أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد أبريل السنة 2016
ببراهين كثيرة قاطعة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
الفصل السادس

تلميذا عمواس (١)

«وَبَعْدَ ذَلِكَ ظَهَرَ بِهَيْئَةٍ أُخْرَى لاِثْنَيْنِ مِنْهُمْ، وَهُمَا يَمْشِيَانِ مُنْطَلِقَيْنِ إِلَى الْبَرِّيَّةِ» (مر١٦: ١٢)

مرت عدة ساعات بين الأحداث التي تناولناها وبين هذه الحادثة التي – كما نعلم – قد وردت بتفصيل في إنجيل لوقا. لقد مضى ما قبل ظهر اليوم الأول من الأسبوع*، ومع ذلك، ورغم الرسالة التي أتت من النساء أن الرب حيّ، وأن بعضهن قد رأينه، لكن الغمة لم ترتفع حتى ذلك الحين عن قلوب خاصته.

وهكذا فإن اثنين منهم ذهبا في طريقهما «كَانَا مُنْطَلِقَيْنِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ إِلَى قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ عَنْ أُورُشَلِيمَ سِتِّينَ غَلْوَةً، اسْمُهَا عِمْوَاسُ» (لو٢٤: ١٣). لقد أدارا ظهريهما، بفعل خيبة الأمل، حيث وضع الناس الرب على الصليب، وحيث وُضعت آمالهم في القبر حيث وُضعَ، وأرادا أن ينسيا ما حدث، ولكنهما لم ينسيا إذ «كَانَا يَتَكَلَّمَانِ بَعْضُهُمَا مَعَ بَعْضٍ عَنْ جَمِيعِ هَذِهِ الْحَوَادِثِ» (لو٢٤: ١٤).

ولكن سَيِّدهما المُقام لم يعد محتجبًا عنهما، وها قد جاء إلي هذين التلميذين. لقد وقف من وراء مريم الباكية في ذلك الصباح دون أن تدري به، واقترب من النسوة اللائي هربن من القبر وقوله يرن في آذانهن: «لاَ تَخَافَا»، ولم ينسَ بطرس الذي سقط، وها هو الآن يظهر لهذين التلميذين، وهما لم يظهرا في المقدمة بين الآخرين حتى الآن، ولكنهما هامان للرب «وفيما هُمَا يَتَكَلَّمَانِ وَيَتَحَاوَرَانِ، اقْتَرَبَ إِلَيْهِمَا يَسُوعُ نَفْسُهُ وَكَانَ يَمْشِي مَعَهُمَا» (لو٢٤: ١٥).

ودعونا نلاحظ أنه الرب يسوع بشخصه اقترب إليهما. لقد قيل سابقًا: «حِينَئِذٍ كَلَّمَ مُتَّقُو الرَّبِّ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَالرَّبُّ أَصْغَى وَسَمِعَ، وَكُتِبَ أَمَامَهُ سِفْرُ تَذْكَرَةٍ لِلَّذِينَ اتَّقُوا الرَّبَّ وَلِلْمُفَكِّرِينَ فِي اسْمِهِ» (ملا٣: ١٦). وهنا أيضًا «هَكَذَا قَالَ الْعَلِيُّ الْمُرْتَفِعُ، سَاكِنُ الأَبَدِ، الْقُدُّوسُ اسْمُهُ: فِي الْمَوْضِعِ الْمُرْتَفِعِ الْمُقَدَّسِ أَسْكُنُ، وَمَعَ الْمُنْسَحِقِ وَالْمُتَوَاضِعِ الرُّوحِ، لأُحْيِيَ رُوحَ الْمُتَوَاضِعِينَ، وَلأُحْيِيَ قَلْبَ الْمُنْسَحِقِينَ» (إش٥٧: ١٥). وهذا عين ما قاله مسبقًا لتلاميذه: «لاَ أَتْرُكُكُمْ يَتَامَى. إِنِّي آتِي إِلَيْكُمْ» (يو١٤: ١٨). حقًا إنه «يَسُوعُ نَفْسُهُ ... يَمْشِي مَعَهُمَا» (لو٢٤: ١٥). ألم يدفع هذين التلميذين المتضعين وجذبهما من طريق الشك واليأس بهذه القوة التي لا تُقهر. ولسوف نُقابل «يَسُوعُ نَفْسُهُ» مرة أخرى في رواية القيامة.

وحقيقة أنه ظَهَرَ لهما «بِهَيْئَةٍ أُخْرَى» (مر١٦: ١٢)، «وَلَكِنْ أُمْسِكَتْ أَعْيُنُهُمَا عَنْ مَعْرِفَتِهِ» (لو٢٤: ١٦). وبالمثل فإن مريم عند القبر، والسبعة عند بحيرة طبرية «لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَسُوعُ». والتلاميذ أيضًا في ذلك المساء «ظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحًا» (يو٢٠: ١٤؛ ٢١: ٤؛ لو٢٤: ٣٧). ومع ذلك فإنه في هذه الحالة يبدو أنه كان له قصد معين ألا يُظهر نفسه لهما. وهنا فإن السّيِّد الإلهي كان معنيًا بأن يفتح لهما أعينهم الروحية قبل أن يفتح لهما أعينهم الجسدية. ألا يفعل ذلك معنا في سيرنا في طريق الحياة إلى المقصد السماوي حيث يتحول الإيمان إلى عيان؟

«فَقَالَ لَهُمَا: مَا هَذَا الْكَلاَمُ الَّذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟» (لو٢٤: ١٧). ويا لها من ملحوظة غريبة نلمسها من رد “كِلْيُوبَاس” في إجابته المندهشة المؤنبة: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» (ع١٨). فكيف كان ممكنًا لأي شخص أن يكون في أورشليم ولا يقع تحت تأثير الأحداث الصادمة التي وقعت هناك؟ واليوم فإن الأحداث التي ظهرت في العالم قد أصبحت عمليًا معروفة لكل العالم الواسع بكل الوسائل وفي كل العالم المُسمى بالمسيحي، ولكن مع ذلك لم يتحرك معظم الناس بهذه القصة. والرب يدعو للعالم المسيحي «أَنَّكَ لَسْتَ بَارِدًا وَلاَ حَارًّا» (رؤ٣: ١٥)، فإن الفتور واللامبالاة قد أصبحتا الآن سائدتين، وأصبح العالم المسيحي ينفر من المسيح، الأمر الذي يحث الرب لدينونته. فيا أيها الأصدقاء: ما هي استجابتنا لهذه الأشياء التي حدثت في أورشليم في تلك الأيام؟

ولكن بدا أن هذا الغريب قد غادر أبواب أورشليم وهو على ما اعتقداه أنه غير مُلم بكل ما حدث: «فَقَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالاَ: الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الَّذِي كَانَ إِنْسَانًا نَبِيًّا مُقْتَدِرًا فِي الْفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ الْمَوْتِ وَصَلَبُوهُ» (لو٢٤: ١٩، ٢٠). هذا “النَبِيٌّ العَظِيم” الذي فيه «افْتَقَدَ اللهُ شَعْبَهُ»، هذا “المُعَلِّمُ” الذي “أَتَىَ مِنَ اللهِ مُعَلِّمًا”، والذي “تَبَرْهَنَ مِنْ قِبَلِ اللهِ بِقُوَّاتٍ وَعَجَائِبَ وَآيَاتٍ صَنَعَهَا اللهُ بِيَدِهِ فِي وَسْطِهِمْ”، وأمام عيونهم، «الَّذِي جَالَ يَصْنَعُ خَيْرًا، وَيَشْفِي جَمِيعَ الْمُتَسَلِّطِ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ، لأَنَّ اللهَ كَانَ مَعَهُ»، هو «الَّذِي أَيْضًا قَتَلُوهُ مُعَلِّقِينَ إِيَّاهُ عَلَى خَشَبَةٍ» (لو٧: ١٦؛ يو٣: ٢؛ أع٢: ٢٢؛ ١٠: ٣٨، ٣٩). حقًا كان هذا شيئًا لا يمكن أن يتجاهله حتى أشد غير المبالين. والآن هل خفيَّ كل شيء عن هذا الغريب؟

ولكن ماذا علما هما عن هذه الأشياء؟ هل أدركا حقًا المغزى الحقيقي لهذه الأحداث؟ «وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ الْمُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ. وَلَكِنْ، مَعَ هَذَا كُلِّهِ، الْيَوْمَ لَهُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذَلِكَ» (ع٢١). هل كانوا حقًا ينتظرون عبثًا “مَعَ جَمِيعِ الْمُنْتَظِرِينَ فِدَاءً” فِي إسرائيل؟ (لو٢: ٣٨). ولكن الحقيقة أن كل ما حدث كان بالضبط من أجل هذا الفداء، الذي استلزم أن يتألم المسيح ويموت. ودَمِهِ، هذا المكتوب عنه «دَمٍ كَرِيمٍ، كَمَا مِنْ حَمَلٍ بِلاَ عَيْبٍ وَلاَ دَنَسٍ، دَمِ الْمَسِيحِ»، قد أصبح الأساس الإلهي للفداء (١بط١: ١٩). أَوَ لم يتكلم بوضوح عن اليوم الثالث؟ فحقيقة لم يكن هناك سبب لخيبة الأمل في هذه الأحداث في تلك الأيام القليلة الماضية؟ ومع ذلك فقلوبهم – وقد امتلأت بأفكارهم وتوقعاتهم البشرية الشخصية – كان حتمًا أن تُصاب بخيبة الأمل.

وهكذا نجدهما هنا يقولان: «بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا». لقد وصلت إلى مسامعهما رواية النساء عن القبر الفارغ، وعن “مَنْظَرَ مَلاَئِكَةٍ”، وعن “أَنَّهُ حَيٌّ”. ولكن بدلاً من أن يفرحوا بهذا - كما كان ينبغي أن يكون – فإنهما كانا يائسين ومتحيرين (ع٢٢، ٢٣). والأكثر من ذلك أنه “مَضَى قَوْمٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَهم إِلَى الْقَبْرِ، فَوَجَدُوا هَكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضًا النِّسَاءُ” ، فما الذي يحتاجون إليه أكثر؟ الإجابة نسمعها منهما عندما قالا: «وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ» (ع٢٤).

وهكذا لم يريا ببساطة أنه الرب! وها هو ببساطة أمامهما، ولكن قلبيهما، كما أعينهما “أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ” (ع١٦).

«وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ» (لو٢٤: ٢٤) ... هكذا أنهى التلميذان تقريرهما للغريب الذي انضم إليهما. وكان كلامهما يمتلئ المرة بعد الأخرى بالإشارة إلى ضمير الغائب. لأنه – ورغم خيبة الأمل المريرة التي ملأت قلبيهما – فإن أعمق مصادر حزنهما هي “هو”؛ سَيِّدهما الذي كانا يُحبانه فوق كل شيء آخر، لكنه أُخذ منهما فجأة بقسوة.

والآن أتت اللحظة للرب نفسه ليفتح فمه، وهو ما أشبع وأبهج أشواقهما إليه – أي للرب. ولكن الطريقة التي فعلها للفور مُلفتة. فهو لم يلفت نظرهما لحضوره الجسدي، ولكن بالأحرى لكلمة الله التي لا تُخطئ، ولشهادة الكتب (يو٥: ٣٩).

«فَقَالَ لَهُمَا: أَيُّهَا الْغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ» (لو٢٤: ٢٥). والآن مَن كان له التأنيب قد أصبح المؤنب. لقد سألاه سابقًا مؤَّنِبيِن: «هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ الَّتِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هَذِهِ الأَيَّامِ؟» (ع١٨)، والآن يسمعانه يدعوهما أنهما “لا يعلمان وغبيان”.

وفي كل هذا تعليم لنا. فكثيرًا ما نظن أننا نعلم شيئًا ما، ونتقدم بثقة على هذا الأساس، فتوقفنا هذه العبارة الخطيرة من شفتي الرب: «لَسْتَ تَعْلَمُ» (يو٣: ٢، ١٠؛ رؤ٣: ١٧). فليتنا نُعطي التفاتًا أكبر «حَتَّى بِالصَّبْرِ وَالتَّعْزِيَةِ بِمَا فِي الْكُتُبِ يَكُونُ لَنَا رَجَاءٌ» (رو١٥: ٤)، لأن «الْكُتُبَ الْمُقَدَّسَةَ» هي فقط الجديرة بالثقة لتُرشد أقدامنا، وهي فقط «الْقَادِرَةَ أَنْ تُحَكِّمَكَ لِلْخَلاَصِ» (٢تي٣: ١٥).

والإيمان يجب أن يمضي يدًا بيد مع المعرفة. فلا الإعلانات ولا قراءة كلمة الله يمكن أن تفيدنا ما لم تمتزج بالإيمان. ويا لها من خسارة إن لم يكن الإيمان فاعلاً، وإذا كانت قلوبنا “بَطِيئةٌ ْفِي الإِيمَانِ”.

وكان الأمر أيضًا لهذين التلميذين – كما رأينا – خسارة كبيرة إذ كانا «الْبَطِيئَا الْقُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ» (لو٢٤: ٢٥ قارن أعمال٢٤: ١٤). والتأكيد هام على كلمة “جَمِيع”. لقد آمنوا بالكثير من هذا، ولكنهم آمنوا أساسًا بما يُناسب آمالهم وطموحاتهم البشرية، ولذلك لم يتبينوا النقطة الرئيسية البالغة الأهمية «أَمَا كَانَ يَنْبَغِي»، التي وجه الرب اهتمامهما إليها، مثلما فعل في المساء عندما قال للتلاميذ: «أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهَذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟» (لو٢٤: ٢٦، ٤٦).

ويا له من أمر مبارك وهام! لقد كان ينبغي – ليس فقط أن يتألم – ولكن أيضًا كان “يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ”، وأن “يُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ” (تك٢٤: ٧؛ إش٥٣: ١٢). وقال: «لِي صِبْغَةٌ أَصْطَبِغُهَا» (لو١٢: ٥٠)، وهذه الصبغة لم تكن أقل من الدينونة التي كان الله مزمعًا أن يصبها على ابنه لأجل خطايانا. ولم تكن فقط قلوب الناس موصدة من نحو الرب، ولكن السماء أيضًا، إذ إن وجه الله احتجب عنه، إذ عُلّق بين السماء والأرض، مطرودًا ومرفوضًا من الله ومن الإنسان، لأنه «كَمَا رَفَعَ مُوسَى الْحَيَّةَ فِي الْبَرِّيَّةِ هَكَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُرْفَعَ ابْنُ الإِنْسَان، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ» (يو٣: ١٤، ١٥).

والآن يجب أن يُكلَّل عمل تام وكامل كهذا، وكما كان «يَنْبَغِي أَنْ يُسَلَّمَ ابْنُ الإِنْسَانِ فِي أَيْدِي أُنَاسٍ خُطَاةٍ، وَيُصْلَبَ»، كان ينبغي أيضًا أنه «فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ» (لو٢٤: ٧)، فقد «أَقَامَهُ اللهُ نَاقِضًا أَوْجَاعَ الْمَوْتِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ مُمْكِنًا أَنْ يُمْسَكَ مِنْهُ» (أع٢: ٢٤).

وبلا شك فقد سمع التلميذان كل هذا – وأكثر منه كثيرًا – من هذا الغريب، وهو يمشي معهما، لأنه «ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ الْمُخْتَصَّةَ بِهِ فِي جَمِيعِ الْكُتُبِ» (لو٢٤: ٢٧). ويا له من درس من فم الرب نفسه! مَن منا لا يشتهي أن يحظى بفرصة كهذه ليشعر كما فعلوا «أَلَمْ يَكُنْ قَلْبُنَا مُلْتَهِبًا فِينَا إِذْ كَانَ يُكَلِّمُنَا فِي الطَّرِيقِ وَيُوضِحُ لَنَا الْكُتُبَ؟» (لو٢٤: ٣٢).

هذا ما تحتاجه حقيقة قلوبنا الباردة والميتة بالطبيعة. أو ما زال الرب يأتي لكل واحد منا اليوم؟ ألا يرغب أن يقترب إلينا مثلما فعل؟ ورغم أن عيوننا يمكن أن تكون قد “أُمْسِكَتْ عَنْ مَعْرِفَتِهِ جسديًا”، ومع ذلك فإنه حاضر بصورة غير مرئية. وهو مستعد أن يُعلّم كل واحد فرديًا، من كلمته العجيبة. إنها فقط مسألة الاستعداد أن نأخذ الكلمة بجملتها، وأن نكون مستعدين لنؤمن من كل القلب “بِجَمِيعِ الْكُتُبِ” بدءً “مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ”، وأن نستكمل المسيرة حتى الشهادة الأخيرة في سفر الرؤيا. وهذا هو حقًا ما يُقصّر لنا رحلة الحياة المُضجرة المُتعبة لنا. ولن تكون الرحلة طويلة لأننا سنحظى بما اختبره هذين التلميذين في الطريق إلى عمواس.

(يتبع)



* تبلغ المسافة بين أورشليم وعمواس حوالي ٦٠ غلوة (أي حوالي ١١ كيلومتر)، وهي تستغرق ساعتين ونصف تقريبًا، سيرًا على الأقدام. وحيث أن التلميذين قد وصلا عمواس “نَحْوُ الْمَسَاءِ” (لو٢٤: ٢٩)، فيُمكننا أن نفترض أنهما لم يُغادرا أورشليم حتى ساعة متأخرة من ذلك اليوم.

فريتز فون كيتسل