أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2018
معجزات الرب يسوع في انجيل يوحنا
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

«وَآيَاتٍ أُخَرَ كَثِيرَةً صَنَعَ يَسُوعُ قُدَّامَ تَلاَمِيذِهِ لَمْ تُكْتَبْ فِي هذَا الْكِتَابِ. وَأَمَّا هذِهِ فَقَدْ كُتِبَتْ لِتُؤْمِنُوا أَنَّ يَسُوعَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَلِكَيْ تَكُونَ لَكُمْ إِذَا آمَنْتُمْ حَيَاةٌ بِاسْمِهِ» (يو٢٠: ٣٠، ٣١)

إنجيل يوحنا يذكر سبع معجزات فقط قبل موت المسيح. وهذه المعجزات تعكس مصادر رئيسية يُقدّمها الإيمان. لم تصف المعجزات أحداثًا تُغيِّر الحياة فحسب، لكن أيضًا تُمثل حقيقة أن الإيمان بالمسيح سيُغيّر حياتك، فيُمكنك الاتكال عليه.

عادةً ما يشير الرقم سبعة في الكتاب المقدس إلى رقم الكمال والتمام، كما في سبع أيام الخليقة (تك١: ٣-٢: ٣). في هذه الحالة، تُشير السبع معجزات إلى كمال الدليل على أن «الْكَلِمَةُ صَارَ جَسَدًا وَحَلَّ بَيْنَنَا» (يو١: ١٤)، وتزودنا بالشهود الذين يبرهنوا على حقيقة أن الله اتخذ لنفسه جسدًا. بالإضافة إلى الدليل والشهود، فإن كل معجزة أيضًا تمس ناحية معيشية معينة من الحياة، أود أن أشارككم بها. ومن منظوري الشخصي أن تلك السبع معجزات منظمة في مجموعتين؛ ستة منها عن المعيشة (living)، وواحدة عن الحياة (life).

المعجزة الأولى: تحويل الماء إلى خمر (يو٢: ١-١١): زواج مركزه المسيح

إن الزواج يُعَرَّف على أنه المركز الجوهري لحياة العائلة، وكلنا يعرف التحديات التي تواجه الحياة الزوجية، سواء من الداخل أو من الخارج. إلا أن هذا الثنائي الشاب كان لديهما مِن الحكمة ما جعلهما يدعوان المسيح إلى عرسهما. نتيجة لذلك، لما فرغت الخمر من الحفل، كان الرب هناك ليضمن استمراره. أية صورة أفضل لأهمية زواج مركزه المسيح؟ كل الزيجات تتعرض للارتفاع والانخفاض، وعادة ما يحتار الأزواج ويتساءلون إن كانت زيجاتهم قد فرغت منها الخمر. وأحيانًا أخرى ربما يشعرون أن الخمر قد تحولت إلى مرار. لكن إن كان الإيمان بالمسيح أمر محوري، كما في حالة زوجي قانا الجليل، أنت أيضًا ستختبر معجزة خمر المسيح في أوقات حرجة عندما تكون يائسًا، أو مفتقدًا لرؤية الاتجاه، أو المصادر أو المرونة. ستجد أنه من خلال التغيرات والتوترات التي في الحياة الزوجية، فإن الزواج الذي مركزه المسيح هو الطريق الوحيد لضمان استمرار وجود ”الخمر الجيدة“. وهذا أفضل ما في الموضوع وأكبر مفاجأة. ومع ذلك، شكى رئيس المتكإ للعريس من الخمر: «وَقَالَ لَهُ: كُلُّ إِنْسَانٍ إِنَّمَا يَضَعُ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ أَوَّلاً، وَمَتَى سَكِرُوا فَحِينَئِذٍ الدُّونَ. أَمَّا أَنْتَ فَقَدْ أَبْقَيْتَ الْخَمْرَ الْجَيِّدَةَ إِلَى الآنَ!» (ع١٠). هذا هو الوعد الذي يأتي به المسيح للزواج.

المعجزة الثانية: شفاء ابن خادم الملك (يو٤: ٤٣-٥٤): إيمان الأب

هذه المعجزة توضح أهمية إيمان الأب في حمل أولاده إلى الرب في كل سن، وكل مرحلة، وكل ظرف من حياة الأسرة. وها ”خادم الملك“ (ع٤٦)، الذي من أجل مصلحة ابنه، سأل الرب بتواضع ليُعِينه. إن شهادة هذا الأب - الذي طلب من الرب لأجل ابنه «لأَنَّهُ كَانَ مُشْرِفًا عَلَى الْمَوْتِ» (ع٤٧)، ثم «آمَنَ الرَّجُلُ بِالْكَلِمَةِ الَّتِي قَالَهَا لَهُ يَسُوعُ» (ع٥٠)، عندما قال له «اذْهَبْ. اِبْنُكَ حَيٌّ» (ع٥٣)، تشهد عن قوة الإيمان والمصادر المتاحة في المسيح. فكان التأثير المتنامي هو أنه «آمَنَ هُوَ وَبَيْتُهُ كُلُّهُ» (ع٥٣). لقد صار إيمان هذا الأب القناة التي من خلالها آمن كل أهل بيته، وبذلك يكون قد أدى دوره، والمسؤولية التي على عاتقه، كقائد روحي لأسرته.

المعجزة الثالثة: شفاء المُقعد العاجز (يو٥: ٥-١٥): مصادر العائلة والأصدقاء ربما تنضب، لكن المسيح لا يخيب

هذه المعجزة خاصة بإنسان عاجز، ومن جميع الإشارات نفهم أنه لم يكن له أي معتمد؛ لا أسرة ولا مجتمع. كان وحيدًا وبائسًا ويائسًا. وإجابته على سؤال المسيح، «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟» (ع٦)، تلتقط عمق اليأس الذي أحيانًا يهوي علينا جميعًا. فيُجيب: «يَا سَيِّدُ، لَيْسَ لِي إِنْسَانٌ يُلْقِينِي فِي الْبِرْكَةِ مَتَى تَحَرَّكَ الْمَاءُ» (ع٧). أحيانًا وبالرغم من الزواج والأولاد والأهل والعائلة والأصدقاء والأحباب وشركاء الاجتماع، نشعر بالوحدة التامة وانعدام المصادر. في تلك اللحظة يكون سؤال المسيح خطير؛ إنه يسأل: «أَتُرِيدُ أَنْ تَبْرَأَ؟». عندما نُجاوب، بعدم قدرتنا على التصرف، فإنه يجيبنا بأن يحقق لنا وعد مزمور٢٧: ١٠ «إِنَّ أَبِي وَأُمِّي قَدْ تَرَكَانِي وَالرَّبُّ يَضُمُّنِي». إن هذه المعجزة وهذا الرجل يبرهن على أنه لا يوجد ظرف نوجد فيه لا يكون لنا فيه مصدر، عندما يكون لدينا إيمان بالمسيح.

المعجزة الرابعة: إشباع الجموع (يوحنا٦: ١-١٤): أم حنون

ربما تتعجب لماذا عنونت هذه المعجزة بهذا العنوان: ”أم حنون“؟ فالجزء الأكبر منها عن أشخاص بالغين تبعوا المسيح إلى البرية دون التفكير في احتياجهم الوشيك للطعام. كثيرًا ما شابهتُ الـ٥٠٠٠ رجلاً؛ إذ انشغلت بصراعات الحياة أو أهوائي لأجد نفسي - أتكلم روحيًا- ”بلا غذاء“. إلا أن تلك لم تكن حالة ولد صغير. لقد كان مستعدًا. كان طعامه معه. مَن تعتقد أعد له غذاءه «خَمْسَةُ أَرْغِفَةِ شَعِيرٍ وَسَمَكَتَانِ» (ع١٠)؟ أعتقد أنها أُمُّه. وبهذا العمل، فهي أعدته لأن يقدم مصدره الضئيل للرب، ليُحوّله إلى وليمة معجزية!

ليس لدى الأهل خيار آخر غير إرسال أولادهم إلى العالم، لكن بإمكانهم تحضيرهم لبرية هذا العالم بالحرص على إشباعهم روحيًا في البيت ليُغنُوهم عن أي جوع للعالم، بإمدادهم ”بطعام روحي“ صحي عند خروجهم للبرية. وما يجب علينا تذكره هو أن الرب في البرية أيضًا، وسيستخدم ما يأتي به أولادنا ويُحوّله إلى الكثير جدًا (ع١٣).

المعجزة الخامسة: تهدئة العاصفة (يوحنا٦: ١٦-٢٤): عواصف الحياة

ترتبط هذه المعجزة بواحد من واقع الحياة الأساسي. هناك أوقات نشعر وكأننا نحيا حياتنا في إعصار؛ أحيانًا عاطفيًا، وأحيانًا جسديًا، وأحيانًا ذهنيًا، وأحيانًا أخرى كل الثلاثة معًا في آن واحد. بالرغم من الحقيقة التي نثق بها أنه لا يُمكن أن تصيبنا أية عاصفة لا نحتملها، وأننا سنحصل على المصادر التي نحتاجها لنحتمل، ونتغلب عليها، بل وننجح فيها (١كو١٠: ١٣)، إلا أننا كثيرًا ما نكون مثل هؤلاء التلاميذ في السفينة في وسط العاصفة. وأحيانًا نشعر كبطرس الذي حاول أن يثبّت نظره على الرب وهو ماشٍ على الماء وسط العاصفة (مت١٤: ٢٨-٣١)، لكن أيضًا كبطرس ربما نشعر بأننا نغرق، وإذ بنا نحصل على طوق نجاة، يد غير مرئية نزلت إلينا وانتشلتنا، حافظة إيانا وسط العاصفة، أو مُهدئة العاصفة حتى نستطيع مواصلة رحلتنا.

أحيانًا يحدث ذلك بسبب صرختنا المستنجدة، وأحيانًا لأن المسيح في سفينتنا، وأحيانًا لأنه كان سائرًا في عاصفتنا. إن مفتاح هذه المعجزة هو حضوره. وأحد الأسئلة التي يثيرها هذا المشهد هو: هل نحن على استعداد لأن ندعوه إلى حياتنا كشخص، أو كرفيق أو كأب، وهل سنلتفت إليه في عواصفنا الشخصية أو الزوجية أو العائلية. بالرغم من العواصف – المشاكل والتحديات – الرب ينادي: «أَنَا هُوَ، لاَ تَخَافُوا!» (ع٢٠). عندما نصغي، سنسمعها، وعندما نتجاوب معها، سنجد أننا على ”الشاطئ“ في أمان. الرب يسوع هو هدؤنا في وسط عواصفنا.

المعجزة السادسة: شفاء المولود أعمى (يوحنا٩: ١-٣٤): الإيمان في الشدة

بنظرة سطحية تبدو هذه المعجزة أنها عن النظر الحرفي، بينما هي في الواقع عن الفطنة والبصيرة بخصوص أحوال ومعاملات الأسرة، وتأثيرها على ما نرى ونستنتج ونترجم ونختبر. والسؤال الذي سأله التلاميذ هو سؤال أُسري: «يَا مُعَلِّمُ، مَنْ أَخْطَأَ: هَذَا أَمْ أَبَوَاهُ حَتَّى وُلِدَ أَعْمَى؟» (ع١). على الأرجح كانوا يتفكرون في خروج ٢٠: ٥ – أن ذنوب الآباء تُفتقَد في الأبناء للجيل الثالث والرابع – عندما سألوا هذا السؤال.

إن هذه المعجزة لم تأتِ بالبصر فقط للشاب، بل أيضًا أتت بالمشاكل له ولأسرته مع السلطات. فلأن المعجزة حدثت في السبت، تحرى الفريسيون في الأمر. وأولئك غير المؤمنين لم يقنعوا بالمعلومات التي حصلوا عليها من الشاب، فسألوا والديه أيضًا (ع١٨). الورطة كانت في أن والديه كانا متدينين، وقد ربياه على التقاليد الدينية، وكانا يحترمان ويهابان السلطات اليهودية. وإذ وضعا في موضع المدافعين عن ابنهما، استندا إلى كونه بالغًا عن أن يجيبا عنه: «هُوَ كَامِلُ السِّنِّ. اسْأَلُوهُ فَهُوَ يَتَكَلَّمُ عَنْ نَفْسِهِ» (ع٢١). إن هذه العبارة لا تؤكد فقط كونه بالغًا، بل أيضًا قادت إلى واحدة من أوضح الشهادات عمن هو المسيح: «أَخَاطِئٌ هُوَ؟ لَسْتُ أَعْلَمُ. إ ِنَّمَا أَعْلَمُ شَيْئًا وَاحِدًا: أَنِّي كُنْتُ أَعْمَى وَالآنَ أُبْصِرُ ... إِنَّ فِي هذَا عَجَبًا! إِنَّكُمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ مِنْ أَيْنَ هُوَ، وَقَدْ فَتَحَ عَيْنَيَّ. وَنَعْلَمُ أَنَّ اللهَ لاَ يَسْمَعُ لِلْخُطَاةِ. وَلكِنْ إِنْ كَانَ أَحَدٌ يَتَّقِي اللهَ وَيَفْعَلُ مَشِيئَتَهُ، فَلِهذَا يَسْمَعُ. مُنْذُ الدَّهْرِ لَمْ يُسْمَعْ أَنَّ أَحَدًا فَتَحَ عَيْنَيْ مَوْلُودٍ أَعْمَى. لَوْ لَمْ يَكُنْ هذَا مِنَ اللهِ لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَفْعَلَ شَيْئًا» (ع٢٥، ٣٠-٣٣).

أي ثقة عبَّر بها هذا الشاب. إن تجربته مع الرب يسوع حفَّزت إيمانه، وإيمانه دعمه في وجه الضيق الذي ساهم في إنضاج شخصيته، وأعطاه القوة للشهادة. هكذا يعمل الإيمان بالمسيح. ويمكنك الاتكال عليه.

المعجزة السابعة: إقامة لعازر من الموت (يوحنا ١١): الحياة الأبدية:

إن هذه المعجزة عن الحياة (life)، أكثر منها عن المعيشة (living). وبإقامة لعازر من الموت (ع٤٣)، أعلن الرب يسوع قدرته وسلطانه على الحياة والموت وهو على الأرض. بكل تأكيد هي معجزة استحوذت على انتباه كل شخص وقتئذ، وكذلك على انتباهنا نحن الآن. إلا أنها درس آخر في منهج الرب يسوع الذي علّمه خلال معجزاته. إن هذه المعجزة لم تمنع حدوث الموت، بل قد عكست نتائجه مؤقتًا. لقد مات لعازر ثانيةً. فلم تحدث النصرة النهائية على الموت قبل أن مات المسيح وقام، وأعطيت هبة الحياة الأبدية لكل مَن يؤمن باسمه (١يو٥: ١٣). إن الإيمان بالرب يسوع يُعطي حياة أبدية من خلال معجزة الولادة الجديدة لكل مَن يؤمن. هل تمتعت بهذه العطية المجانية، وحصلت على الحياة الأبدية؟ قال الرب يسوع: «أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا، وَكُلُّ مَنْ كَانَ حَيًّا وَآمَنَ بِي فَلَنْ يَمُوتَ إِلَى الأَبَدِ. أَتُؤْمِنِينَ بِهذَا؟» (ع٢٥). هذا هو سؤاله لك.

النقطة الرئيسية:

والآن إلى النقطة الرئيسية في هذا المقال. إن كنت مؤمنًا، فلك قدوم لكل المصادر الموجودة في المعجزات الست الأول لأنك اختبرت السابعة. وإن لم تكن، فليس لك، بل أنت بحاجة لأن تبدأ بالمعجزة السابعة أولًا.

وكيف يتصل هذا بالحياة عامةً، وبالزواج والحياة الأسرية بالأخص؟ عندما يتعلق الأمر بالحياة الشخصية والزواج والأسرة، فإن الكتاب المقدس هو أحسن كتاب علم نفس يمكنك قراءته؛ فهو يعطي التحريض والإرشاد والتصحيح والرجاء والتشجيع والحكمة (٢تى٣: ١٦). فمصادره تَمُدُّ الفرد بالصحة العقلية، وتَمُدُّ الأزواج بالصحة العلاقاتية، وتَمُدّ الأسرة بالصحة الوظيفية. وكمؤمن لك حق التمتع بكل المصادر التي يمنحك الله إياها كفرد وكشريك وكأب.

لو كنت غير مؤمن، ستستفيد أيضًا من الحكمة المتأصلة في كلمة الله، لكن بالأكثر ستكون مفيدة نفسيًا، أو في التفكير السليم أو في المعرفة البشرية والحكمة. ربما تستفيد ظاهريًا من صحة المعلومات العملية، لكنك لن تستفيد من قوة حكمة الله المُغيّرة، وتوجيه روحه القدوس وتعضيد الرب والمخلّص الموجود دائمًا والمدافع عنك (عب٤: ١٤-١٦؛ ٧: ٢٢-٢٥). إن صلاتي وطلبتي أن تستفيد من مزايا الإيمان بالمسيح كفرد وكزوج وكأب، وهكذا تتعرّف كفرد وكزوج وكأسرة بختم مصادقة الله (يو٦: ٢٧).

جيمس ب. تروتزر