أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2005
أليشع لم يكن يعرف لكنه كان يعلم
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

ها هي الأرملة المسكينة التي عانت قدر ما عانت، ليس لفراق زوجها وترملها فقط، بل من تكرار قدوم هذا المرابي الفظ طالبًا كل مرة الدين أو عبودية الولدين. أقول ها هي قد عادت مرة أخرى إلى رجل الله بعد أن تحقق كل ما أعلنه لها، وبعد أن ملأ الزيت جميع الآنية . وإني أتخيل رجوعها إليه هذه المرة رجوعًا مختلفًا, فلقد أتت قبل ذلك مكمدة الوجه كسيرة القلب، تنوء بالحمل كالمثقل العاني، لدرجة أنها بمجرد أن وصلت إليه صرخت. لكنها هذه المرة جاءت تعلو وجهها علامات الفرح. فالقلب فرحان، والوجه طلق (أم15: 13). ولقد أخبرت رجل الله بكل شيء، وعن الزيت الذي ملأ جميع الأوعية، رافضة أن تتصرف من نفسها دون رأي رجل الله.

 لكني أجد كل العجب في إجابة رجل الله أليشع عليها: «اذهبي بيعي الزيت، وأوفي دينك، وعيشي أنت وبنوك بما بقي» (2مل4: 7).

 أتعجب لأن هناك أمورًا لم يكن يعرفها أليشع وهي:

 1. لم يكن يعرف مقدار الدين – لا المبلغ المُقترض ولا المبلغ الإضافي كفوائد الذي حدده المرابي.

 2. لم يكن يعرف عدد الجيران في الشارع الذي تقطنه هذه السيدة الأرملة ولا نوعياتهم.

 3. لم يعرف بالتالي عدد الآنية ولا حجمها.

 4. وبالتالي لم يعرف كمية الزيت الذي ملأ الأوعية.

 5. لم يعرف ثمن الزيت في ذلك الوقت. إذاً هناك أشياء كثيرة لم يكن يعرفها أليشع، لكن رغم ذلك كان هناك شيء يعلمه تمامًا، ألا وهو قلب الله المحب. وكأنه يقول مع بولس «إنى عالم بمن آمنت» (2تي1: 12).

 فكان يعلم أن الله بالتأكيد أعطى هذه المرأة جرأة وجسارة لأن تطلب من جميع جيرانها أوعية دون خجل.

 وكان يعلم أن الله يعلم أنه عمل في قلوب جيرانها فأعطوها أفضل الآنية وأكبرها حجمًا. وبالتأكيد سمح أن يباع الزيت بأفضل ثمن.

 إذًا لم يكن عند أليشع شيء من المعطيات: لا حجم الزيت ولا سعره ولا مقدار الدين. لم يكن عنده شيء سوى إدراكه لقلب الله المحب, الله الذي سيبقى دائمًا أمينًا لا يقدر أن ينكر نفسه. وبناء على هذه المعطيات، أعلن بكل يقين «اذهبي بيعي الزيت وأوفى دينك، وعيشي أنت وبنوك بما بقي» (2مل4: 7).

 إن أفضل ما كانت تتمناه الأرملة هو أن يسدد الدين، وتتخلص من ذلك المرابي الفظ, ولتعش بعد ذلك كيفما يكون. لتشحذ أو تلتمس خبزًا. لكن هل الله المحب يسدد الدين فقط؟ كلا، فإنه من منطلق قلبه الجواد أعطى زيتًا وفيرًا، وعندما بيع فإن ثمنه تعدى الدين، فسُدِدَّ، والباقي كان يكفي لتعيش به الأرملة وأولادها.

 لقد مات الزوج الذي كان يخاف الله. فهل تخلى الله عن الولدين؟ كلا، لقد كان الرب يعول الزوج والأسرة, ولقد كان الزوج صِديقًا لم يتخلَ الرب عنه, فهل بعد رقاده يتخلى عن ذريته؟ كلا، فإن الإجابة القاطعة لنفسٍ مدربة اختبرت أمانة الرب خلال عمر طويل: «كنت فتى وقد شخت، ولم أرَ صدِّيقاً تُخليّ عنه، ولا ذرية له تلتمس خبزًا» (مز37: 25).

 أمانة الله أكبر من احتياجاتنا وأعظم من كل إعوازنا . عليك أيها القارئ العزيز أن تعلم وأن تتدرب كيف تثق في ذلك القلب المحب السخي الذي يعطي ليس حسب الحاجة فقط بل بحسب جوده وغناه.

عادل حبيب