تألم يسوع البار من أجل الأثمة الفجار.

 يا لها من محبة عجيبة لا يمكن التعبير عنها! محبة الله للإنسان الذي داس مجده تحت قدميه، ومع ذلك أتى المسيح وحمل الخطايا على الصليب، وقد وفىّ جميع مطاليب القداسة، ويجد قلب الله الآن راحة وشبعًا مستمرًا في الدم المسفوك، دم ابنه الحبيب. الأبواب السماوية مفتوحة الآن على مصاريعها، والله القدوس يدعو الضال إليه ويقدم له قُبلة المصالحة الأبدية. يأمره بأن يأتي إليه كما هو ويشترك في الوليمة التي أعدتها المحبة الأبدية. إن إعلان الغفران والسلام يخرج من بين شفتي الله نفسه، وهو إعلان الحياة الأبدية لكل مَن يؤمن بالابن.

 أيها القارئ العزيز.. بما أنك تقدِّر قيمة روحك الخالدة، دعني أتوسل إليك أن تمحو من قلبك كل شيء تظن خطأ بأنه يساعدك على الخلاص. حوِّل نظرك إلى المسيح فقط كما حوَّل الإسرائيلي المُحتضر نظره إلى الحية النحاسية لا غير. انظر إلى ذلك المخلِّص المجيد الذي عيَّنه الله. الذي سُمِّر مرة فوق الصليب، الذي خرج من جنبه المطعون ذلك الدم الذي يستطيع وحده أن يفدي الإنسان. علِّق كل آمالك على ذلك الدم الثمين وعليه وحده، إذ لا توجد مسافة بين الاعتراف القلبي بالخطية وبين الخلاص. جميع مخاوف النفس وشكوكها وآلامها ومتاعبها وتأوهاتها وصرخاتها وجهادها في أن تجد شيئًا صالحًا في ذاتها، الكل ينتهي بتحويل نظر الخاطئ إلى المسيح وبمعرفته بسرور وفرح أن الخلاص والسلام الحقيقيين مرتبطان تمامًا بالمسيح وبعمله الكامل. فهلا تؤمن الآن فتخلص؟؟

في لحظة واحدة تتغيَّر من الخطية تتحرر وتصبح إنسان سعيد وتتولد من جديد