أعداد سنوية | أعداد سابقة | عن المجلة | إتصل بنا
 
 
عدد مايو السنة 2011
خمس نساء من سلسلة نسب يسوع - دروس من نساء الكتاب المقدس
تكبير خط المقالة تصغير خط المقالة
خمس نساء من سلسلة نسب يسوع
«اَلْحُسْنُ غِشٌّ وَالْجَمَالُ بَاطِلٌ، أَمَّا الْمَرْأَةُ الْمُتَّقِيَةُ الرَّبَّ فَهِيَ تُمْدَحُ. أَعْطُوهَا مِنْ ثَمَرِ يَدَيْهَا، وَلْتَمْدَحْهَا أَعْمَالُهَا فِي الأَبْوَابِ» (أم31: 30، 31)
أحد الموضوعات المُفضلة لديَّ هو عن الشخصيات النسائية في الكتاب المقدس، لأن الله وضع النساء التقيات في مكانة عالية.  ولقد لخص “جون بنيان” قيمة النساء في كتابه “سياحة المسيحي”، فقال:
“لما جاء الفادي فرحت به النساء قبل الرجال أو الملائكة.  لم أقرأ عن أي رجل أعطى المسيح ولو درهمًا أما النساء فتبعنه وكن يخدمنه من أموالهن.  والتي غسلت رجليه بالدموع كانت امرأة، وتلك التى دهنت جسده للدفن كانت أيضًا امرأة.  كما أن من نُحْنَ عليه وهو في طريقه إلى الصليب كن النساء.  وكذلك تبعنه من الصليب، وجلسن بجوار قبره عندما دُفن، وكن أول من وصلن إلى القبر في فجر قيامته، وأول من أتى لتلاميذه بالأخبار السارة عن قيامته من بين الأموات.  إذًا فالنساء المؤمنات التقيات مقدرات جدًا”.
إن النساء المُختارات لهذا المقال نجدهن جميعًا مسجلات في سلسلة نسب الرب يسوع في متى1.  أما حياتهن فممتدة في الكتاب المقدس من سفر التكوين إلى إنجيل متى.  منهن أربع أمميات على الأرجح أُحضرن إلى رعوية إسرائيل، أما الأخيرة فكانت بكل تأكيد يهودية المولد.  منهن صاحبات سمعة سيئة قبل الرجوع إلى الله، وأخريات كن فضليات.  وأهم ما في الموضوع أنهن يتكلمن اليوم إلى كل إنسان يشتاق أن يأتى بثمر للحياة الأبدية.
في سلسلة النسب هذه يُذكر رجال كثيرون، وخمس نساء فقط.  لكن لماذا ﻻ تُذكر أية امرأة على الإطلاق، ولا سيما اللواتي من أصول أممية، في سلسلة نسب أبوية يهودية؟ لا بد أن يكون الله قد أخفى لنا شيئًا هناك لنكتشفه (أم25: 2).  
إن النساء اللاتي سنتأمل حياتهن هن ثامار وراحاب وراعوث وبثشبع (دون ذكر اسمها) ومريم أم يسوع.  دعونا نفتش ماذا كانت كل منهن، وماذا عملت من أعمال مميزة، ثم كيف تنطبق قصتها علينا اليوم.
(1) ثامار
ذُكرت ثامار في متى 1: 3 أما قصتها فمدونة في تكوين 38.  ويبدو أنها قد أدركت أهمية الابن البكر ومكانته المميزة على الأبناء الآخرين.  لقد ولدت زوجة يهوذا الكنعانية له ثلاثة بنين؛ عير وأونان وشيلة، واتخذ يهوذا زوجةً لعير بكره، هي ثامار، التى يبدو أنها كانت كنعانية أيضًا.   وبعد أن مات “عير” تحت القضاء لشره، كان على أونان أن يتخذ ثامار زوجة له ليقيم نسلاً لأخيه البكر (هذا أول ذكر لهذه الشريعة التى وضعت في ناموس موسى في ما بعد).  وبالرغم من أن أونان تزوج من ثامار لكنه رفض أن يمنحها امتياز أن تصير أم وارث يهوذا، وكان مستعدًا فقط لإقامة علاقة جنسية معها، ممتنعًا عن أن يُقيم نسلاً لأخيه.  لقد أراد أن تبقى ثامار أرملة منكسرة بلا أولاد.  وكما حدث مع عير الشرير، حدث مع أخيه أونان الذي حصد ما زرع، وأماته الرب أيضًا (تك38: 8-10).  وكان شيلة لم يزل صغيرًا في ذلك الوقت وإذ خاف يهوذا أبوه على حياته أرسل ثامار لتعيش مع أبيها.
لما تيقنت ثامار من أنها لن تكون زوجة لشيلة مطلقًا انتهزت الفرصة بعد موت زوجة يهوذا لتقيم نسلاً لبكر يهوذا بطريقة تبدو لنا مذهلة.  لقد خلعت عنها ثياب ترملها، وتغطت ببرقع، وتنكرت كزانية، وانخدع يهوذا فمال ودخل إليها، فمنحها الرب حبلاً ليس في ولد واحد فقط بل في اثنين.
عند مولد التوأمين بدأ زارح في الخروج أولاً فربطوا له قرمزًا على يده، لكنه رد يده وخرج فارص قبله.   في ذلك الوقت كان شيلة قد تزوج بأخرى ودعا اسم بكره عير، على اسم بكر يهوذا الذي مات (تك38؛ 1أخ4: 21) وكأنه يقول: “لقد حللت مشكلة مَن يكون البكر في نسل يهوذا”.
إذاً فمن هو البكر حقًا؟ في فكر الله هناك واحد وهو رفيع الشأن ومتفوق – ليس حسب خطط الناس واستحسانهم – لذلك فاق سبط يهوذا على إخوته (1أخ5: 1-2)، ثم اختار الله فارص ليأتي منه المسيح، ذاك المعين من الله «ليكون هو بكرًا بين إخوة كثيرين» (رو8: 29)؛ «بكرًا من الأموات» (كو1: 18)، وأيضًا «بكر كل خليقة» (كو1: 15).
إن اشتياق ثامار للنسل أمر يستحق الملاحظة.  لقد أخفت نفسها، واتضعت جدًا حتى تؤمّن نسلاً يفتح الطريق في النهاية للجميع لينالوا الحياة الأبدية.  أما المسيح فقد ستر أمجاد لاهوته في حجاب الناسوت، وأخفى صورة الله تحت صورة العبد، ووضع نفسه ليأتي بنسل سماوي ليكونوا ورثة الله ووارثين معه.  دعونا لا نخف أن نتضع أمام الناس ونضع ثقتنا في الله.
(2) راحاب
لم تكن راحاب كثامار – التى تظاهرت بأنها زانية دون أن تكون كذلك – لكنها كانت زانية بالفعل (مت1: 5)، وقصتها مذكورة في يشوع 2؛ 6.  لقد أفسد طابع حياتها صورة العلاقة الزوجية البديعة، التى رسمها الله كانعكاس لعلاقته بشعبه.  لكنها إذ رأت قضاء الله آتٍ عليها، فقد حركها الخوف لخلاص كل بيت أبيها.
وإذ انتهزت الفرصة، التي لا بد أن يكون الله هو الذي منحها إياها، أنقذت جاسوسين إسرائيليين من ملكها، حيث كانا متهمين بتهمة الجاسوسية والخيانة، حاسبة لعنة الله أعظم من لعنة الإنسان، لذلك ساعدت الجاسوسين بمعلومات تعينهما على العودة سالمين (يش2: 16).  وبكل صراحة اعترفت بإلههم؛ إله إسرائيل أنه «هُوَ اللهُ فِي السَّمَاءِ مِنْ فَوْقُ وَعَلَى الأَرْضِ مِنْ تَحْتُ» (يش2: 11).  لقد وضعت ثقتها في وعد رسل الله، وحولته إلى فعل فوري بربط حبل قرمزي في كواها في نفس ذلك اليوم (يش2: 21)، بالرغم من كون يوم القضاء لم يزل بعيدًا.  فحياتها وحياة بيت أبيها كانت مُعلَّقة على هذا الحبل القرمزي الذى كان رمزًا لدم المسيح.
وبسبب هذا الإيمان دُوِّن اسمها وسط سحابة الشهود في عبرانيين 11، وذُكرت على قدم المساواة مع إبراهيم نفسه في يعقوب 2.  إنها تمثل الطريقة التى يأتى بها الإنسان بالثمر لله؛ عن طريق الثقة في كلمته التي تعطي رجاءً لأشر الخطاة، حيث انمحى عنها ماضيها الأثيم تمامًا.
(3) راعوث
كانت راعوث نصيرة للفضيلة تعرف مكانها أمام الله ومستمرة في إخلاصها (مت1: 5).  وقصتها الواردة في سفر راعوث كانت معاصرة للنصف الأول من سفر القضاة، فعاشت هذه المرأة المُخلصة والمطيعة الراضية في وقت الفشل والعداء، وقت الخصام وسفك الدماء.  لقد كانت موآبية ملعونة لا يمكن أن تنضم إلى جماعة الرب حتى إلى الجيل العاشر – الذى ربما يصل إلى 400 سنة (تث23: 3) إلا أنها أُدخلت بالنعمة بسبب ولائها لحماتها قائلة: «شَعْبُكِ شَعْبِي وَإِلَهُكِ إِلَهِي» (را 1: 16).
لقد امتدح بوعز راعوث من أجل عنايتها بنعمى وبسبب فضائلها (را2: 11، 12؛ 3: 11).  وإذ كان بوعز جبار بأس، ويبدو أنه كان أكبر من راعوث سنًا (را3: 10)، كان مستعدًا أن يشترى كل ما كان لأليمالك (زوج نعمى) ليُقيم اسم أليمالك على ميراثه، وهذا تَضَمَّن أخذ راعوث كزوجة له، والابن البكر ثمرة اقتران بوعز براعوث يحصل على ميراث أليمالك.  وهكذا صارت راعوث كنة راحاب، والجدة الكبيرة لملك إسرائيل العظيم، داود؛ الرجل الذي بحسب قلب الله.
تحدثنا راعوث عن حلاوة الحياة تحت رعاية الله وجمع ثمار بره.  ويمكننا أن نكون مثل راعوث لأن لنا نحن أيضا ولي أقرب كبوعز – الرب يسوع المسيح الذي اشترانا بدمه ليؤهلنا لميراث لا يفنى ولا يتدنس ولا يضمحل.  فلنرضى بالرب يسوع الذي رضي به الله تمامًا.
(4) بثشبع
عُرفت بثشبع في سلسلة نسب الرب يسوع فقط بأنها «الَّتِي لأُورِيَّا» (مت1: 6).  وبالرغم من كون قصتها مؤسفة إلا أنها تُظهر لنا نعمة الله الفائقة «فِي وَقْتِ خُرُوجِ الْمُلُوكِ، أَنَّ دَاوُدَ أَرْسَلَ يُوآبَ وَعَبِيدَهُ مَعَهُ وَجَمِيعَ إِسْرَائِيلَ ... وَأَمَّا دَاوُدُ فَأَقَامَ فِي أُورُشَلِيمَ» (2صم11: 1).  لقد استراح داود في الوقت الذى كان يجب أن يحارب فيه، وكان في وقت المساء أن داود قام عن سريره وتمشى على السطح، فرأى امرأة تستحم.  وكانت المرأة جميلة المنظر جدًا.  فأرسل داود وسأل عنها، وأُخبر أنها امرأة أوريَّا الحِثِّيِّ وهو أحد أبطال جيش داود (1أخ11: 41)؛ رجل كان داود يعرفه جيدًا.  ولكنه أرسل رُسُلاً وأخذها، ويبدو أنهما اجتمعا حسب إرادة كل منهما.
وإذ وُجدت بثشبع حُبْلَى من داود، فقد استدعى داود أوريا ليرجع من الحرب، حتى يخفى خطيته، وليظهر أن أوريا هو أبو الطفل، معتقدًا أن أوريا لا بد أن يستغل فرصة وجوده بالبيت ويجتمع بزوجته.  لكن أوريا لم يرجع إلى بيته، بل بات عند باب الملك.
وإذ فشلت خطة داود أرسل ليوآب رسالة بيد أوريا تحمل حكم موته، وكما اتُفق مات أوريا في الحرب ووصل الخبر إلى داود.  وبعد أن ندبت بثشبع زوجها أرسل داود وضَمَّهَا إلى بيته  فصارت له امرأة «وَأَمَّا الأَمْرُ الَّذِي فَعَلَهُ دَاوُدُ فَقَبُحَ فِي عَيْنَيِ الرَّبِّ» (2صم11: 27).  من الواضح أن الله اعتبر داود المسؤول الأوحد عن هذه الخطية، ولم يُلق أية مسؤولية على كاهل بثشبع أو أوريا.  ومات الطفل الناتج عن الخطية، لكن بثشبع صارت زوجة داود الشرعية وأم أولاده سليمان وناثان (1أخ3: 5).
(5) مريم
ربما كانت المرأة الوحيدة اليهودية في قائمتنا هي مريم المنحدرة من ناثان (مت1: 16؛ لو3: 31)، التى بها تحقق الوعد العظيم الذي ذُكر أمام الحية في الجنة أن نسل المرأة يسحق رأسها، وكذلك تحقق فيها أيضًا الوعد العظيم لبيت داود أن العذراء تحبل وتلد ابنًا (إش7: 14).  وهكذا تميزت، وكان الرب معها، وكانت مباركة (لو1: 28).  وعلى خلاف زكريا أبي يوحنا المعمدان فقد صدقت بشارة الملاك الخاصة بها وبالطفل الذي كانت عتيدة أن تحبل به (لو1: 12).  لقد أخفت بداخلها أمورًا كثيرة اعتبرتها من الله وتأملت فيها (لو2: 19، 51).
لقد ميزت سلطان الرب يسوع عندما طلبت منه أن يتدخل في عرس قانا الذى كان بداية معجزاته التى عملها (يو2: 3)، وخلال حياته لم يؤمن به إخوته، أما أمه فآمنت به من البداية.  كما تواجدت عند الصليب (يو19: 25)، ومع التلاميذ بعد صعوده (أع1: 14).  لقد كانت مريم امرأة مفكرة وواعية وثابتة.
وإن كانت مريم كخاطئة تحتاج إلى مُخلّص (لو1: 47)، استطاعت أن تحمل هذا الشخص القدوس في داخلها، وتلد ابن الله الذي بلا خطية، فنحن أيضًا بطريقة روحية نستطيع أن نُظهر المسيح في حياتنا ونكون مثله.
إن إرادة الله العظمى من نحونا هو أن نأتي له بثمر وذلك بأن تنطبع صفات المسيح في قلوبنا. فثامار تحدثنا عن الاشتياق المتأجج للإتيان بثمر لله، وراحاب تحدثنا عن طريقة الإتيان بثمر لله وذلك بالإيمان بوعوده.  أما راعوث فتحدثنا عن التمتع بهذا الثمر النفيس.  بينما تحدثنا بثشبع عن الحرص على عدم خسارة التمتع بهذا الثمر.  ولكن مريم تحدثنا عن كمال هذا الثمر لله.  بكل تأكيد إن الله هو إله النعمة والرحمة في حياة كل من هؤلاء النساء الخمس في سلسلة نسب يسوع المسيح.
توم ستير
توم ستير