أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2006
بين الرب يسوع و هارون رئيس كهنة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

أمام عظمة الرب يسوع المسيح، يتضاءل، بل يختفي كل رمز يشير إليه. فهو في شخصه ينفرد بالجلال والعظمة. وعندما نتأمل في ربنا يسوع المسيح باعتباره رئيس الكهنة العظيم، نجد الفرق الكبير والمُباينة العظيمة بينه وبين هارون، على النحو التالي.

  1. يُقال عن هارون وعن كل من جاء بعده من رؤساء كهنة، إنه رئيس كهنة فقط ، أما الرب يسوع فيُقال عنه إنه رئيس كهنة عظيم (انظر عب4: 14؛ 10: 21). وهنا يتفرَّد ربنا يسوع المسيح بهذه العظمة. وأما التعبير الذي ورد عن يهوشع، أنه الكاهن العظيم (زك3: 1؛ زك6: 11؛ عدد35: 22؛ يش20: 6) فهو يعني فقط أنه رئيس كهنة.
  2. في الحقيقة، كان الله يأخذ في الاعتبار حالة هارون الحقيقية. فقد كان هارون إنسانًا خاطئًا ساقطًا، ولو أنه كان رئيس كهنة. وفي يوم تقديس هارون وبنيه، كانت تلزم ذبيحة خطية تُقدم عنه وعن بنيه. ولا يمكن أن يكون ذلك رمزًا لربنا يسوع، لأن له المجد لم يكن محتاجًا إلى ذبيحة خطية، بل هو نفسه كان ذبيحة الخطية لأجلنا فوق الصليب. ولهذا كان هارون يدخل إلى قدس الأقداس مرتين ليرش دم ذبيحة الخطية على الغطاء وقدام الغطاء، أولاً لأجل نفسه، ولأجل بيته، ثم لأجل الشعب. فدخوله الأول لكي يكفِّر عن نفسه لا نجد فيه مشابهة بينه وبين المسيح، لأن الرب لم يكن محتاجًا إلى ذبيحة خطية، ولكن دخول هارون للمرة الثانية ليقدم عن خطايا الشعب، كان رمزًا واضحًا لربنا يسوع، لأنه ليس بدم تيوس وعجول، بل بدم نفسه دخل مرة واحدة إلى الأقداس، فوجد فداءً أبديًا (عب9: 12). ولذلك يقول الرسول عن هارون، إنه مُحاط بالضعف، لذلك كان لا بد أن يقدم ذبيحة عن نفسه وعن بيته (عب5: 3). أما الرب يسوع فهو القدوس الذي لم يعرف خطية، ولم يكن فيه خطية، ولم يعمل خطية، وجُرِّب في كل شيء مثلنا بلا خطية (عب4: 15).
  3. هارون دُعيَ من بين الناس ـ أي أنه كان وسط الناس، لكن الرب يسوع دُعيَ بالقيامة من الأموات ليكون رئيس كهنة. والرسول بولس يربط القيامة والبنوة معًا، فيقول «إذ أقام يسوع كما هو مكتوب أيضًا في المزمور الثاني: أنت ابني أنا اليوم ولدتك. أنه أقامه من الأموات، غير عتيد أن يعود أيضًا إلى فساد» (أع13: 33، 34). فالبنوة والقيامة عنصران أساسيان في الكهنوت السماوي، حيث أعطت له كل العظمة والجلال كإنسان. فهذا الابن الأزلي، الذي هو الله، صار في عرض الزمان جسدًا، والابن يُخاطَب من الآب كالله «كرسيك يا الله إلى دهر الدهور» (مز45: 6). ويُخاطب كالرب «وأنت يا رب في البدء أسست السماوات والأرض هي عمل يديك» (عب1: 10 ـ انظر أيضًا مزمور102: 25). وليكن معلومًا ومفهومًا جيدًا أن التجسد لم يخلق الابن، لكن الابن – الذي هو من الأزل وإلى الأبد - ظهر في الجسد، ولهذا أعطي لكهنوته كل العظمة.
  4. خدمة هارون المُحاطة بالضعف، كانت في البرية. أما خدمة المسيح فهي في الأقداس السماوية، وعندما نتقدم بثقة إلى عرش النعمة لننال رحمة، ونجد نعمة، عونًا في حينه، فإننا نتقدم إلى شخص جالس على عرش النعمة في السماء لأجلنا.
  5. الكهنة من بيت لاوي أُختيروا كهنة بدون قَسَم، ونتيجة لذلك، قطع من الكهنوت ناداب وأبيهو. لكن الرب يسوع أخذ كهنوته بقَسَم كما يذكر الرسول «لأن أولئك بدون قَسَم قد صاروا كهنة، وأما هذا فبقَسَم من القائل له: أقسم الرب ولن يندم، أنت كاهن إلى الأبد على رتبة ملكي صادق» (عب7: 21).
  6. هارون كان كاهنًا فقط، وما كان في الإمكان أن يكون ملكًا وكاهنًا، أما الرب يسوع فهو ملك وكاهن على رتبة ملكي صادق.
  7. كان هارون معرَّضًا للموت، لذلك كان هناك مَنْ يخلفه، فنقرأ «يُضم هارون إلى قومه ... خُذ هارون وألعازار ابنه، واصعد بهما إلى جبل هور، واخلع عن هارون ثيابه، وألبس ألعازار ابنه إياها. فيُضم هارون ويموت هناك» (عد20: 24- 29). وهكذا كف هارون أن يكون كاهنًا بعد موته. أما الرب يسوع أصبح رئيس كهنة عظيم بعد موته وقيامته، ويبقى كاهنًا إلى الأبد بحسب قوة حياة لا تزول.
  8. ليس في مقدور هارون أن يجلس، لأنه يقدم مرارًا كثيرة تلك الذبائح التي لا تستطيع البتة أن تنزع الخطية. لذلك لم يكن هناك كرسي في خيمة الاجتماع. أما الرب يسوع فبعدما قدَّم عن الخطايا ذبيحة واحدة، جلس إلى الأبد عن يمين الله (عب10: 11، 12) وأيضًا «وأما رأس الكلام، فهو أن لنا رئيس كهنة عظيم مثل هذا قد جلس في يمين العظمة في السماوات، خادمًا للأقداس والمسكن الحقيقي الذي نصبه الرب لا إنسان» (عب8: 11، 12).
  9. هارون وبنوه كان لزامًا عليهم أن يغسلوا أيديهم وأرجلهم بماء من المرحضة النحاسية لإزالة وسخ الجسد الذي عليهم قبل دخولهم إلى القدس لممارسة خدمتهم. ومع أن هارون كان قد طهر، وغُفرت خطاياه بواسطة الدم الثمين (رمزيًا)، لكن كان عُرضة لمُلامسة الدَنَس واحتاج إلى الاغتسال بالماء. وفي هذا يتضح الفرق الكبير بينه وبين الرب يسوع، الذي لم تتسخ قدماه قط، ولم يتنجس بتاتًا، رغم أنه كان متواجدًا في مشهد نجس، وينطبق عليه قول المرنم.
جاز فى أرض الشقا
عظموه و أقتفوا
مظهرا كل كمال
إثر من أعطى المثال
رشاد فكري