أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد يناير السنة 2008
بر الإنسان وبر الله - إنجيل الله
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة

جاءت هاتان العبارتان في حديث الرسول بولس إلى كنيسة فيلبي حين قال: «وليس لي بري الذي من الناموس، بل الذي بإيمان المسيح، البر الذي من الله بالإيمان» (في3: 9).  فما الفرق بين هذين البرين؟ بر الإنسان الذي من الناموس، والبر الذي يحصل عليه من الله بالإيمان بالمسيح.

البر الأول هو اكتساب الإنسان المولود من آدم الخاطئ حق المثول أمام الله على أساس حفظ الناموس مع أن هذا مُحال، لأنه لم يستطع أحد من البشر أن يحفظ الناموس.  وقد شبَّه إشعياء أعمال بر الإنسان «بثوب عدّة (أي خرق نجسة)» (إش64: 6) فهل تعطينا هذه الأعمال حق المثول أمام الله؟ بكل يقين كلا .. فليس للإنسان مثول أمام الله إلا في استحقاق عمل المسيح ـ ذلك العمل الذي سبق وأتمه فوق الصليب والذي تسمو قيمته فوق إدراك عقولنا ولا يقدِّرها تمامًا إلا الله وحده.  على أساس هذه القيمة يصبح كل مَن يؤمن بالمسيح مقبولاً لدى الله وحاصلاً على «بر الله» وهذا هو البر الثاني الذي نتكلم عنه.

إذًا يجب على الإنسان أن يُقبِل إلى الله معترفًا بخطيته عالمًا بجُرمه وأنه في ذاته مُذنب أثيم لا يستحق إلا الطرد والموت، ويؤمن بأن دم المسيح الذي سُفك فوق الصليب هو الذي يغسله تمامًا فيصير طاهرًا، وبذلك فقط يصبح مقبولاً أمام الله في قيمة ذبيحة الفادي.

وهذا البر كامل من بدء حصول المؤمن عليه، ذلك لأنه لا يقوم على أساس في الإنسان بل يُعطى له على أساس إيمانه بالمسيح وتقدير الله لقيمة عمل المسيح الذي أتمه نيابة عن المؤمن ولحسابه.

قد ينشد البعض صلاحًا من الجسد، ولكن صلاحًا من هذا النوع غير موجود.  فالرسول بولس يقول: «فإني أعلم أنه ليس ساكن فيَّ أي في جسدي شيء صالح» (رو7: 18) وهذا معناه أن الصلاح ليس في الإنسان أي في جسده (في ذاته).  فالإنسان في ذاته خاطئ، وخطيته شنيعة وسوداء، هكذا يراها الله، وهو لا يستحق في ذاته إلا الدينونة والهلاك.  غير أن الله لا ينظر إلى ما في المؤمن (أي الخطية) بل ينظر إلى المؤمن في المسيح الذي أكمل العمل لأجله ومجَّد الله نيابة عنه.  فالإنسان خاطئ وعدالة الله تقضي بإدانته، ولكن دم ابن الله قد وفىَّ مطالب العدل الإلهي عن المؤمن فصار مقبولاً في المسيح.  كما وأن قبول الله للإنسان في استحقاق قيمة ذبيحة الصليب لبرهان على حصول هذا الإنسان على بر الله الذي فيه يُرى كاملاً أمامه ومسامحًا بجميع خطاياه حسب قول الرسول «الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه لإظهار بره لأجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله» (رو3: 25).

فلستُ بالناموسِ قد
بل بك وحدك فقط

قد ظهر البر وما
وكلُ سعيٍ في نوا
صرتُ مطهرًا
صرتُ مبررًا

عداه عاطلُ
لِ البرِ باطلُ

وحالما يحصل الإنسان على ذلك البر، للوقت يتمتع بالسلام مع الله «فإذ قد تبررنا بالإيمان لنا سلام مع الله بربنا يسوع المسيح» (رو5: 1).  وهاتان العطيتان، وهما التبرير والسلام مع الله غير متغيرتين إلى ما لا نهاية لأنهما مؤسستان على ثبات ودوام قبول الله لابنه، فالمؤمن مستريح ومطمئن على قيمة ذبيحة المسيح الذي فيه يراه الله بالغًا حد الكمال.  فلم يَعُد الأمر أمام الله فيما بعد حالة المؤمن في ذاته، بل كل كمال المسيح لأجل المؤمن.  ومما لا شك فيه أن الذي أشبع قلب الله هو كافِ لتسكين اضطراب قلب المؤمن.  فما يُرى فيه المؤمن قدام الله ليس هو بره الذي من الناموس بل بر الله المُعطى له على أساس النعمة الغنية والمحبة الفائقة، وهذا ما يملأ أفئدتنا بالفرح بينما تجتذب محبته قلوبنا إليه.

«طوبى للذي غفر إثمه وسترت خطيته. طوبى لرجل لا يحسب له الرب خطية ولا في روحه غش» (مز32: 1، 2)
****
”لا يعلم المرء منا كم هو رديء حتى يبدأ محاولة أن يكون حسنًا“

ك. س. لويس