أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يوليو السنة 2011
إحتراق شاب فى جمعة الغضب
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
هل سمعت عن هذا الشاب الذي احترق يوم جمعة الغضب، بل ظلت النيران تشتعل في جسمه وعظامه لثلاث ساعات متواصلة، وهو يصرخ من هول اللهيب المستعر في كل كيانه، ولم يقترب منه أحد لإنقاذه، لا عدو ولا حبيب، إلى أن أسلم الروح ومات.   إليك قصة هذا الشاب وهي أغرب قصة عرفها التاريخ:
قامت الثورة المصرية في بلادنا العزيزة يوم الثلاثاء في الخامس والعشرين من شهر يناير 2011، بعد ثورة تونس بأسابيع ٍ قليلة، معلنة الاحتجاج العام ضد النظام الفاسد الذي حكم مصر لمدة ثلاثين عامًا، كلها ظلم وفساد.  وإذ لم يستجب النظام لهذه الاحتجاجات في أيام الثلاثاء والأربعاء والخميس، حدّدوا يومًا، هو يوم الجمعة، وأعلنوا فيه احتجاجًا أعَمّ وأشمل، وأسموه “جُمعة الغضب”، لينفجر بركان الغضب الشعبي على النظام الفاسد.  وعلى أثر ذلك قامت بعض الشعوب العربية باحتجاجات وثورات مماثلة، وفيها تعين يوم جمعة وأسموه أيضًا “جُمعة الغضب”.  وكان نتيجة ذلك أن اندلعت النيران في أماكن كثيرة من البلاد، ومات كثيرين من الشباب، وأصيب الآلاف منهم.  
ولكن هذا يأخذنا إلى جمعة غضب أعظم.  وهي أعظم جمعة غضب في التاريخ..  وقد كانت أحداث جمعة الغضب هذه هي هكذا:
الزمان: يوم الجمعة؛ من الساعة الثانية عشر ظهرًا حتى الساعة الثالثة بعد الظهر، منذ حوالي 2000 سنة، أي في بداية القرن الأول الميلادي.
المكان: لم تتم أحداث هذه الجمعة في ميدان التحرير، كما حدث في بلادنا، أو في ميدان اللؤلؤة كما حدث في البحرين، أو باب العزيزية كما حدث في ليبيا، أو في درعا كما حدث في سوريا، أو في صنعاء كما حدث في اليمن؛ بل تمت أحداث جمعة الغضب هذه في جبل الجلجثة شرقي مدينة أورشليم القدس.
 وهذا يقودنا إلى الأسباب التي أدت إلى جمعة الغضب هذه:
الأسباب لم تكن ثورة من الشعب على الحاكم الظالم الفاسد؛ بل كانت ثورة من الحاكم العادل المحب الحنان على الشعب الفاسد الظالم.

طبيعة الأحداث في جمعة الغضب هذه:

لقد كانت الأحداث في جمعة الغضب التاريخية هذه، مختلفة تمامًا عن الأحداث التي رأيناها في ميدان التحرير أو في درعا أو في تونس أو خلافه..  فقد كانت النيران المشتعلة من نوع غريب. فهي  لم تكن تشتعل في مباني الحزب الحاكم، أو في مدرِّعة من مدرِّعات الأمن أو أحد مراكز الشرطة؛ بل الغريب أن هذه النيران لم تكن تشتعل إلاّ في  شابٍ واحدٍ وحيدٍ، هو أعظم وأروع الشباب الذين عرفهم التاريخ.  وقد كان هذا الشاب وحيد أبيه، وأنا أعرف هذا الشاب جيِّدًا، وأعرفه معرفة شخصية.  هذا الشاب لم يشعل النار في نفسه احتجاجًا على الظلم والفساد، مثلما فعل الشاب  التونسي مُفَجر الثورات العربية محمد بوعزيزي.  ولكن هذا الشاب اشتعلت فيه النيران بطريقة مختلفة تمامًا.  وقد ظلت النيران تشتعل في جسمه وعظامه لمدة ثلاث ساعات متواصلة.  ولم يجد هذا الشاب بجانبه أحد يشفق عليه، حتى أبيه (رو8: 32 )!  بل على العكس، أُبعد عنه محبًّا وصاحبًا، بل اعتبره أقاربه أنه أحد الأجانب غير المرغوب فيهم والذين لا يمكن التعامل معهم على خلفية عنصرية، دينية كانت أم عرقية، فقد كانوا ينعتونه قبل ذلك بأنه سامري. وأيضًا تكلم عليه الحكّام وأولى الأمر (الجالسون في الباب)، حتى أن المدمنين والسكارى عندما كانوا يغيبون عن العقل كانوا يتغنون به استهزاءً.  وانتظر رِقّة فلم يجد ومعزّين فلم يكن (مز69: 8، 12، 20).  ومن شِدَّة النيران عطِش، لدرجة أن قوَّته يبست مثل شقفة، ولصق لسانه بحنكه وذاب قلبه كالشمع (مز22: 14، 15).  ولأن النيران كانت شديدة جدًا، وصل دخانها إلى عنان السماء، لدرجة أنه حجب ضوء الشمس وهي في رابعة النهار، حتى أمسى العالم كله في ظلمةٍ حالكة طيلة ثلاث ساعات.  «وَمِنَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ كَانَتْ ظُلْمَةٌ عَلَى كُلِّ الأَرْضِ إِلَى السَّاعَةِ التَّاسِعَةِ» (مت27: 45).  وظلّت النيران مشتعلة في جسمه وعظامه وهو يصرخ ويقول للعابرين من حوله: «أَمَا إِلَيْكُمْ يَا جَمِيعَ عَابِرِي الطَّرِيقِ؟  تَطَلَّعُوا وَانْظُرُوا إِنْ كَانَ حُزْنٌ مِثْلُ حُزْنِي الَّذِي صُنِعَ بِي، الَّذِي أَذَلَّنِي بِهِ الرَّبُّ يَوْمَ حُمُوِّ غَضَبِهِ؟  مِنَ الْعَلاَءِ أَرْسَلَ نَارًا إِلَى عِظَامِي؛ فَسَرَتْ فِيهَا» (مرا 1: 12).  إلى أن أسلم الروح ومات.
هذا الشاب لم، ولن، يعرف التاريخ مثله:
فقد كان شابًا عظيمًا جميلاً.
أبرع جمالاً من بني البشر.
انسكبت النعمة على شفتيه.
ليس فيه خطية.
ولم يفعل شيئًا ليس في محله.
جال يصنع خيرًا ويشفي جميع المتسلِّط عليهم إبليس.
أشبع الجياع.
شفى المرضى والمنكسري القلوب.
عزَّى النائحين، وكفكف دموع الباكين.
أنصف المظلومين.
طهَّر البُرص.
أقام الموتى.
ووهب البصرَ لكثيرين.
ونادى بأعظم المبادئ التي لم تعرفها الإنسانية قبل ذلك مثل:
محبة الأعداء،
ومقابلة اللعنة بالبركة،
والبُغضة بالإحسان،
والصلاة لأجل المسيئين،
وعدم إدانة الأخرين،
والتواضع،
والوداعة،
وإنكار الذات.
هذا الشاب هو يسوع المسيح ابن الله المتجسد - له كل المجد - الذي عُلِّق على الصليب يوم الجمعة، وقد كانت يوم جمعة الغضب الإلهي الذي انصبَّ عليه.
ولكن هنا سؤال يطرح نفسه:
رغم كل هذه الرَّوعة التي يتمتع بها هذا الشخص الفريد، لماذا التهمته النيران في جمعة الغضب؟  ولماذا انصبّ عليه كل الغضب الإلهي؟
لقد كان الله قد أصدر أمره، بأن غضبه مُعلن من السماء على جميع  فجورالناس وإثمهم (رو1: 18) .  ولكن في ذلك اليوم، رأينا هذا الشخص البديع يتقدِّم طوعًا واختيارًا ليكون النائب والبديل عن البشر، وهو يقول بلغة الرمز لله عن كل واحد منا: «ثُمَّ إِنْ كَانَ قَدْ ظَلَمَكَ بِشَيْءٍ، أَوْ لَكَ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَاحْسِبْ ذلِكَ عَلَيَّ... أَنَا أُوفِي» (فل 18).  وعندها انصبّ عليه كل الغضب الإلهي، واستقرَّعليه.  لذا نراه يقول بروح النبوة في المزمور: «عليّ استقر غضبك وبكل تياراتك ذللتني» (مز88: 7).  فقد نزل عليه كل الغضب الإلهي كالنائب والبديل عنا على الصليب.  وهذه هي الالآم الكفارية التي اجتاز فيها ربنا يسوع المسيح وهو على الصليب، لكي يدفع ثمن خطايانا ويوفي مطاليب العدالة الإلهية حقها.  بل هناك صرخ الصرخات المريرة وهو يقول: «غَمْرٌ يُنَادِي غَمْرًا عِنْدَ صَوْتِ مَيَازِيبِكَ. كُلُّ تَيَّارَاتِكَ وَلُجَجِكَ طَمَتْ عَلَيَّ» (مز 42: 7).  وبهذا الكمِّ الغير المحدود من الآلام المريرة التي قاساها الرب يسوع المسيح في جمعة الغضب، هدأت ثورة الغضب الإلهي ورجعت كل حقوق الله المسلوبة.  بل دخل الإنسان داخل دائرة الرضا الإلهي.  
لقد عُلِق الرب يسوع المسيح على الصليب يوم الجمعة وهذه هي جمعة الغضب الحقيقية، بل أخطر وأعظم جمعة غضب عرفها التاريخ، والتي فيها انصَبّ كل غضب الله على المسيح؛ وبذلك استوفت العدالة الإلهية حقها تمامًا.
 وعندها قال الرب يسوع - له كل المجد - «قَدْ أُكْمِلَ»، وَنَكَّسَ رَأْسَهُ وَأَسْلَمَ الرُّوحَ (يو19: 30).
فلو كان الله سكب هذا الغضب على البشر ما كان أخذ حقه على الإطلاق؛ لأن البشر مهما كان عددهم كبيرًا، لكنهم محدودين.  وكيف للمحدود أن يوفي الغير محدود.  ولكن الرب يسوع المسيح - تبارك اسمه - غير محدود، فهو الوحيد الذي استطاع أن يوفي العدل الإلهي حقه، ولم ينزل من على الصليب إلا بعد أن قال قد أُكمل.
أخي أختي لقد كان الغضب الذي تحمّله الرب يسوع المسيح على الصليب من نصيبنا، بل النيران التي اشتعلت في جسمه لثلاث ساعات كانت من نصيبنا إلى أبد الآبدين؛ ولكنه تحمَّل كل هذا  عوضا عنـّا.  وكل من يُقبل إليه الآن ويؤمن بهذا العمل العظيم الذي عمله على الصليب سوف ينال النجاة من الغضب الإلهي ومن النيران الأبدية في الحال.  ولكن تحذير لكل من يتهاون، إذا لم يأتِ الآن، فسوف يُلقى في النار، لا ثلاث ساعات، بل إلى أبد الآبدين، حيث النار الأبدية والظلمة الحالكة. أرجوك تعال إليه لكي ينقذك من الغضب الآتي.

                يعقوب جاد

 

يعقوب جاد