أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد نوفمبر السنة 2007
ياسمعان أنت نائم؟!
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

حدثنا الكتاب المقدس عن سمعان بطرس، بصدد نومه، ثلاث مراتٍ في مناسباتٍ مختلفة. فكان نومه في المرتين الأولى والثانية أثناء تبعيته للمسيح في أيام جسده. أما المرة الثالثة فكانت بعد سنين من صعود المسيح إلى يمين العظمة. كان النوم في المرتين الأولى والثانية نومًا سلبيًا، فجلب خسارةً كبيرةً. أما في المرة الثالثة فكان نومًا إيجابيًا. والآن هيا نتأمل في المرات الثلاث التي كان بطرس فيها نائمًا:

 أولاً: على جبل التجلي:

 كان الرب قد أخذ “بطرس ويعقوب ويوحنا” وصعد بهم إلى جبلٍ عالٍ منفردين، ولما وصلوا إلى قمة الجبل اتخذ الرب مكانه مصليًا، وأما التلاميذ الثلاثة فقيل عنهم: «وَأَمَّا بُطْرُسُ وَاللَّذَانِ مَعَهُ فَكَانُوا قَدْ تَثَقَّلُوا بِالنَّوْمِ» (لو9: 32). ربما كان هذا النوم الثقيل بسبب تعب ومشقة صعودهم الجبل، لكن ألم يكن ربنا المعبود - وهو إنسان في طبيعتنا البشرية ذاتها - متعبًا أيضًا من الصعود؟ بلى، بكل تأكيد. لكن كانت راحته الشخصية هي آخِرَ ما يشغله، فكانت الصلاة عنده أهم من راحته. وكم خسر التلاميذ الثلاثة الكثير بسبب نومهم، فلقد فاتهم الجزء الأكبر من المشهد الرائع، مشهد ربنا المعبود في لمعان مجده، وموسى وإيليا اللذان ظهرا معه بمجد، بل لقد خسروا الجزء الأكبر من الحديث الحلو الذي تحدث به موسى وإيليا مع الرب يسوع عن «خُرُوجِهِ الَّذِي كَانَ عَتِيداً أَنْ يُكَمِّلَهُ فِي أُورُشَلِيمَ» (لو9: 31). ولما استيقظ التلاميذ، تكلم بطرس ـ باندفاعه المعهود ـ راجيًا أن يعوِّض ما فاتهم، فقال: «يَا مُعَلِّمُ جَيِّدٌ أَنْ نَكُونَ هَهُنَا. فَلْنَصْنَعْ ثَلاَثَ مَظَالَّ: لَكَ وَاحِدَةً وَلِمُوسَى وَاحِدَةً وَلإِيلِيَّا وَاحِدَةً » (لو9: 32). ولم يكن يعلم ما يقول، لأنه كان قد استيقظ للتو من نومه الثقيل، فتكلم بلا إدراك واضعًا سيده جنبًا إلى جنب مع موسى وإيليا، ويا للجهل!!

 ثانيًا: في بستان جثسيماني:

 بعد أن صنع الرب الفصح مع تلاميذه في العلية، أخذهم إلى بستان جثسيماني، ثم أخذ معه ”بطرس ويعقوب ويوحنا“، أخذهم ليكونوا قريبين منه في تلك اللحظات الصعبة والمريرة، راجيًا معيتهم. وطلب منهم أن يسهروا قائلاً: «امْكُثُوا هُنَا وَاسْهَرُوا» (مر14: 34)، وأن يصلوا لكى لا يدخلوا في تجربة (لو22: 40). وانفصل السيد عنهم نحو رمية حجر ليصلي، وبعد أن صلى - بجهاد وصراخ شديد - رجع فوجدهم نيامًا. وهذه المرة كان النوم بسبب الحزن (لو22: 45). تُرى ما الذي أحزن التلاميذ؟ بالتاكيد الحديث السابق في العلية عن أن سيدهم سيُسلم لأيدي الأثمة ويقتل. فكأن التلاميذ لاذوا بالنوم هربًا من حزنهم. لكن على النقيض فإن ربنا يسوع مع أن أحزانه كانت أعمق بما لا يقاس، إلا أنه لم يتخذ النوم مهربًا، بل التجأ للآب ساكبًا شكواه. ولما وجد المسيح تلامذه نيامًا وبخ عدم سهرهم، ووجه كلامه بصفة خاصة لبطرس قائلاً: « يَا سِمْعَانُ أَنْتَ نَائِمٌ! أَمَا قَدَرْتَ أَنْ تَسْهَرَ سَاعَةً وَاحِدَةً؟ » (مر14: 37) ، فكأن الرب يقول لبطرس: أبعد كل ما سبقت فقلته لك من تحذيرات في العلية، وما طلبته منكم في البستان، أجدك نائمًا؟! نعم نام بطرس فخسر الكثير، خسر أولاً مشاركته لسيده في ساعة هي الأعنف والأصعب قبيل الصليب، وخسر ثانيًا اليقظة والاستعداد فسقط سريعًا لما واجهته التجربة.

 ثالثًا: في السجن:

 نرى بطرس هذه المرة نائمًا لا فوق جبل ولا في بستان بل في سجن مظلم، ونجد أن الذيم في رفقته نيامًا ليسا هما ابني زبدي، بل عسكر هيرودس القاتل. كانت هذه هي الليلة الأخيرة لبطرس في السجن، وكان هيرودس منتظرًا أن تنتهي هذه الليلة حتى يسلم بطرس للقتل. تُرى كيف كان حال بطرس حينئذٍ وهو يعلم أن بينه وبين السيف ساعاتٍ قليلة؟ هل كان خائفًا جزعًا، قابعًا في سجنه مرتعبًا؟ كلا على الإطلاق، فلقد كان نائمًا في سلامٍ تام ، نائمًا نوم الواثق والمطمئن في معية سيده له في كل الظروف، نوم من يدرك أن إلهه مسيطر على كل الأحداث.

 عزيزي ليتنا نتحذر من النوم السلبي، ولننتبه لكلمات بطرس نفسه قائلاً: «اُصْحُوا وَاسْهَرُوا لأَنَّ إِبْلِيسَ خَصْمَكُمْ كَأَسَدٍ زَائِرٍ، يَجُولُ مُلْتَمِساً مَنْ يَبْتَلِعُهُ هُوَ» (1بط5: 8) . ولنفطن لما قاله بولس: «هَذَا وَإِنَّكُمْ عَارِفُونَ الْوَقْتَ أَنَّهَا الآنَ سَاعَةٌ لِنَسْتَيْقِظَ مِنَ النَّوْمِ فَإِنَّ خَلاَصَنَا الآنَ أَقْرَبُ مِمَّا كَانَ حِينَ آمَنَّا» (رو13: 11). ويا ليتنا من جهة أخرى نتعلم من النوم الإيجابي، فلنتشجع مهما كانت قسوة الظروف، ومهما اشتد الغيم، فإن خلف الغيمة يوجد إلهنا الذى يحبنا بلا حدود، فهو يلاحظنا ويحفظنا، ويجعل الأشياء طرًا تعمل لخيرنا.

عادل حبيب