أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مارس السنة 2017
دانيال وحياة الصلاة
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

تحدثنا في عددنا السابق عن حياة الصلاة الفردية المستمرة والمستقرة لدانيال، ونواصل في هذا العدد حديثنا فنتحدث عن:

(٢) حياة الصلاة الجماعية لدانيال

عندما حَلَمَ “نَبُوخَذْنَصَّرُ” الملك حُلمًا مُميَّزًا، أراد تفسيره، ورفض أن يُعطي المجوس والسحرة والحكماء أي مساعدة، “كلا، أنتم تقولون لي الحلم وتفسيره أيضًا”؛ هكذا قال لهم. كان هذا أمرًا مُعقَّدًا جدًا، ولما لم يجد تفسيرًا، ولا أحد أخبره بالحلم، أمر الملك بقتل جميع الحكماء ومنهم دانيال ورفقائه الثلاثة. وهكذا اجتمعوا في شركة للصلاة. لم يكن الأمر الآن خاصًا، بل كان موضوعًا للشركة. ولقد أخبَر دانيال الثلاثة رِجَال بالحالة وبالموقف.

كانت أسماء هؤلاء الرجال قد تغيَّرت، وأُعطوا أسماء بابلية تربطهم بالآلهة الوثنية، لكن روح الله سجل لنا هنا أسماءهم اليهودية التى تشير إلى ارتباطهم بالله الحي “حَنَنْيَا وَمِيشَائِيلَ وَعَزَرْيَا”. هؤلاء الرجال اجتمعوا معًا للصلاة لأجل هذا الموضوع، وكانت لهم شركة في الصلاة «حِينَئِذٍ كُشِفَ السِّرُّ (الحُلم وتفسيره) لِدَانِيآلَ فِي رُؤْيَا اللَّيْلِ» (دا٢: ١٩). إن إجابة وتسبيحة دانيال التي قدَّمها، تعظيمًا وتعبدًا لهذا الإله العظيم، كانت رائعة، لأنه هو الإله القادر على كل شيء:

«فَبَارَكَ دَانِيآلُ إِلهَ السَّمَاوَاتِ. أَجَابَ دَانِيآلُ وَقَالَ: لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ. وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا. يُعْطِي الْحُكَمَاءَ حِكْمَةً، وَيُعَلِّمُ الْعَارِفِينَ فَهْمًا. هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ. يَعْلَمُ مَا هُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَعِنْدَهُ يَسْكُنُ النُّورُ. إِيَّاكَ يَا إِلهَ آبَائِي أَحْمَدُ، وَأُسَبِّحُ الَّذِي أَعْطَانِي الْحِكْمَةَ وَالْقُوَّةَ وَأَعْلَمَنِي الآنَ مَا طَلَبْنَاهُ مِنْكَ، لأَنَّكَ أَعْلَمْتَنَا أَمْرَ الْمَلِكِ» (دا٢: ٢٠-٢٣).

آه، لو اتخذنا ذلك لنفوسنا، أن الله يستطيع تغيير الأمور، ويمكنه الإتيان بأحسن حال، الله يقدر أن يُعطي حكمة، وفهم وقوة، بشرط أن نعترف به، ونُطيعه، ونكون مستعدين أن نقول: “إن حياتنا ملكك”، سواء فرديًا أو جماعةً.

أتذكر أني قرأت ملصقًا منشورًا خارج كنيسة كنت مارًا بها، وأدهشني جدًا ما يقول: “لا تسمح أن يكون الله هو العجلة الاحتياطي”. فالعجلة الاحتياطي تستعمل فقط في الطوارئ. هذا ليس الإله الذي نريده، إننا نريد الله على عجلة القيادة، المُمسِك بزمام الأمور، الذي يقود، الذي نخضع له. لقد صلى دانيال ورفقاؤه الثلاثة معًا، وجاوبهم الله، مُعلنًا عن حلم الملك لدانيال، وكذلك تفسيره.

أريدكم أن تلاحظوا نوع الإجابة التي جاوب بها دانيال الرب على هذه الرؤيا «لِيَكُنِ اسْمُ اللهِ مُبَارَكًا مِنَ الأَزَلِ وَإِلَى الأَبَدِ، لأَنَّ لَهُ الْحِكْمَةَ وَالْجَبَرُوتَ». وكأن دانيال يقول للرب بصدق: “إن هذا الأمر يسير عليك”. فكُشف الحُلم وأُعطيَ تفسيره. يا لها من إجابة فورية للصلاة!

ثم استطرد قائلًا: «وَهُوَ يُغَيِّرُ الأَوْقَاتَ وَالأَزْمِنَةَ. يَعْزِلُ مُلُوكًا وَيُنَصِّبُ مُلُوكًا». ربما يكون هناك مُلوكًا مُقتدرين وأشداء وأقوياء، مُفتخرين بجبروتهم وجيوشهم وغناهم، لكن يمكن لله أن يعزل ملكًا في ليلة وضحاها ويستبدله بآخر، كما فعل في دانيال ٥: ٣٠، ٣١. آه، كم هو صغير الإنسان في حضرة الله! وأية قوة لله! إننا نرى في الكتاب المقدس وفي التاريخ كم هو متكبر الإنسان، مُنَصِّبًّا نفسه عاليًا بكل عجرفة وكبرياء، قائلًا إنه سيفعل هذا وذاك، لكن الله يُغَيِّر كل شيء في ليلة. هذا هو نوع الإله الذي نؤمن به.

«هُوَ يَكْشِفُ الْعَمَائِقَ وَالأَسْرَارَ». لو فقط طبقنا هذا بحياتنا الخاصة، وفي اجتماعاتنا، هل سنركن إلى فكرة أنه لا أمل في الإصلاح؟ هل نركن إلى فكرة أنه لا يمكن أن نحقق في حياتنا الفردية مزيدًا من القوة، أو مزيدًا من التقدم الروحي؟ هل نُسلِّم بالضعف والفشل الحادث، أم نثق في الله الحي، لأنه يقدر أن يُغَيِّر الأمور؟ هو قادر على تغيير أمورنا فرديًا، ويستطيع أن يُغَيِّر ظروف الاجتماعات.

هذا هو نوع إله دانيال. هل نحن على استعداد لدفع الثمن بالصلاة، وإعطاء المزيد من الوقت للصلاة؟ وعندما يكشف لنا الله مشيئته، هل نحن مستعدون للطاعة؟

(٣) صلاة دانيال للاعتراف

«فِي السَّنَةِ الأُولَى لِدَارِيُوسَ ... أَنَا دَانِيآلَ فَهِمْتُ مِنَ الْكُتُبِ عَدَدَ السِّنِينَ الَّتِي كَانَتْ عَنْهَا كَلِمَةُ الرَّبِّ إِلَى إِرْمِيَا النَّبِيِّ، لِكَمَالَةِ سَبْعِينَ سَنَةً عَلَى خَرَابِ أُورُشَلِيمَ. فَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَى اللهِ السَّيِّدِ طَالِبًا بِالصَّلاَةِ وَالتَّضَرُّعَاتِ، بِالصَّوْمِ وَالْمَسْحِ وَالرَّمَادِ. وَصَلَّيْتُ إِلَى الرَّبِّ إِلهِي وَاعْتَرَفْتُ ... أَخْطَأْنَا وَأَثِمْنَا وَعَمِلْنَا الشَّرَّ، وَتَمَرَّدْنَا وَحِدْنَا عَنْ وَصَايَاكَ وَعَنْ أَحْكَامِكَ. وَمَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ» (دا٩: ١-٦)

كثيرًا ما لا نعلم بمجريات الأمور ونحن نصلي. في الوقت الذي كان دانيال يُصلي، كان الله يعمل في روح كورش. فأمر برجوع قطاع من الشعب المسبي من بابل. وأصدر مرسومًا بأن يُعتق الشعب من السبي، ويعود إلى أورشليم. دانيال لم يكن يعلم هذا، لكنه كان يعلم شيئًا واحدًا وهو أن الله قال بعد ٧٠ سنة تحديدًا من السبي، ستكون هناك بقية عائدة. كان دانيال يعرف ذلك من سفر إرميا (دا٩: ٢؛ إر٢٥: ١١). وهذا يشير إلى أن هذا السفر كان متداوَلًا وقتئذ، ولما قرأه دانيال عرف فكر الله.

وهنا نجد لنا مبدءًا هامًا. هل نعرف فكر الله؟ وكيف يمكننا الحصول عليه؟ هل من فلاسفة وحكماء هذا العالم؟ كلا، إنه ليس هناك. ليس له سوى مصدر واحد يُمكننا أن نجده فيه، وهو كلمة الله. ليس في الناموس، إذ إنه معنيّ بإسرائيل، ولا حتى في تاريخ إسرائيل والدروس التي نتعلَّمها هناك، بل في العهد الجديد، حيث يتكلَّم تحديدًا عن مقام المؤمن في هذا العالم، عن امتيازاته ومسؤولياته. هناك نتعلم فكر الله. وعندما نتعلَّمه، ونطلب نعمة لطاعته، حينئذ تأتي بركة الله. لقد عرف دانيال فورًا أن الوقت قد حان. لطالما كان دانيآل في توافق مع فكر الله، لكنه الآن علم أن لحظة معينة قد حلت، وبالتالي توَّجَه بإخلاص يقظ ليُصلي إلى الله عن هذا الموضوع تحديدًا.

جميل أنه بدأ صلاته باعتراف تام من كل القلب. لم يستثنِ نفسه، كما لم يَلُم أشخاصًا آخرين، لكنه أخذ نظرة عامة من الصورة: الفشل الخالص والضعف، وببساطة أخبر الله بالقضية. بالإضافة إلى ذلك كان يعلم أن الله إله رحيم، إله غفور، إله لم يحد عن عهده مع إسرائيل، إله مستعد أن يُبارك، مستعد أن يُسامح، مستعد أن يسمع. يعوزني الوقت لكي أخوض في تفصيلات الصلاة، بل أوصيكم بدراستها، لكن الخيط الذى يمر بها هو “أننا أخطأنا وأثمنا، وفشلنا، بل كنا غير أمناء”.

أريد أن أسأل كل فرد، هل يجرؤ أي منا أن يقف ويقول إننا كجماعة محلية لم نخطئ؟ لا أعتقد ذلك. وأؤكد لك أني سأنضم إليك إن وقفت وقلت إنك فشلت. وأنا فشلت. وأنا نادم على ذلك. لأن كل فشل من جهتنا، سواء أدبيًا أو كنسيًا، أو بأي طريقة أخرى يؤثر سلبًا على الشهادة المسيحية. دعونا لا نعتقد أنه بإمكاننا أن نخطئ أو نفشل بأي طريقة مهما كانت، ونفلت من العقوبة. إنه حق مطلق أن فشلنا يؤثر على الشهادة المسيحية في هذا العالم. وهذا أمر جاد جدًا. ربما نفكر: “أنا لا أفعل هذا أو ذاك”، وربما نربت على ظهورنا ونقول: “أنا لم أفشل” (أتكلم فرديًا). لكن آه يا أحبائي، لنفحص أنفسنا في نور محضر الله. هذا هو القياس، أن تكون في محضر الله. دعونا نقول له إننا لم نفشل، ثم نرى بماذا يجيبنا. آه، يا له من أمر جاد أن تكون في محضر الله! فعندما نتأمل في ضعف الحالة المسيحية دعونا لا نلوم الآخرين. قال دانيال: “إني أعترف بخطيتي”. وإذ نعترف بخطايانا، دعونا نبحث عن الفهم لنتبع الطريق الصحيح، ولنتبع كلمة الله، حتى نجد ظروفًا أفضل. يا لها من صلاة تلك التي جعلت الله يجيب دانيال ويُعرِّفه “بالمحبوب”! كان دانيال شخصًا قلبه يحن لنجاح أمور الله أولًا.

لاحظ أن دانيال ذكر أن “المُلُوك فشلوا” (دا٩: ٦). من هم الملوك؟ عندما أشير إلى جماعة المسيحيين، فأنا أقصد القادة، الذين ينبغي أن يُعلنوا فكر الله بلا أي تحيز؛ على الملوك أن يُطيعوا ويؤيدوا كلمة الله. أنا لا أستعمل كلمة “يُؤيدوا” بمعنى أن على القادة أن يقولوا: “عليك أن تفعل هذا أو ذاك”، بل أقصد “يُؤيدوا” بأن يقدموا كلمة الله لشعب الله، وأيضًا أن يواظبوا على فِعْل مشيئته. قال دانيال: “فشل مُلُوكَنَا”. هل هذا ينطبق على المسيحية كما نعرفها؟ أعتقد أن هذا صحيح.

ثم تأمل في الرؤساء (دا٩: ٦)، الرجال المؤثرين وسط شعب الله، الرجال الذين يشغلون أماكن أعطاهم إياها الله. عادةً ما نقرأ في سفر العدد عن «مَشَاهِيرُ الجَمَاعَةِ، رُؤَسَاءُ أَسْبَاطِ آبَائِهِمْ»، أو «رُؤَسَاءُ إِسْرَائِيل، رُؤُوسُ بُيُوتِ آبَائِهِمْ هُمْ رُؤَسَاءُ الأَسْبَاطِ» (عد١: ١٦؛ ٧: ٢)، إنهم المتقدمون الذين أعطاهم الله إرشادًا ليُتمموا له شيئًا ما. لقد فشل الرؤساء. ليس الرؤساء والملوك فقط هم مَن فشلوا، بل الشعب أيضًا فرديًا، كل واحد مِنَا. كان بطرس بالتأكيد ملكًا، لكنه فشل، وأضلّ القديسين، وحتى برنابا انقاد بالرياء (غل٢: ١١-١٤). عندما نتأمل تاريخ الصحوة الفيلادلفية منذ أكثر من ١٥٠ عامًا مضت، ونرى الفشل لسبب الهجر المستمر للحق، علينا أن نطأطئ رؤوسنا خجلًا. فنقول: “كم كان سيصير الحال أفضل إذا ما حافظنا على الحق”. وعلى كل واحد أن يتحمل مسؤولية الفشل.

لم يحدث الفشل أيام دانيال فقط وقتما كان في بابل، وكذلك الانحدار الذي نواجهه اليوم ليس وليد ليلة، والسبب في غاية البساطة، أن كلمة الله قد أُهملت. قال دانيال: «مَا سَمِعْنَا مِنْ عَبِيدِكَ الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ بِاسْمِكَ كَلَّمُوا مُلُوكَنَا وَرُؤَسَاءَنَا وَآبَاءَنَا وَكُلَّ شَعْبِ الأَرْضِ» (ع٦). وعندما أُذيعت كلمة الله بوضوح وقوة لم يُعيرها أحدًا اهتمامًا لأنهم كانوا مشغولين جدًا بأمورهم بدلًا من الاستماع إلى كلمة الله. ظهر الطمع في عخان عند دخولهم الأرض (يش٧)، شهوة المادة، وأيضًا وقت بداية الكنيسة، في حنانيا وسفيرة (أعمال ٥)، ثم إهمالًا تامًا لكلمة الله من حيث الاجتماع معًا، واتباع المبادئ الخاصة به. فلا يحق لنا أن نتعجب من أن يد الله المُؤدِّبة علينا. إذًا، دعونا نعترف، ونأخذ على عاتقنا توَّجه الاتضاع هذا. لو استطعنا هذا، إذًا لصار هذا الكلام ليس عبثًا. إنها ليست حالة نتهم بها الآخرين، بل نأخذها إلى بيوتنا إلى ضمائرنا، وإلى قلوبنا، ونُفَعِّلها في انكسار أمام الله.

أود أن أقص عليكم قصة للتشجيع، ولنرى كيف يمكن أن نجعل الأمور أفضل. عندما زرت ألمانيا تعرفت على شاب قيل لي إنه طالب نابه. وقيل لي عن المجالات المتعددة التي يهتم بها، وكان مشتركًا على مائدة الرب مع الإخوة منذ سنة. كان والداه لا أدريين. فسألت كيف عرف جماعة الإخوة، فقصوا عليَّ قصة لمست قلبي، ولهذا أخبركم بها. عندما كان في الجامعة لاحظ وجود شابة مختلفة عن الباقيات. فراقبها بدقة، فاكتشف أنها مختلفة عن الآخرين في المظهر وفي طباعها. وأخيرًا غلبه فضوله وسألها:

* “لماذا أنت مختلفة؟ أرى أن شعرك مختلفًا عن الباقيات، وكذلك ملابسك”.

- فأجابت: “نعم، إني مؤمنة بالرب يسوع المسيح”.

* “آه، أنت مرغمة إذًا على فعل ذلك؟”

- “كلا، إني أفعل هذا لأني أُحبّ الرب يسوع”.

وكانت هذه هي وسيلة تغييره. إن التغيير لا يأتي فقط بسبب المؤتمرات (ونحن نشكر الله من أجلها)، لكن الخلاص يمكن أن يحدث في حياة أشخاص، بسبب أمانة آخرين للرب. إن هذا الشاب مستمر، بل ويتقدم في حياته الروحية. لقد رأى أمانة فردية، فكانت هي وسيلة تغييره، وهي التي تحكمه في حياته.

أحبائي الإخوة، الشباب والشيوخ، يا ليت الرب يساعدنا لكي نكون أمناء! سنؤثر فيمن حولنا وسنؤثر فيهم في الاتجاه الصحيح. ويا ليت الرب يُعيننا على التدريب أكثر وأكثر في أمر الصلاة الخطير! إن التوَّجه الصحيح، والإرادة السليمة، ونوع الحياة هو ما يُعطي قوة لصلاتنا، ونحن منتظرين الرب لنراه وجهًا لوجه.

فرانك ولاس