أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2007
خامساً : الراعي العظيم - تأملات فى عظمه ربنا يسوع المسيح
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

(عبرانيين 13 : 20)

المسيح أعظم من موسى

 إن المسيح ليس هو رئيس كهنتنا العظيم فحسب (عب 4 : 14 ؛ 10 : 21)، بل هو أيضاً راعينا العظيم الذي أقامه الله من الأموات (عب 13 : 20). لا شك أن هذا العدد (عب 13: 20)، والذي يرد في الأصحاح الأخير من الرسالة إلى العبرانيين، ( وهو واحد من الأجزاء الكثيرة التي تناولت دور أولئك الذين قادوا شعب الله)، يشير إلى حقيقة أن الرب يسوع هو أعظم من موسى، ذلك القائد والراعي العظيم لشعب إسرائيل. ومع أن الرسالة إلى العبرانيين تركز على كهنوت المسيح، وكنتيجة لذلك تتناول بتوسع المفارقة مع هرون الكاهن، إلا أن المفارقة مع موسى لم تُهمَل. إن موضوع أفضلية المسيح بالنسبة لهرون وموسى مذكورة بالتتابع في الأصحاحات الإفتتاحية لرسالة العبرانيين التي تقدم الرب في لاهوته وفي ناسوته. فمع أنه ابن الله (ص 1)، فهو أيضاً ابن الإنسان الذي دخل السماء من خلال طريق الألم والاتضاع (ص 2). هذه السمات ذات الوجهين هي أساس كل من كهنوته الفريد (دور هرون)، وقيادته لشعب الله كرسول اعترافنا (دور موسى).

 لذلك نجد عبرانيين 3 : 1 يحثنا على ملاحظة واعتبار وإجلال المسيح يسوع، «رسول اعترافنا ورئيس كهنته». إننا بعين الإيمان نراه مكللاً بالمجد والكرامة، موسى الحقيقي وهرون الحقيقي. إنه أفضل من موسى الذي كان بالحق أميناً كخادم الله هنا على الأرض (عب 3 : 3 – 6). إن سيدنا أعظم بما لا يقاس من مجرد خادم إذ أنه يعمل كإبن على بيت الله، وهو يتكلم الآن من السماء (عب 12 : 25). لقد رعى موسى قطيع الله بإعطاء شعب إسرائيل الإرشادات الخاصة بعبادتهم وبسياحتهم في البرية (خر 3 :1، 12 ؛ مز 77 : 20). أما المسيح فهو الراعي العظيم للشعب السماوي. لفد أنقذنا من سلطان الظلمة (كو1: 13)، ومن عبودية رئيس هذا العالم. لقد أحضرنا إلى ذات محضر الله، تماماً كما خلّص موسى إسرائيل من يد فرعون وقادهم إلى جبل الله. إنه – تبارك اسمه - يجمع خاصته من اليهود والأمم على حد سواء، ويوردهم كقطيع واحد إلى مراع خضر. إنه يسير أمامنا ليهدينا الطريق بكلمته وبروحه. وهو يقودنا في هذا الطريق كل أيام حياتنا حتى نتمتع من الآن بمعية الله لنا، «ونسكن في بيت الرب إلى مدى الأيام» (مز23 : 6). وهو آتٍ سريعاً ليختطفنا ليُدخلنا المجد السماوي الذي قد ربحه لأجلنا بموته كالراعي الصالح (يو 10 : 11).

 من مصر إلى كنعان

إننا نرى في عبر انيين 13 : 20 تلميحاً إلى عبور الشعب القديم للبحر الأحمر. وإن إقامة موسى، الخارج من مياه البحر، راعياً لقطيع الله، يرسم أمامنا صورة توضيحية لقيامة المسيح من الأموات. فالمسيح، راعي الخراف العظيم، قد أقيم من الأموات (إش 63 : 11 – 13). لقد أُصعد بقوة الله من مياه الموت، ذلك الموت الذي ذاقه حقاً نيابة عنا، ليمنحنا حياة جديدة.

 لقد قاد موسى، بعد عبوره البحر، حشد كبير من الإسرئيليين الذين تبعوه، وعبر بهم «القفر العظيم المخوف» حتى وصل بهم إلى مشارف أرض موعدهم. هكذا، فإن المسيح هو قائد الشعب السماوي الذي ارتبط به في قيامته من الأموات. إننا نرنم معه ترنيمة الخلاص بعد أن تحررنا من سلطان الخطية والموت (خر15: 1). فشكراً لقيادته التي بها سنصل سالمين إلى نهاية سياحتنا، إلى جبل صهيون السماوي (خر 15 : 17). إنه هو رئيس إيماننا ومكمله (عب 12 : 2). إنه قائدنا الذي أنقذنا من سلطان العدو، والآن يقودنا إلى منزلنا السماوي. إنه، كالراعي الصالح، وضع حياته مرة من أجل خرافه حتى تكون لهم حياة ويكون لهـم أفضـل (يو 10 : 10 ، 11)، وهكذا بعد قيامته صار هو راعي الخراف العظيم. وبالارتباط بهذا الموضوع يمكننا أن نلاحظ العلاقة بين مزموري 22 و23. فمزمور 22 يوضح لنا أن المسيح وضع حياته من أجل خاصته وحصل على استجابة مجيدة لآلامه بقيامته من الأموات، أما مزمور "23" فيوضح لنا كيف يقوم الآن برعاية وقيادة غنمه أثناء مسيرتهم في البرية.

 ومع أن سيدنا قد تعيّن ابناً لله بقوة قيامته من الأموات، إلا أن عبرانيين 13 : 20 تعبر عن وجهة نظر أخرى من جهة قيامة الرب من الأموات. فكاتب رسالة العبرانيين ينظر إلى القيامة باعتبار أن الله الآب هو الذي أقام الرب يسوع. إن «إله السلام» هو الذي أقام ربنا يسوع من الأموات. فالمسيح أُقيم من الأموات بمجد الآب(رو 6 : 4). ونلاحظ أن الله مُقدَم هنا باعتباره «إله السلام»، ذلك اللقب المستخدم في العهد الجديد بالارتباط بالتقديس وتحقيق النصرة الكاملة على قوى الشر (رو 16 : 20 ؛ 2 كو 13 : 11 ؛ في 4 : 8 و 9 ؛ 1 تس 5 : 23). في عبرانيين 12 : 14 يرتبط السلام بالتقديس. إن إقامة المسيح من الأموات بواسطة إله السلام خلق حالة جديدة من السلام والتناغم، حالة من القداسة لا تستطيع الخطية أو قوى الشر أن تعكر صفوها. لقد مات المسيح للخطية مرة واحدة ليحل مشكلة الخطية إلى الأبد. إن الحياة التي يحياها الآن فهو يحياها لله في قداسة السماء، وفي محضر الآب الذي بمجده أُقيم من الأموات (رو 6 : 10). إن مجد الآب، أي كل ما للآب من عظمة وفضائل في ذاته، استلزم أن يُقام المسيح من الأموات وأن يُرفع في المجد، مكافأةً له على عمله الكفاري من أجل تمجيد الآب وإعلان كل صفاته المجيدة.

 إذن هنا قد تأكدت كل فاعلية الآب. لقد كان إله السلام نفسه هو الذي أقام ربنا يسوع من الأموات، راعي الخراف العظيم، وذلك بدم العهد الأبدي (عب 13 : 20). إن القيامة تأسست على دم الحمل، دم الكفارة الذي وفىّ جميع مطاليب العدل الإلهي مرة وإلى الأبد. إن الحَمَلْ الذي ذُبح كان هو نفسة الراعي الصالح. وهو قد ذُبح ليفتدينا لله بدمه، ولينقذنا من الدينونة. لقد كان خلاص إسرائيل من الهلاك في مصر على أساس دم خروف الفصح صورة أخرى لفداء المسيح لنا بدم نفسه.

 إن كل من خروف الفصح وعبور البحر الأحمريعتبران صور رمزية لموت ربنا يسوع المسيح. إن دم الخروف قد أنقذ إسرائيل من غضب الله ودينونته العادلة التي تطالب بموت الخاطي. وعند البحر الأحمر أيضاً كان الله مخلصاً لشعبه. فلقد أظهر للنور فداءه الكامل في خلاصه لشعبه وإهلاكه للعدو. لذلك فإن دم خروف الفصح قد وضع الأساس لخلاص إسرائيل من مصر وخروج الشعب من مياه البحر. وبنفس الطريقة، فإن دم المسيح قد أنقذنا من قضاء الله العادل من جهة، ومن جهة أخرى أنقذنا من هذا العالم الحاضر الشرير ومن سلطان إبليس. وهذا الإنقاذ الأخير رُمز إليه بعبور البحر الأحمر. لقد عبرنا مياه الموت مع قائدنا العظيم وهكذا خلصنا تماماً من سلطان العدو والعالم الذي تحت سلطانه. لذلك يجب علينا الآن أن نسلك في جدة الحياة، وأن نتبع خطواته أينما ذهب باعتباره راعي الخراف العظيم.

 رعية واحدة وراعٍٍ واحد

 لم يكن من السهل على المؤمنيين العبرانيين أن يتبعوا خطوات المسيح إذ كان هذا الأمر يتطلب ترك اليهودية والانفصال عن ديانة آبائهم. لذلك كان مكانهم مع المسيح «خارج المحلة» (عب 13 : 13)، خارج النظام الديني القائم الذي رفض المسيا. كان عليهم أن يحملوا عاره ويشاركوه رفضه خارج الحظيرة اليهودية، وأن يكرسوا أنفسهم للسجود المسيحي والذي مركزه هو شخص الرب يسوع المسيح.

 كان الرب قد أعلن في يوحنا 10 أنه سيقود خرافه خارج الحظيرة، وخارج السياج اليهودي. كان له خراف أخر ليست من هذه الحظيرة، هؤلاء هم المؤمنين من الأمم. كان عليه أن يضمهم حتى يكون الجميع رعية واحدة لراع واحد (يو 10: 3 و4 و16). جميع الفوارق السابقة قد اختفت وكوّنوا معاً قطيعاً واحداً جديداً مع المسيح كقائدهم الوحيد. إنه يمنح خرافه بركات غنية: الخلاص، الحياة الفضلى، الحرية الحقيقية، الحماية من الأعداء، الإرشاد، والمراعي الخضر. إنه يقودهم إلى أرض موعدهم.

 إنه من الأهمية بمكان أن نتعرف على هذا الراعي معرفة شخصية. «الرب راعيّ فلا يُعوزني شيء» (مز 23 : 1). إننا أيضاً نعرفه كالراعي الوحيد، والراعي الصالح (يو10 : 11، 14، 16). علاوة على ذلك فهو الراعي العظيم ورئيس رعاة قطيع الله (عب 13 : 20 ؛ 1 بط 5 : 4). إنه يكلف آخرين لرعاية خرافه، ولكن جميع هؤلاء الرعاة هم تحت سلطانه، هو رئيس الرعاة. عندما يظهر سيكافئ كل مَن اعتنى بالخراف بمنحهم إكليل المجد الذي لا يبلى (1 بط 5 : 4).

حَبَّذا راعٍ عظيـمْ في يَدَيْـهِ كُلُّنا حافظٌ إلى التـمامْ في أمانٍ وسلامْ

هوجو باوتر